جنيف 3 بين مضايا وشيخ مسكين
استمعت عبر إحدى الفضائيات إلى بعض وجهات النظر حول موقف المعارضة السورية ممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات التي انبثقت عن مؤتمر الرياض من مسألة المشاركة في مؤتمر جنيف3 من عدمها .وأقرأ الآن مانشره المكتب الإعلامي للائتلاف هذا اليوم أيضاً ( الأول من فبراير ) على لسان رئيس وفد المفاوضات حيث قال : ( لامفاوضات مع نظام الأسد قبل وقف القصف الروسي وفك الحصار وإطلاق المعتقلين ) . الإشكالية المطروحة حول هذا الموضوع تتمثل إذاً، من جهة بربط اشتراك المعارضة بتنفيذ النظام السوري وشركائه من الروس والإيرانيين وأتباعهما لقرار مجلس الأمن 2254 فيما يتعلق ب : 1) وقف قصف المدنيين بالبراميل المتفجرة ، 2) رفع الحصار عن المناطق المحاصرة بغية وقف مذبحة الموت جوعا في هذه المناطق ، 3) الإفراج عن النساء والأطفال المعتقلين في سجون النظام ، وهي مسائل تعتبرها المعارضة قضايا إنسانية يجب ألا تكون جزءا من القضايا السياسية التي سيتم بحثها على طاولة المفاوضات بين وفد المعارضة ووفد النظام والتي ستدوروفق وفد المعارضة بصورة أساسية حول تشكيل "هيئة الحكم " وحول صلاحياتها المدنية والعسكرية ، ووفق وفد النظام حول "الإرهاب ". ومن جهة أخرى ، بقبول نصيحة مايعرف ب " أصدقاء الشعب السوري"( والنعم ) من العرب وغير العرب ، لوفد المعارضة ، بألا يربطوا حضورهم المؤتمر بتنفيذ النظام لتلك المطالب الانسانية ، بصورة مسبقة ، رغم عدالتها ورغم مشروعيتها، ورغم كونها جزءاً من قرار مجلس الأمن 2254، لأن ذلك الربط يمكن أن يعتبره الروس و بشار الأسد " شروطاً مسبقة " وهو مايتعارض مع توافقات لافروف وجون كيري في لقاء فيينا ويمكن أن يؤدي (هذا الربط ) بالتالي إلى فشل مؤتمر جنيف 3 ، الأمر الذي قد يترتب عليه مضاعفات سياسية وعسكرية قد لاتكون في مصلحة المعارضة . بل وقد يكون هذا ما يريده النظام ( إفشال مؤتمر جنيف 3 ) .
إن جعل مدة المفاوضات. في خارطة طريق مجموعة فيينا الموسعة ، ستة أشهر ( (بدلا من شهر أو شهرين مثلا ) إنما كان ينطلق أساسا ــ وهذا وفق تقدير الكاتب ــ من سوء نية مسبقة عند واضعي هذه الخارطة !! ، مفادها أن نجاح أو فشل جنيف3 لا يتعلق أساساً لا بالمعارضة ولا بالنظام ، وإنما بالدول الفاعلة في لقاء فيينا المذكور وتحديدا ، أمريكا وروسيا ، وإن توافق هذين القطبين في مجلس الأمن على القرار 2254 الذي اصبح سلاحاً قوياًّ بيد المعارضة السورية أشهرته في وجه ديمستورا في دمش وفي الرياض وفي جنيف , نقول إن هذا التوافق الذي فضحه عدم اسخدام روسيا لحق الفيتو والسماح بتمرير القرار، إنما يعود أساساً لمعرفة الطرفين( روسيا وأمريكا )ان مثل هذه القرارات التكتيكية لا تعني شيئاً حقيقياً عند التطبيق ، حتى ولو كانت تحت الفصل السابع كما هي حال فرار مجلس الأمن 2216 حول اليمن ، والذي كان مفعوله في جنيف صفراً على الشمال . إن هذا يذكرني بقول حسني مبارك قبل سقوط نظامه لمعارضيه ( خليهم يسّلوا ) .
