ما قلناه، وأثبتته الايام
حين كتبت مقالتي المعنونة " فلسطين من ضياع الى ضياع "، وقلت فيها ما مؤداه، بان الخطر الصفوي لا يقل ابدا بدرجة من الدرجات عن الخطر الصهيوني، بل انه يفوقه بكثير الكثير، وان صراعنا مع الصهاينة سيكون له نهاية في يوم من الايام، اما صراعنا مع الفكر الصفوي فان نهايته ستكون اطول بكثير، هذا ان انتهى مثل هذا الصراع.
يومها تنطح الكثير من " الوطنيين المتنورين الديمقراطيين " لمهاجمتي والرد على مقولتي، وحين حاولت اختبار قراءتهم للتاريخ الصفوي والفارسي، والاستراتيجيات المبنية على ذلك التاريخ، ايقنت انهم خالي الوفاض من ألف باء المعرفة او حتى محاولة المعرفة.
كانت الغشاوة التي صاغها حسن نصر اللات، قوية وفاعلة، الى حد انها اعمت قبل الكثير من العامة، طغمة كبيرة من المفكرين والمثقفين الذين لم يتمالكوا أنفسهم امام الصورة التي دعمها الاعلام الصفوي بطريقة صاخبة للتبرؤ من العرب وامكاناتهم، والالتصاق بالغشاوة بكل قضهم وقضيضهم.
لم يصدقنا أحد، ولم يرد اصلا أحد التصديق، او حتى محاولة تأمل الصورة الصحيحة لوضع حسن وحزبه في لبنان. قلنا لهم بأن حسن هدفه الاصلي تحويل لبنان الى ولاية تابعة لولاية الفقيه، بعيدا عن العروبة والدين والتاريخ، ونقلنا على صفحات "الفيس بوك" خطابا مصورا لحسن وهو يؤكد بان خدمته في الحزب قائمة اصلا على تحويل لبنان الى ولاية شيعية تابعة لولاية الفقيه. ثم نقلنا لهم مقابلة مصورة لزعيم الحزب وهو يتبرأ من فلسطين وقضيتها امام مجموعة من الساسة الغربيين، وقلنا لهم بتأكيد ان يبحثوا ويستقصوا ادبيات الحزب التابع لولاية الفقيه، فلن يجدوا فيها ذكرا لاسم فلسطين او حتى الاحرف التي تشكل الاسم.
قلنا لهم ايضا، بان الحزب يسيطر على الجنوب اللبناني سيطرة كاملة، بحيث انه لا يستطيع أي فدائي عربي او مسيحي او درزي ان يناضل عبر الحدود، وان الحدود مغلقة فقط امام الحزب والتابعين له، وقلنا بان الحزب لا يقبل بين افراده أي مقاتل لا يؤمن بولاية الفقيه.
وحين تم تبادل الاسرى، وخرج سمير القنطار الذي تحول الى دمية ناطقة بلسان الحزب، ارتدى ملابس الحزب ولم يرتدي ملابس الجيش اللبناني الذي يمثل الوطن اللبناني قبل اعتقال سمير وبعد خروجه من السجن.
قلنا لهم ايضا: بان حسن لم يخجل من اعلان ليس تبعيته الى إيران فارس، بل افتخر انه خادم لولاية الفقيه في لبنان، وطلبنا منهم ان يعرفوا الدلالات العقدية لمعنى ولاية الفقيه، الولاية التي تخرج الفرد من انتماءاته الوطنية والتاريخية الى انتماءات الاساطير التي تتشابه مع الاساطير التلموديه، والتي تطالب الفرد باحتقار كل من لا يكون تابعا لها عاملا من اجلها، وأشرنا عليهم ان يدرسوا كيف ان الاخلاص للوطن والشعب لا يلتقي ابدا مع الايمان بولاية الفقيه.
قلنا: ان إيران تحتل كما الصهاينة تماما، جزر طمب الصغرى والكبرى وابو موسى، وعربستان، وأنها كما الصهاينة، تطارد كل معلم من معالم اهل السنة لتمحوه وتدثره، وتطارد المناضلين الاحرار والثوار الذين يحاولون التخلص من نير استعمارها وحقدها وغلوها الذي بلغ الى تعليق مشانق الثوار على ارصفة الشوارع في العاصمة طهران، والمدن الاخرى.
قلنا ايضا: بان الامور بخواتيمها وليس ببداياتها، فلا تنغروا ابدا بإنسان قدم تضحية في زمن ما، فسمير القنطار لم يعد سمير الذي كان سابقا، بل هو نسخة معدلة من ولاية الفقيه التي تحركه بحبال شفافة غير مرئية، لان الثائر لا يطعن ثائر، سمير خرج ليعلن ولاءه للنظام السوري المتخم رضاعة من حليب ابو لؤلؤة الفارسي، وليقول للعرب قاطبة: بانه سيقطع كل يد تمتد نحو النظام السوري الذي فجر كتاب دنبيس للأرقام القياسية بكم المجازر التي ارتكبها خلال الثورة السورية المباركة الطامحة بوعي كامل للوقوف امام المد الفارسي كعملاق من نور ونار.
