اتفاق روسيا وأمريكا المسموم

د.اسماعيل خلف الله

هناك سؤال وجب طرحه بكل جدّية:

لماذا تزامن الاتفاق الروسي الأمريكي حول سورية بوقف إطلاق النّار عندما قرّرت المملكة العربية السعودية وتركيا التدخل البري في سورية؟

وللتذكير فإن هذا الاتفاق جاء بناء على البيان المشترك بين واشنطن وموسكو والذي تم الإعلان عنه يوم الأثنين 22 فبراير/ شباط، والذي يُلزم كل أطراف النزاع في سورية وقف الاقتتال في أجل أقصاه منتصف النهار ليوم الجمعة المقبل بالتوقيت المحلي لمدينة دمشق، وسيدخل حيّز التنفيذ عند منتصف ليلة الجمعة إلى السبت 27 فبراير/ شباط 2016م.

وعندما نتتبّع سياسة روسيا اليوم أول ما نلاحظه هو أنّ هذه السياسة لم تعد تلك التي كان ينتهجها الإتحاد السوفياتي السابق في تعامله مع الولايات المتحدة الأمريكية بمراعاة مصالح الدول التي تنطوي تحت العباءة الشيوعية آنذاك.

وإذا أخذنا موضوع حل الأزمة السورية بمنظار موسكو وواشنطن فلا غرابة أنّه سيكون وفقا لمصالحهما بلا أدنى شك، ولكن أن يكون على حساب أشلاء أطفال سورية فهذا ما يحزّ في النفس، وتُصبح نصوص القانون الدولي عبارة عن مفردات جافة لا قيمة لها أمام تصرفات كبار العالم بهذه الجشاعة والشيطنة.

وإذا عدنا قليلا إلى الوراء وبالضبط يوم 30 سبتمبر 2015 الذي تمّ فيه التدخل الروسي في سورية،

هذا التدخل الذي لو لم يكن بإيعاز من أمريكا ما تجرأت روسيا أن تتخذ مثل هذا القرار خاصة في ظل الأزمة البترولية الحادة وما يُعانيه الإقتصاد الروسي في ظل إنهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية،

كما لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون روسيا قد غزت سوريا رغم أنف أمريكا.

وبالتالي فإنّ هذا الاتفاق جاء ليعطي الشرعية الدولية للوجود العسكري الروسي في سورية،

كما أنّ هذا الاتفاق جاء لينزع كل شك على أنّ أمريكا وروسيا وحلفائهما كانت لهم النية المبيّتة فيما سبق على ضرورة خلق جسم جرثومي والمتمثل حاليا في تنظيم داعش ونشره بطريقة شيطانية داخل الجسم العربي حتى يستطيع هذا الحلف التدخل في شؤون المنطقة العربية تحت ذريعة محاربة الإرهاب ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وحتى يتسنى لهذه الدول وعلى رأسهم أمريكا وروسيا أن يفعلوا ما كانوا يُخططون له سواء في سورية أو في العراق أو في لبنان أو في باقي المناطق العربية، فهذا الاتفاق هو دليل قطعي لمن لا يزال يصدق بأكذوبة داعش وتنظيم الدولة الإسلامية، وأنّ هذه الفزّاعة هي من اصطناع القوى الدولية الكبرى لإعادة رسم خريطة الوطن العربي وعلى الخصوص منطقة الشرق الأوسط.

هذا الاتفاق جاء لينزع الصورة التي كانت مرسومة لدى عامة النّاس بأنّ تمادي روسيا في قصف المدنيين من رضع وأطفال ونساء وعجزة ومستشفيات ومدارس ومباني مدنية في مختلف المدن السورية، يُعد بمثابة انتصار لروسيا وهزيمة نكراء لأمريكا، بل هو انتصار لكليهما.

هذا الاتفاق جاء ليُظهر الصورة الحقيقية لقوى الشر التي تكالبت على المنطقة العربية، وعلى تسويق كل المقترحات التي تخدم مصالحها على حساب الأرواح والأنفس البشرية العربية والإسلامية ، هذه المقترحات التي يتم طرحها من طرف هذه القوى نفسها على أنّها هي الحلول وما دونها مرفوض،  وكل من يخرج على الرّسم الذي رسمته فهو داعم للإرهاب ويدخل في صفه وخانته.

هذا الإتفاق جاء ليُشتّت قوى المعارضة السورية مرّه أخرى ويقطع كل شعرة كانت تربط هذه التنظيمات بعضها ببعض.

هذا الاتفاق جاء ليُؤكد فرضية وجود تنسيق مسبق بين أمريكا وروسيا للتدخُّل العسكري لهذه الأخيرة في سورية، والتوافق الكامل بينهما في رسم المخطط ومخرجاته كما هو حاصل اليوم على الأراضي السورية، وما هذا الاتفاق إلا إخراج قانوني لهذا العمل الشيطاني وشرعنته أمام المجتمع الدولي.

هذا الاتفاق جاء ليُسلّم الأراضي العربية السورية السُّنية لإيران كما سلّمت لها العراق في 2003،

والذي ما هو إلا ثمرة من ثمار إتفاق فيينا النووي(5+1).

هذا الاتفاق هو قمة التقاء المصالح الرّوسية الأمريكية الإيرانية على حساب المنطقة العربية والإسلامية، وهو إعلان واضح وصريح بميلاد خريطة سايكس بيكو جديدة لتقسيم سورية والعراق وربما تركيا ومناطق أخرى.

هذا الاتفاق جاء ليُؤكد على حرص روسيا وأمريكا ومن سار في حلفهم على ضرورة استمرار وجود تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" حتى يُعطي الصبغة الشرعية الدولية لكل إجرام تقوم به هذه الدول في حق شعوب المنطقة وبالأخص الشعب السوري وما يُعانيه الآن من تقتيل وتشريد وتهجير ممنهج.

هذا الاتفاق جاء ليزرع الرّوح في نظام بشار الأسد الذي مات كم من مرّة ويُعاد بعثه من جديد ليبقى بشار الأسد الواجهة السياسية كما تُريده روسيا وأمريكا تحت ذريعة مواجهة ومحاربة الإرهاب الداعشي.

هذا الاتفاق جاء ليؤكد كذلك على أنّ قضية القضاء على التنظيم الداعشي نهائيا لم تكن في يوم من الأيام الهدف الروسي الأمريكي، بل بالعكس هم دوما من يوفّرون له أسباب البقاء والإستمرارية في زرع الموت والدمار والخراب في المنطقة العربية وترهيب شعوبها، هذا من جهة، ولزيادة مبيعات الأسلحة الروسية والأمريكية والإنعاش المتواصل لأسواقها، من جهة أخرى.

لقد جاء هذا الاتفاق ليبقى تنظيم داعش هو المفتاح والبساط الأحمر لقوات الحلف الأمريكي الروسي الإيراني وكل القوى العظمى للتدخل المباشر في دول المنطقة العربية، سواء عسكريا أو سياسيا، ويظل ورقة ضغط على كل دولة عربية أو إسلامية تُريد أن تتحرر من القرار الروسي الأمريكي.

وفي الأخير ومن خلال هذا الاتفاق يتضح لنا جلّيا أنّ ضرب الإرهاب وعلى رأسه تنظيم الدولة الإسلامية " داعش"، لم يكن في يوم من الأيام هدفا، وإنما هو وسيلة لتحقيق أهدافا تمّ التخطيط لها مسبقا، وهاهي الآن بدأت تظهر صورها ومجسماتها الواحدة تلوى الأخرى.

د.اسماعيل خلف الله                                                                    

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 657