لماذا يدعمون الإرهاب ضد تركيا ؟

 لماذا تتوافق أميركا وإسرائيل وإيران وروسيا ونظام بشار الأسد على دعم حزب العمال الكردستاني - وتفريعاته pyd- الذي بات يمارس الإرهاب بأبشع صوره وبشكل ممنهج ضد المدنيين الأبرياء في تركيا ؟ وهل لهذه الأطراف مجتمعة مصلحة مشتركة في زعزعة الأمن الداخلي التركي ؟ وما هي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ذلك ؟ .

 لاشك أن هذه الأطراف تسعى للانتقام من تركيا من خلال اللجوء إلى العدد من الطرق والوسائل ؛ ومن ضمنها استخدام ورقة حزب العمال الكردستاني وتوظيفها لإضعاف تركيا وإشغالها عن التعاطي الإقليمي ، سيما وأن هذه الأطراف يقلقها ويقض مضاجعها أن تركيا دولة طامحة تسعى ليكون لها دوراً مهماً في المنطقة ، وهذه الأطراف يقلقها حزب العدالة والتنمية الذي يقود تركيا ؛ لهذا تسعى هذه الدول لإفشال الطرح الناجح الذي تحاول تركيا أردوغان الترويج له ،أ و تبنيه على الساحة الدولية ودعم الشعوب التي تناضل ضد استهدافها وضد الديكتاتوريات التي أعملت ذبحاً وتقتيلاً في شعوبها؛ وفي مقدمتها نظام بشار الأسد الدموي والإرهابي .

 وهذه الأطراف يقلقها أيضاً وجود نموذج دولة منافسة في ظل الفشل الذريع الذي منيت به طروحات الدول القطرية التي أسهمت في بناء دول جسدت عبقرية الفشل بامتياز .

 هذه الأطراف يقلقها عدم القدرة على مواجهة تركيا دولة لدولة ،في ظل استبعاد الخيار العسكري المباشر بين هذه الدول وتركيا قصد الانتقام منها ، فاستعانت بالطرق والأدوات الشيطانية لتصفية الحسابات معها .

 لا شك بأن هذه الأطراف مجتمعة تسعى لإرباك الحكومة التركية التي دعمت المعارضة السورية المسلحة التي تعمل على إسقاط نظام بشار الأسد ، والتي لديها هدف مشترك واحد وهو عدم سقوط هذا النظام ، لأن في بقائه مصلحة إستراتيجية لها . من هنا فإن من أبرز غايات دعم حزب العمال الكردستاني زيادة الضغط على تركيا بخصوص تغيير موقفها من الموضوع السوري، ومحاولة التأثير على أطراف المعادلة السياسية والأمنية والعسكرية داخل مؤسسات الحكم التركية ، ورفع مستوى التوتر ، مما قد يحقق الانقسام والتشرذم .

 السيناريو الذي يتم انتهاجه يختزل صورة المشهد التآمري ضد تركيا ؛ فالكل يتقاسم الأدوار ؛ الدعم الأميركي والروسي لحزب العمال الكردستاني بالسلاح ، وتوظيف إيران ومخابرات الأسد والموساد التي تمتلك معلومات لوجستية في تركيا ، ورعاية ودعم مسلحي حزب العمال الكردستاني «بي كا كا» عسكريا واستخبارتياً من أجل زعزعة الاستقرار في تركيا، واستغلال حالات تزايد الاتهامات و تصاعد موجة الاشتباكات بين الجيش التركي والإرهابيين من هذه المليشيا الكردية على اثر استهدافه للداخل التركي بعمليات إرهابية غير مسبوقة .

 الأمر المثير أن هناك شواهد عديدة تؤكد محاولة هذه الأطراف استهداف تركيا ، على مراحل وبطرق عديدة ؛ فموسكو حاولت استغلال حادثة إسقاط الطائرة الروسية بعد اختراقها المجال الجوي التركي قرب الساحل السوري ، للحشد الاقليمي والدولي ، فتعاطفت كل من إسرائيل وإيران ونظام الأسد ، ، لتكون أكبر شاهد على ذلك ، حيث استغلت هذه الحادثة للتصعيد غير المسبوق مع تركيا وكأنها افتعلت ما جرى للانتقام منها ، وعلى أثر ذلك بدأت موسكو سلسلة خطوات تصعيدية ضد أنقرة أبرزها إلغاء التعاون العسكري بين البلدين ، وتحذير السياح الروس من القدوم إلى تركيا، في محاولة لتدمير اقتصادها السياحي ، فضلا عن عقوبات اقتصادية أخرى أخذت عدة أشكال ، وكان في مقدمتها تكثيف الطائرات الروسية لشن غاراتها على مناطق حدودية مع تركيا، لا سيما المناطق الحدودية في محاولة واضحة لاستدراج أنقرة لمواجهة عسكرية مباشرة ، لكن عقلانية صانع القرار التركي كانت بالمرصاد لتفويت الفرصة على بوتين ونتنياهو وروحاني والأسد لجر تركيا إلى هذا الخيار المدمر .

 وعندما فشلت هذه المؤامرة ، تجدد خيار توظيف دعم حزب العمال الكردستاني ، على اعتبار أنه هو المتوافر على الطاولة دوماً ؛ خاصة أن مناطق المعسكرات والتمركز التي ينطلق منها حزب العمال الكردستاني في هجماته ضد تركيا تنطلق من جبل قنديل الممتد بين إيران والعراق، لا بل أن الحكومة الإيرانية تفسح المجال لحزب العمال الكردستاني للانطلاق من أراضيها ، وتوفر له مختلف أشكال الدعم ؛ الأمر الذي يتطلب من الحكومة التركية مراجعة مختلف خياراتها للتعامل حتى مع حكومتي بغداد وطهران التي يبدو أنهما ضالعتين في الأعمال الإرهابية ضدها .

 المثير أن المصادر الأمنية التركية كشفت عن أن الجهات الأمنية التركية تحقق وبشكل مكثف بعد وجود معلومات مؤكدة في علاقة محتملة للنظام السوري والإيراني وحزب العمال الكردستاني التي أسهمت السياسات الأميركية والروسية والإسرائيلية على حد سواء في تقوية شوكتها للقيام بمسلسل التفجيرات الانتحارية التي تجري في تركيا تباعاً ؛ حيث هناك عملية توزيع أدوار مخطط لها بعناية ترعاها أجهزة مخابرات هذه الدول ، تعرف كيف تستخدم عناصرها من تنظيمات مسلحة لتنفيذ عمليات إرهابية تخدم أهدافها، كما حدث في تفجيرات أنقرة واسطنبول خلال أقل من أسبوع .

 النتيجة أن بي ك ك وغيرهم من المسلحين الأكراد هم أداة بيد أجهزة المخابرات الإقليمية و للعبور إلى الساحة التركية لممارسة العنف والإرهاب ؛ وهذا يضع مصداقية الدول الداعمة له على المحك ؛ في أن الإرهاب ضد تركيا باتت تقوده وترعاه دول إقليمية عظمى . 

د. بسام الضويحي

رئيس مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية