في اليوم العالمي لحرية الصحافة، مصر : قنوات مغلقة وسجناء يتألمون وعدالة غائبة

بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة يطيب للمرصد العربي لحرية الإعلام أن يطلع الرأي العام العالمي على حالة حرية الصحافة في مصرحاليا، والتي وصلت إلى مرحلة متدنية جدا منذ إنقلاب الثالث من يوليو 2013 بعد أن كانت شهدت انتعاشا كبيرا عقب ثورة 25 يناير 2011.

يكفي أن يعرف الجميع أن السلطات المصرية قبضت في يوم واحد على 47 صحفيا ومصورا يوم 25 إبريل المنقضي أثناء قيامهم بعملهم في تغطية مظاهرات دعت لها مجموعات سياسية معارضة لإتفاقية ترسيم حدود مصرية سعودية، ومنعت أطقم بعض القنوات من التغطية أيضا، في حين سحبت الكاميرات أو الصور من آخرين، وسمحت لبعض المرتبطين بجهاز الشرطة بمحاولة اقتحام نقابة الصحفيين أكثر من مرة.

وقبل يومين اقتحمت قوات الامن المصرية نقابة الصحفيين، وقبضت على اثنين من أعضائها وهذا يحدث للملرة الأولى في تاريخ النقابة الممتد عبر 75 عاما وجاء هذا العدوان تتويجا لسلسلة من الاعتداء على الصحفيين.

وتعاني حرية الصحافة في مصر بشكل عام من فرض المزيد من القيود عليها وتحويلها إلى صحافة الصوت الواحد، بعد إغلاق 33 وسيلة إعلامية منذ 3 يوليو 2013 لايزال 25 منها مغلقا حتى اليوم، وتتواصل عمليات حبس الصحفيين حيث يقبع في السجون حاليا 87 صحفيا وهو ما يجعل مصر في تقديرنا في المركز الأول عالميا في حبس الصحفيين وليس في المركز الثاني كما أعلنت بعض المنظمات الدولية الرائدة، وهذا ما يستوجب تضامنا دوليا كبيرا مع هؤلاء الصحفيين السجناء الذين يعانون ظروفا بالغة القسوة في محابسهم.

القتل

إن دماء 11 صحفيا سقطوا برصاص الجيش والشرطة إضافة إلى 2 سقطا برصاص جماعات مسلحة (أحدهما في سيناء والثاني في ليبيا) لاتزال عالقة تبحث عن الجناة الذين سفكوها، ولم تبد السلطات المصرية أي جدية في معرفة الجناة الحقيقيين حتى الآن، والحالة الوحيدة التي تحركت من أجلها وهي الصحفية ميادة أشرف التي قتلتها الشرطة  يوم 28 مارس 2014بشهادات موثقة لزملائها تم تقديم أشخاص من المتظاهرين كمتهمين بقتلها لاتزال تجري محاكمتهم حتى الآن،  ومن بين هؤلاء القتلى أيضا مايك دين الذي كان يعمل مع قناة سكاي نيوز وقتل يوم فض اعتصام رابعة بينما كان يصور عملية الفض ولم يتم تقديم أي متهم بقتله للمحاكمة حتى الآن.

خرق الدستور

رغم تضمن الدستور المصري الحالي العديد من النصوص التي تصون حرية الصحافة إلا أن السلطات ما فتئت تنتهك هذه النصوص بشكل صريح خاصة فيما يتعلق بحبس الصحفيين وإغلاق الصحف والقنوات اللتين تحظرهما تماما المادة 71 من الدستور، كما تعمد السلطات لسن تشريعات مقيدة لحرية الإعلام ومن ذلك قانون الإرهاب الذي يحظر نشر الروايات التي تخالف الرواية الرسمية للأحداث ويفرض على ذلك غرامة مالية ضخمة، ناهيك عن قوانين للتضييق على الفضاء االكتروني، وقرارات عديدة  من النائب العام ورؤساء المحاكم بحظر النشر في قضايا كبرى تشغل الراي العام.

