نحن لم نهزم ... ولكن!
ثورة يناير والربيع العربي كله لم يهزم، نحن في نهاية شوط من أشواط المباراة، وما زالت أمامنا أشواط أخرى.
الهزيمة لا يمكن تأكيدها إلا مع صافرة الحكم في نهاية المباراة، وهذا أمر ما زال بيننا وبينه وقت طويل.
لو هزمنا في يوم ما سأقول: هُزمنا لا لأننا نستحق الهزيمة ... بل لأننا لا نستحق النصر!
كلما اقترب سقوط الطاغية التافه تبرع بعض المشاهير من سائر التيارات بنفخ النار في رماد الخلافات لكي تشتعل نار الفرقة من جديد، وكأننا مجرد عرائس مارونيت يحركها ضباط المخابرات.
لا أتهم أحدا بالعمالة، ولكن ما يحدث يفوق قدرة العقل على التحليل، نحن – من جميع التيارات – أعداء أنفسنا، تجمعنا الزنازين، وتعصرنا المنافي، وتطحننا القوانين الاستثنائية، وتدوسنا تجديدات الحبس الاحتياطي بلا سبب ... ولكننا نأبى أن نتوحد، ونرفض أن نفهم المعادلة البسيطة، الواضحة، تلك المعادلة التي يفهمها الخونة الذين يسيطرون على مقاليد الأمور بسلاح فرقتنا قبل سلاح المعونة الأمريكية، والمعونات العربية، والدبلوماسية الإسرائيلية.
إنهم يفهمون المعادلة ... نحن في خير ما دام الثوار متفرقين، وحين يتوحدون سنرحل مثلما رحل مبارك، بل ستكون النهاية أسوأ!
الساحة الآن مهيأة لتوحيد الجهود، ولكن هناك مجموعة من الأشخاص والكيانات التي نذرت طاقاتها لتخوين كل من يقوم بأي محاولة لذلك، تراهم في سائر التيارات، توقف بهم الزمن عند لحظة معينة، وأصبحت مشاعرهم الشخصية تتحكم في عقولهم بطريقة مرضية.
أوهامنا تحول الممكن إلى مستحيل، وتحول المستحيلات إلى ممكنات، نتعاطى آمالا زائفة لأنها على مزاجنا، ونتجاهل ما هو ممكن لأن أيدلوجياتنا الفاسدة تعمينا عما هو ماثل أمامنا.
نرى الحياة بالأبيض والأسود، ونتجاهل ملايين الدرجات اللونية التي تشكل الكون الحقيقي، نبرر أحقر التصرفات لأنفسنا، وإذا ارتكبها من يختلف معنا نراها جرائم مكتملة.
لعن الله أيدلوجياتنا الفاسدة، كلها فاسدة، كل فكرة تبرر للإنسان أن يتحول إلى حيوان ملعونة.
الأيديولوجيا ... تقتل، وتسحل، وتغتصب، وتسجن، وتعذب، وتسرق، وتنهب.
الأيديولوجيا ... تبرر لك كل ما سبق، وتحولك إلى حيوان سياسي، يستطيع التعايش مع سائر الموبقات بشرط الحصول على ما يرضي أيديولوجيتك.
الأيديولوجيا ... حجة كثير من الانتهازيين، من أجل الوصول للمال والشهرة والسلطة ... نتظاهر بأننا متدينون هدفنا رضى الله أو الخلافة، أو وطنيون هدفنا الحفاظ على الدولة، أو يساريون هدفنا إنصاف الفقراء...!
الأيديولوجيا ... باسمها ستقتل معارضيك وتسحلهم وتصادر أموالهم، والطرف الآخر سيعتبر أنه مظلوم، وسبب تعرضه للظلم ... أنه يدافع عن شرع الله، أو عن بقاء الدولة، أو عن حقوق الفقراء.
لن يرى أحد من المظلومين أن سبب تعرضه للظلم هو تحكم الانتهازيين في المشهد، واستغلالهم لأديولوجياتنا!
لن يرى أحد صراع المصالح الواضح، ذلك الصراع الذي يغرق الطيبين في الأيديولجيا، لكي يتمكن مجموعة من السماسرة من جني أرباح لا أول لها ولا آخر من حقوق الشعوب.
أول من باع الإسلام وتطبيق الشريعة ... كان مجموعة من الناس الذين لا خلاق لهم، ولكن لحاهم أطول من أيادينا القصيرة في نصرة الحق.
وأول من فرط في التراب الوطني ... كان الحاصلون على النياشين والأوسمة والرتب المزعومة.
وأول من أهدر حقوق الفقراء ... كان الذين صدعونا بالحد الأدنى والأعلى للأجور وغير ذلك من الشعارات الفارغة.
وأول من صفق لانتهاك الحريات وبارك القمع ... كان الذين أذلونا بفصل الحريات في أعظم دساتير الدنيا.
الأيديولوجيا ... تستطيع أن تحولك إلى أعمى، لا يرى أي جريمة إذا ارتكبت في حق الآخرين، وأصم لا يسمع أنات المظلومين إذا اختلف معهم، وإلى أخرس يخاف أن ينطق بالحق مهما كان جليا واضحا لأنه حق المخالفين له لا المؤيدين!
لكل هذه الأسباب ... لا خلاص لنا إلا برمي الأيديولوجيا جانبا ... ولنبدأ بداية جديدة كتلك التي بدأنا بها في 25 يناير 2011 ... عيش ... حرية ... عدالة اجتماعية ... كرامة إنسانية!
لنا في هذه الأهداف متسع، ولنا في المتفق عليه ملاذ، والإصرار على استحضار أجنداتنا الأيديولوجية هو الوسيلة الوحيدة لاستمرار حكم العسكر.
لقد أثبت شهر أبريل 2016 عدة أشياء، أولها أننا أمام عدو خائن خائف، وأن قدرته على إطلاق الرصاص أصبحت محدودة، لذلك يتوسع في إجراءات القمع (الاستباقية)، لكي لا يضطر إلى أن يطلق الرصاص على المتظاهرين.
ثانيا: لقد ثبت أننا نستطيع أن نعمل سويا رغم لعنة الأيديولوجيا، وثبت أن ما يجمعنا من أهداف، وما يوحدنا من تحديات أكبر من خلافاتنا بكثير.
ثالثا: أن تربة الثورة ما زالت خصبة، وأن الصمود في الشارع لعدة ساعات سيتبعه نزول آلاف يتبعها آلاف، ولكن بعد أن يتلقى الأبطال صدمة المواجهة الأولى (كما حدث في 25 يناير 2011، وفي جمعة الغضب، وفي معركة الجمل)، فكل صمود في الشارع يتبعه انضمام أكبر وأوسع من طبقات الشعب المختلفة.
رابعا: أننا أمام جبهة تفككت، وتخشى يوم الحساب، وليس أدل على ذلك من أن رأس النظام "سيسي" كان في يومي 15 و25 أبريل خارج القاهرة، وتواترت الأخبار أن تجهيزات الهرب كانت معدة تحسبا لصمود الثوار في الشوارع.
خامسا: أن المعارضين في الخارج لهم دور كبير، ولكنهم – للأسف الشديد – لم يقوموا ولو بجزء بسيط مما ينبغي عليهم أن يقوموا به.
رسالتي إلى كل المحبطين ... نحن لم نهزم، ولكننا نتفنن في تأخير النصر!
نحن لا نستحق الهزيمة ... ولكننا – إذا استمرت فرقتنا – لا نستحق النصر!
إما أن نتحد ... وإما سيتأخر النصر، حتى يأتي من يستحقه!
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...
وسوم: العدد 669