واهم ما قلناه، لا تصدقوا من يجادلكم ويقول: بان ما يقال وما يصنع ليس بموافقة الحكومات والمسؤولين الايرانيين.
اليوم، اثبت حسن وحزبه بأنهم عملاء المجوس داخل لبنان والوطن العربي، يخدمون مصالحه القائمة بلا أدني شك او ريبة على محو العروبة وتعاليم اهل السنة محوا يصل الى حد استخدام ذات الخنجر المسموم الذي استخدمه ابو لؤلؤة حين أفرغ حقدة بسيل دم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وارضاه. ها هم يذبحون لبنان ويسيطرون عليه الى حد ان حسن هددهم جهارا نهارا بانه لو ود السيطرة على لبنان بانقلاب لوجدوا أنفسهم بيوم وليلة في المعتقلات.
ها هو يرسل مقاتلي الحزب الى سوريا، وهم مددجين بالحقد والكراهية والثأر والانتقام، ليشاركوا هناك، بقطع اوردة النساء والاطفال والصبايا والنساء والعجز، وليشاركوا باغتصاب المؤمنات المحصنات الغافلات، ويستميتوا من اجل اطفاء شعلة الثورة، والكرامة، والتحرير، والاستقلال. وكذلك تفعل إيران، فهي تضع كل ثقلها التكنولوجي والعسكري والاقتصادي لإبادة العرب في كل المدن السورية، وتأمر خدمها في العراق ليرسلوا الالاف من اتباع الصدر والمالكي ليخوضوا بدماء العرب في سوريا خوضا لم تخضه فرنسا في الجزائر، او ايطاليا في ليبيا، او هولاكو في أي محطة من محطاته، ولا حتى هتلر في أزهى لحظات قوته.
صفوي دمشق، وهو يعرف جيدا انه خادم في بلاط الفرس، اطلق يد القوات الموالية له والقادمة من بلاد فارس، وخدم بلاد فارس، المالكي ومقتدى الصدر، وحزب اللات، ليدمروا المساجد والجوامع والمدارس والجامعات، اطلقهم ليجبروا الناس للسجود لصورته الضاجة بالقباحة والحقد والجريمة، بدلا من السجود لله جل في علاه، كما عود اجداده فئة من التابعين له من خلال المثل المنتشر القائل " امشي ودوس، ومحل ما بالدوس بنسجد وبنبوس"، هو لم يكتف بسجود فئة ضالة خلفه، بل اراد ان تكون سوريه كلها فئة ضالة، تسجد له، لكن الطفل الصغير، الذي اظهرته الكاميرا وهو بين مخالب الكلاب الصفوية المسعورة، اعلن عن عروبة الشعب السوري وطهارته من الشرك والعبودية والسجود، الا عبودية الله الخالق البارىء المصور، هذا الطفل الرجل، الصبي العملاق، الاسطورة، الذي وضع كرامة الطاغية ومن يواليه تحت قدرته حين مرغ صورة الطاغية بالبصاق، دون خوف او وجل من موت يرفعه الى مستوى الشهادة.
ارادوا بهذا السجود اذلال العرب والمسلمين، فخرج هذا الطفل ليتمثل دور الخليفة علي بن ابي طالب رضي الله عنه وارضاه، حين هاجم عمرو بن ود العامري وقتله، وحين افتدى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، ليكون تواصلا بين تلك الشجاعة، وبين شجاعة تحدت ملايين الصفويين ومن يواليهم. كانت بصقته المباركة على صورة الطاغية، تمثيلا حيا وواضحا لقدرة الثورة السورية على المواصلة حتى اسقاط الاحتلال المتمثل بالنظام المسيطر على سوريا وشعبها وتاريخها. وكانت ذات البصقة ردا من طفل على رفض السجود الا لله جل في علاه، كما يسجد الملايين في العالم لله جل شأنه، لله فقط، وليس لغيره.
واليوم جاء الرئيس المصري محمد مرسي بالخبر اليقين، حين توجه الى قمة عدم الانحياز، ليثبت وبالقطع اليقيني ان اعلى قمم هرم السلطة في فارس وولاية الفقيه لا تحتمل قيد هنيهة ان تكتم غلها وحقدها وانفجارها وقيحها وصديدها امام اسم من اسماء الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وارضاهم، وامام قطرة دم عربية سورية تجابه المشروع الساساني الذي حلم به يزدجرد، وانتقل الحلم من تاريخ الى تاريخ ليصل الى قيادة ولاية الفقيه بكل صورها العقدية والسياسية.