الإغلاق والمصادرة

في هذه اللحظات هناك 25 وسيلة إعلامية  لاتزال مغلقة في مصر بين صحف وقنوات ومحطات إذاعية، ومواقع إلكترونية، وتشمل هذه القائمة 11 قناة مصرية  أو تبث من مصر (مصر25، الفراعين، الحافظ، الشباب، الخليجية، ،صفا، الندا، ، الرافدين البغدادية، سوريا الغد،وقناة فلول)، و5 مكاتب لقنوات عربية (الجزيرة الإخبارية والجزيرة الإنجليزية والجزيرة مباشر مصر، ومكتب قناة الأقصى والقدس) و محطتين إذاعيتين هما راديو مصر وراديو ترام الشبابي، وشبكتي رصد ويقين، وموقع الاسلام اليوم، ووكالة أنباء الاسكندريةANA ( ،و 3 صحف ( الشعب، الحرية والعدالة، ووصلة)

ولاتزال عمليات مصادرة بعض الصحف أو وقف طباعتها مؤقتا تجري بعد مرور حوالي 3 أعوام على استيلاء الجيش على الحكم، وشملت قائمة الصحف التي تعرضت للتعطيل أو وقف الطباعة المؤقتة صحف المصري اليوم والوطن، وصوت الأمة، والوادي، والمصريون، واليوم السابع والفتح.وبعض هذه الصحف تعرض للتعطيل أكثر من مرة بسبب احتوائها على مواد صحفية لاتروق للسلطات.

كما أن عمليات الوقف الكامل أو المؤقت لبعض البرامج التليفزيونية لايزال جاريا، في القنوات الرسمية والخاصة على خلفيات سياسية، ومن الذين لايزالون محرومين من تقديم برامجهم حتى الآن باسم يوسف- ريم ماجد- يسري فودة- بلال فضل-- محمود سعد- بالاضافة إلى كل الوجوه الإسلامية التي كانت تقدم برامج أو تحل ضيوفا على القنوات الرسمية والخاصة

أحكام مشددة في قضايا نشر

تزايدت الأحكام القضائية بحبس الصحفيين حضوريا أو غيابيا سواء من محاكم جنائية عادية أو محاكم عسكرية، ويكفي أن نشير إلى قضيتين لاتزالان جاريتين وهما قضية ما يسمى بغرفة رابعة والتي شملت 16 إعلاميا حكم على أحدهم بالإعدام وعلى الباقين بالمؤبد، وقد نقضت محكمة النقض هذا الحكم ولاتزال القضية منظورة أمام محكمة جديدة، أما القضية الثانية فهي قضية الجزيرة أو ما سمي بخلية ماريوت، وقد شمل الحكم فيها 7 صحفيين حضوريا بالحبس بين 7 و10 سنوات كان منهم صحفيو الجزيرة المعتمدون بيتر جريستي وباهر محمد ومحمد فهمي و4 متعاونون والحكم غيابيا على 11 آخرين بالحبس 10 سنوات، ورغم تصفية القضية بالنسبة لصحفيي الجزيرة الذين حوكموا حضوريا إلا أن الأحكام لا تزال قائمة لمن حوكموا غيابيا، ولاتزال تمثل سيفا مسلطا على رقابهم، وإضافة إلى هاتين القضيتين الكبيرتين هناك العديد من قضايا التخابر التي ضمت بعض الصحفيين لاتزال منظورة امام المحاكم.

لم تقتصر الأحكام على منتمين للاخوان بل شملت غيرهم من الليبراليين مثل فاطمة ناعوت ويوسف شعبان وأحمد ناجي وإسلام بحيري والثلاثة الأخيرون يقبعون في السجن فعلا الان.

أوضاع الصحفيين السجناء

حسب آخر إحصاء للمرصد يقبع في السجون المصرية حاليا 87 صحفي ومراسل ميداني، بعضهم كبار السن تجاوزوا الستين عاما، وغالبيتهم من الشباب، وقد كان من بين سجناء الصحافة بعض السيدات اللاتي أخلي سبيلهن بعد الانتهاء من قضاء العقوبة أو على ذمة قضايا لاتزال منظورة.