إنه ليس لدى الكاتب أية معلومات أو تسريبات عن وجود أو عدم وجود توافق بين أعضاء الهيئة العليا السورية للمفاوضات حول هذه الإشكالية . ولكن مالا تخطئه العين ولا يرفضه العقل هو مشروعية وطبيعية وجود مثل هذه الخلافات والاختلافات بين أطراف المعارضة ، ولا سيما أن ثورات الربيع العربي كلها وليست فقط الثورة السورية باتت رهن التوافق الخارجي ، وخاصة روسيا بوتين وأمريكا أوباما ، وإلى حد ما أوروبا ، أكثر مما هي رهن التوافق الداخلي بين أبناء الوطن ، وبالتالي فإن الخوف من " الصيف ضيعت اللبن " بات هو سيد الموقف ، لمن ليس لديه طيارات ولا دبابات ولا صواريخ تاوولا صواريخ ماوراء حيفا ، يشد ظهره بها على طاولة المفاوضات في جنيف ، بل و ليس لديه حتى أصدقاء حقيقيون عرب أو أجانب يشدون أزره ويساعدونه على الثبات في موقفه المشروع والعادل الذي أشرنا إليه أعلاه . لقد باتت العدالة بيد دول المصنع والمدفع في موسكو وواشنطن والذين بات ينطبق عليهم قول المتنبي " فيك الخصام وأنت الخصم والحكم ".
إن الأمر الطبيعي هنا أن يختلف أبنا ء ثورة آذار 2011 ، ولكن المهم بل والأهم هو أن تصب خلافاتهم ( إن وجدت ) في مصلحة الثورة ، وفي الوفاء لأرواح ملايين الشهداء الذين قضوا في سبيلها .
لقد استمعت إلى أحد أعضاء وفد المعارضة السورية في نفس حلقة الحوار التي أشرت إليها في مطلع هذه المقالة وهو يقول متأثرا : لقد دمرالنظام بلدنا وقتل وهجر وشرّد الملايين من أهلنا ويتم أطفالنا ، وأساء إلى كرامة وشرف نساءنا ، ولم يبق لنا ما نخسره ، اللهم سوى ذلنا وعبوديتنا وقيودنا ، ولذلك فنحن لن نقدم لهؤلاء الوحوش البشرية السورية والروسية والإيرانية واللبنانية أية تنازلات مجانية لافي مضايا الجائعة ولا في شيخ مسكين الجريحة ،وسوف نصر على موقفنا في المطالبة بفصل الجانب الإنساني عن الجانب السياسي حتى ولو اعتبرذلك شروطاً مسبقة ، ورغم الكلام المعسول لديمستورا ، ولكن المتناقض والمحشو بجملة " أنتم على حق ولكن القرار ليس قراري!! . إن مايجب قوله لديمستورا هنا هو : إذا كنت مجرد ساعي بريد في مثل هذه القضايا الكبيرة ، فعليك أن تأخذ مكانك إلى جانب كوفي عنان والأخضرالبراهيمي .
إن مانرغب أن نقوله هنا : إن الزمن الذي سوف تنتهي فيه هذه الغمّة التي عانى ويعاني منها شعبنا منذ نصف قرن ، لن يكون طويلا إنشاء الله ، وإن دروس التاريخ علمتنا أنه " مامات حق وراءه مطالب " وأن " النصر صبر ساعة " . نعرف أن رحيل الأسد بات رهناً برحيل بوتين ، وأنه لابد من رحيلهما معاً من بلدنا الحبيب سورية ، وهو ماسيحصل قريباً إنشاء الله ، وقد تكون الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت .
نعم لقد " حررت !!" قوات بوتين والأسد وحسن نصر الله مدينة شيخ مسكين ، ولكن من سكانها ومن أهلها !!، ولن يكون بعيداً ذلك اليوم الذي سيجعل أبناءحوران الميامين وأبطال الجيش الحر ، جنود مجرم الحرب بشارالأسد ومرتزقته يلعنون الساعة التي دخلوا فيها إلى هذه المدينة. أما مضايا التي يقضي بعض أبنائها من الصغار والكبار يومياً جوعاً وعطشاً ومرضاً ويقتاتون على أوراق الأشجار وأعشاب الأرض نتيجة الحصارالطويل عليها من قبل شبيحة بشار ومسانديه القادمين من الشرق والغرب ، فإن طائر العنقاء سيظل يحوم فوق قبور شهدائها من الشيوخ والأطفال الذين قضوا جوعاً وعطشاً ومرضاً، إلى أن تثأر لهم الثورة ممن قتلهم ، طال الزمن أم قصر .
وسوم: العدد 653