الرئيس المصري العربي المسلم محمد مرسي، مثل ومنذ فترة غياب طويلة دفق النيل المخترق للصحراء الضاجة بتاريخ مصر وحضارتها، مثل حمية الصعيد ودمائها الفوارة الحامية في الغيرة على الشرف والرفعة والطهارة، مثل البسمة المصرية التي تهزأ بكل المصاعب والمتاعب والمشاق، مثل عمرو بن العاص ونور الدين وقطز وصلاح الدين، مثل كل ام مصرية وشاب مصري، مثل العرب والعروبة والاسلام حين دخل بهامة التاريخ الاسلامي الى عاصمة الصفويين ليترضى على الخلفاء الراشدين بالاسم، الصديق والفارق وذو النورين وعلي رضي الله عنهم وارضاهم، رضى الواثق مما تملك جبهته المرفوعة بفعل وتاريخ من ترضى عليهم، بحزم القائد المصري الذي يعرف الامانة التي تقتضيها مصر العروبة والتاريخ والاسلام والحضارة، وبقوة الثورة التي انتجت الكرامة المصرية التي ظن بعض المخرصين انها ماتت او توارت، وبأمانة الاجيال والشهداء والجرحى، وقف هناك ليقول مترضيا على ائمة الدين والاسلام والحضارة.
وقف هناك قائدا قادرا على الانتماء الى الثورة السورية التي هي امتداد للثورات العربية، ومعلنا رفض مصر شعبا وارضا وتاريخا وتراثا للصفوي الذي يذبح سوريا من الوريد الى الوريد، داعيا الى الانتماء الكلي والكامل الى الشهداء والمهجرين والنازحين والجرحى والاسرى والمعذبين الصابرين المرابطين على تخوم الحرية والتحرر والعدالة والانطلاق والكرامة.
بفعل هذا الموقف المصري العربي، الثوري، المجاهد، المرابط، انتفخت الدمامل الى حد الانفجار، فسال الصديد بتحريف الترضي على الصحابة، وانطلق الحقد على العروبة من خلال تحريف الصفات التي نعت بها صفوي دمشق وطاغيتها، واستبدال الذم لطغيان النظام السوري، بصورة تنحو نحو مملكة البحرين.
صورة واضحة للابتذال والقحة والحقد والضغينة التي تحملها اعلى القيادات السياسية والدينية الصفوية ومن يواليها من تبع ولاية الفقيه، صورة من عهر فاضح للنوايا السوداء الكالحة الممضة المتساقط من كل جوانبها مذيب حارق يكاد يحرق ذاتها من كم التخفي المسكون بممارسة التقية، ولكنهم، امام جبهة مصر، التي هي ملجأ العروبة ومأمن الدين، نفضوا غلهم من ممارسة التقية حتى انهم لم يستطيعوا اليها سبيلا.
ماذا تبقى بعد أكثر من هذا الوضوح والتجلي والانكشاف؟ ماذا تبقى كي نعرف كيف نفكر ونواجه هذا المد المسرطن الخبيث في السودان وتونس ولبنان؟
ماذا تبقى بعد أكثر من مئتي ألف شهيد في سوريا؟ نعم مئتي ألف شهيد او ما يزيد؟ هي عملية حسابية بسيطة، بعد ان اصبحت المجازر يومية لإشباع شهية القتل والافتراس التي يحملها النظام وفارس وحزب اللات؟! كل يوم أكثر من مئتي شهيد، هذا ما يصلنا، وهناك أكثر من مئتي شهيد ومفقود يوميا، هذا منذ أكثر من عام، كم النتيجة؟!
ماذا تبقى ايها العرب بعد ان حذفت قيادة فارس اسماء الخلفاء الذين هم رمز تاريخنا وأس عزتنا وكرامتنا من خطاب الرئيس مرسي؟ ماذا بعد ان حرفت الكلمة عن طغيان الصفوي في دمشق الى مسار ادانة العرب والعروبة؟!
ماذا بعد ان هدمت مساجدنا ومآذننا ومدارسنا وبيوت علمنا؟!
ماذا بعد ان استباح الصفويون عرض اخواتنا وامهاتنا وبناتنا؟! ما
ماذا تبقى بعد اجبار الناس للسجود الى طاغية صفوي بدل السجود الى الهنا وخالقنا؟
ماذا تبقى لتعرفوا ان الخطر القادم من الصهيونية، ليس هو الخطر الوحيد المحدق فينا، وان الخطر الفارسي الصفوي هو الخطر الاكبر والاعظم؟!
اذكر ان محمد حسن هيكل في احدى مقابلاته على الجزيرة قال ما يأتي: " من الممكن ان اصحو ذات يوم من النوم فلا أجد الصهاينة فوق ارض فلسطين، لكن لا يمكن ان اصحو دون ان أجد إيران على الخارطة"؟!
لست هجوميا او محتقرا لشخص بسبب خلاف فكري، لكنني احتقر الى حد اخفاء انفي امام جيفة خنزير ممن لا يعلن موقفا واضحا من الثورة والثوار، بان يكون المهم المه، ووجعهم وجعه، ودمهم دمه، وعرضهم عرضه، هذا من يدخل حدقات عيون الحق، وسويداء الحقيقة.
اما الرويبضة والامعة، فهؤلاء حتى جيف الخنازير أكثر طهارة منهم عندي. وليصفني من شاء بما شاء من اوصاف التعصب والغضب وعدم حسن الاداء في استخدام الوصف والمفردات.
وسوم: العدد 670