التظاهر السلمي حق أساسي ومطلب ثوري
نعم للثورة ... لا للافتئات على الحقوق
يوما بعد يوم تتأكد قناعتنا بأحقية الثورة السورية الجميلة المباركة، وبعدالة المنطلق الذي انطلقت منه ، وبسمو الأهداف التي سعت إليها ، وبالجريمة التاريخية التي كانت ترتكبها الزمرة الحاقدة التي ثار هذا الشعب ضدها ..
وعلى الرغم من الجهود الممنهجة التي تحاولها سياسات عليا ، دولية وإقليمية ومحلية ، لتشويه صورة الثورة ، وإقناعنا بأن الطريق الذي اخترناه كان ضالا أو خاطئا أو مكلفا ؛ فإننا نزداد يوما بعد يوم إيمانا بأنه لم يكن لنا بديل عن الثورة إلا الثورة . وأن هؤلاء المتواطئين على ثورتنا طبقا عن طبق ( دولي وإقليمي وأدواتي محلي ) كلهم يسعى ، كلٌ على طريقته لإحباط هذه الثورة ، وقطع الطريق عليها ، بعضهم على الطريقة الروسية – الإيرانية ، بالقصف والقتل والتدمير وبعضهم على طرائق أخرى لم تعد تخفى على عاقل رشيد ..
إن أخطر ما عايشناه ، بعد خمس سنوات من الثورة ، هو جرأة أقوام لا خلاق لهم ، كليلة أبصارهم ، قاصرة عقولهم ، ليس على أهداف الثورة ، وتطلعات الشعب صاحب المصلحة الأساسية فيها فقط ، بل على مرجعية هذه الثورة العقائدية و الثقافية ، فأعملوا فيها تشويها ، وتقزيما ، وسوء تفسير وتطبيق ، حتى نالوا منها ما لم ينله أعداؤها المباشرون على مدى قرن من الحرب الممنهجة الضروس .
إن الحقيقة التي ما زلنا طوال السنوات الخمس نجأر بالشكوى منها ، ونحذر من ثمراتها المرة ، وشرابها الحامض ؛ هي أن هؤلاء الأقوام ما كان لهم أن يتقدموا ويتفردوا لولا تقاعس أصحاب الحق عن حقهم ، ونكوصهم عن القيام بواجبهم ، فخلت الساحة عن قائم بالحق ، وضاعت الراية ، أيدي سبا ، حتى ضاعت بأيد أقوام كالذين نادوا رسول الله من وراء الحجرات (( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ )).
وهؤلاء الذين لا يعقلون ، سواء بضعف وعيهم ، أو عرض وسادهم ، أو بانقيادهم وراء الخيوط التي تقود بعضهم ، كانوا أدوات عمليين ، خلال السنوات الخمس ، لتشويه الثورة والتنفير منها ومن مشروعها في ساح ، ثم في الإجلاب والتحريض عليها والتأليب على مشروعها الوطني ، وحلمها الوردي الجامع في ساح آخر ، استفزهم غرور أو وظفهم عدو أراد أن يستخدمهم ذريعة من حيث يشعرون أو من حيث لا يشعرون ...
وكانت الضرورات المقدرة بقدرها في ظرفها ، تدفع أحيانا إلى الإغضاء عن المكروه ، وأحيانا إلى تجاهله ، وأخرى إلى التلميح بالإشارة دون العبارة ، حتى طما الخطب ، وعمّ البلاء ، وتجاوز الأمر كل حد ، وأصبح المواطن السوري يرى نفسه أمام وجهين للظلم ، وخيارين للسوء ؛ يقاتله أحدهما باسم الطاغوت والجبروت ، ويقطع الآخر طريقه تحت رايات العماية والجهل والادعاء . وباسم أحب الرايات إلى قلبه.
يتناسى بعض عديمي الذاكرة ، أن هذه الثورة انفجرت لأن طاغية مستبدا فاسدا أرعن أحمق جاهلا لم يحتمل عبارة خطتها أنامل أطفال غضة بقطعة طباشير على رقعة جدار . وأن هذه الثورة قد انطلقت لتسلم أنامل كل طفل سوري يريد أن يكتب ما شاء متى شاء بالطريقة التي يشاء ...!!
ينسى بعض عديمي الذاكرة هؤلاء أن الشعب السوري الحر البطل الجريء الجميل ، قبل أن تكون فصائل ويكون لها أسماء ، إنما اضطر لحمل السلاح لأن طاغية مستبدا فاسدا أرعن أحمق جاهلا تصدى للمتظاهرين السلميين بالسوط والعصا ثم بالرصاص يطلقه على الصدور العارية ، والقلوب الحية حتى كان ما كان ...
لم تنطلق هذه الثورة ، ولم تستعر ؛ إلا لحماية حق كل طفل سوري في أن يكتب ، وحق كل شاب سوري في أن يتظاهر ، ويصدح على طريقة غياث مطر ولو ضد ما تدعو إليه الثورة ، ويريده الثورة ...!!
وفي إطار الواقع الذي تعيشه الثورة السورية اليوم ، وفي ظل التحليل العميق لخيوط المؤامرة المحدقة بها حتى من بعض ( أدواتها ) ؛ نقرر أن العودة إلى التظاهر السلمي هو خيار أساسي لاستئناف الثورة في عالم للتعبير الحر لا تتحكم فيها غير إرادة المنخرطين فيه ..
يوما بعد يوم يتعمق إيماننا بمشروع الثورة ، مشروعا للعدل والحرية والكرامة الإنسانية ، ويوما بعد يوم يتصعب علينا الاسترسال مع هؤلاء الذين شوهوا الحلم السوري ، والمشروع الوطني ، وذهبوا به كل مذهب غير المذهب الذي أراده السوريون لتحقيق آمالهم ..
وسيكون من الإثم والعار أن يقال بأن أنصار الثورة الحقيقيين قد ، صمتوا سنين خمسا عن محاولات تشويهها وحرفها ، والتسلق عليها لإجهاضها وتمكين عدوها منها ...
سيدرك رعاة المخطط العالمي والإقليمي المشبوه أن محاصرة السوريين بين الخيارين السيئين : بين المستبد الفاسد و المغرور الجاهل لن تفلح ، وأن في الشعب السوريين حين يجد الجد قوى وطنية حقيقية من الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا قادرين على تحمل عبء المشروع الوطني والوفاء باستحقاقاته.
أما الغائبون عن المشهد ، السادرون في سمادير اللحظة ، عن عجز أو عن قصور فستعركهم رحى الشر ، ما لم يسبقوا إلى مبادرة رشد يسعون فيها إلى حمل العبء بحقه لتقويم المسار وسد الثغرة ...
التظاهر السلمي حق مقدس لكل مواطن سوري ، يريد أن يعبر عن رأي في أي اتجاه أراد . والعدوان على هذا الحق هو نقض لغزل الثورة بعد قوة أنكاثا . والعودة بالسوريين إلى دائرة السوء التي ثاروا عليها.
ولا شيء يحمي الحرية مثل ثورة الأحرار . كلام فصل ليس بالهزل ؛ ولن ينفعنا بعد اليوم أن نقول نشجب ونستنكر وندين ...
حقكم وحقهم من حقنا ؛ حق واحد في فضاء ثورة الحق والعدل والحرية وبهذا تكون الثورة أو لا تكون ...
وسوم: العدد 658