على خلاف الحقيىقة تدعي السلطات أن الصحفيين السجناء جميعهم من الإخوان وأنهم محبوسون في اتهامات جنائية لاعلاقة لها بالعمل الصحفي وهذا غير صحيح بدليل وجود شخصيات ليبرالية ويسارية ومستقلة أمثال إسماعيل الإسكندراني ومحمود شوكان ويوسف شعبان وهشام جعفر، واحمد ناجي، وإسلام البحيري، ومجدي حسين، وعمر عبد المقصود، وسعيد أبو حج ولا ننسى أن تهمة الانتماء للاخوان كانت موجهة للصحفي الاسترالي بيتر جريست أيضا

انتهاكات داخل السجون

يعاني الصحفيون السجناء والمحبوسون إحتياطيا من العديد من الإنتهاكات داخل السجون بالمخالفة للوائح  تلك السجون ، ومن تلك الإنتهاكات التي وصلت للمرصد شكاوى عديدة بها الحرمان من الدواء، والحرمان من التريض، والحرمان من القراءة ومتابعة الاخبار، والحرمان من التغذية المناسبة، والحرمان من اللقاء المباشر مع ذويهم بدون حائل، ولعل من المناسب هنا أن نروي باختصار قصة الصحفي عبد الرحمن شاهين المراسل المتعاون مع قناة الجزيرة الذي يقضي عقوبات مجملها 31 سنة عقب محاكمات جنائية وعسكرية تتعلق بنشر أخبار كاذبة، حيث أن هذا الصحفي الشاب قبض عليه بعد زواجه بخمسة أشهر فقط، وأصبح لديه طفل عمره الآن 18 شهرا، لم يتمكن من إحتضان طفله مرة واحدة بسبب وجود حائل زجاجي، كما أن الطفل الذي لم يعرف والده يخشى الإقتراب منه.

المرضى

وهناك عدد من الصحفيين السجناء الذين يقبعون في زنازين غير آدمية وغير صحية يعانون أمراضا مزمنة أو أصيبوا بأمراض داخل السجن مثل مجدي حسين ومحسن راضي وهاني صلاح وهشام جعفر ويوسف شعبان ومحمود شوكان، وترفض إدارة السجن نقلهم بشكل كامل لاحدى المستشفيات الخارجية للعلاج على نفقاتهم الشخصية حيث لا يتوفر العلاج المناسب في مستشفى السجن، كما منعت إدارة السجن مرات عديدة دخول الأدوية التي توفرها الأسر لهم، كما منعت إدارات السجون في مرات عديدة دخول الأغطية والملابس الصيفية أو الشتوية لهؤلاء السجناء، وهو ما دفعهم للدخول في إضراب عن الطعام لتحسين ظروف حبسهم وتطبيق لائحة السجون عليهم.

معاناة الأسر

تواجه زوجات هؤلاء الصحفيين السجناء معاناة مزوجه سواء في مراعاة بيوتهن وأطفالهن، أو في مراعاة أزواجهن السجناء، وتتعرض الزوجات لتعنت شديد من أفراد شرطة السجون أثناء الزيارات بعد رحلة سفر طويلة تستغرق بضع ساعات لبعضهن،  وترفض إدارات السجون السماح لهن باتمام الزيارة في كثير من الحالات رغم حضورهن في المواعيد القتانونية للزيارات، وحين تسمح لهن بالزيارة فلوقت قصير لا يتجاوز الخمس دقائق من خلف حاجز زجاجي، كما يتم في أحيان كثيرة منع دخول الوجبات الغذائية التي أعدتها تلك الزوجات، او اقتطاع بعضها قبل دخولها، أو إلقائها في سلال المهملات، وإزاء تعنت السلطات تجاه الصحفيين السجناء وتجاه الأسر اثناء زيارتهن دخلت تلك الأسر في إعتصام مفتوح بنقابة الصحفيين منذ العاشر من إبريل للمطالبة بالإفراج عن ذويهن.

وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة يجدد المرصد العربي لحرية الإعلام دعوته للإفراج عن الصحفيين السجناء سواء من يقضون عقوبات حبس بأحكام قضائية،أو من هم تحت الحبس الإحتياطي بقرارات من النيابة العامة، وحتى يتم هذا الإفراج يطالب المرصد بتحسين ظروف حبس هؤلاء الصحفيين وتوفير الرعاية الصحية والغذائية والرياضية والثقافية لهم، وتمكينهم من مقابلة أسرهم بدون حائل لفترات كافية، وتمكينهم من مطالعة الصحف والقنوات المختلفة.

وسوم: العدد 666