فالطاهر مكي؛ أكبر من جوائز النيل؛ ومن شوشة وعصفور!
يقول العبد لله شعراً؛ يحكي عن مواجع الثقافة في بر مصر، وبحرها، ونيلها، وسمائها؛ والتي سبَّبها هذا الحنكور الزَّفزور؛ الدَّبُّور؛ العكبور:
وزمَّر الزرزورُ في وادي الثقافهْ فرقَّصَ الغِربانَ حباً للسخافهْ!
وطبَّلَ الغشّاشُ في عصر الخرافهْ فزلزلتْ شمطاءُ أجبالَ (القرافهْ)!
* * *
ففور إعلان جوائز الدولة للآداب مؤخراً؛ وعلى رأسها؛ جائزة النيل؛ والتي تُعطَى لشخصيةٍ كبرى من أساتذة الأجيال؛ أسهمت في تثقيف الشعب، وبث روح البحث الخلاّق، واكتشاف المواهب الواعدة، والإبداع المتواصل الجاد؛ الباني أصالةً وتجديداً وابتكاراً؛ لا نقلاً؛ واجتراراً، وتضييعاً للثقافة والأدب واللغة؛ كما في حالة بعض المترشحين لجوائز مصر الثقافية حالياً؛ الذين افتقدوا للموهبة والتأصيل! ففور إعلان الجوائز؛ وجم لساني؛ وظللتُ صامتاً دهوراً ودهوراً؛ والعجبُ يتملَّكني، والحَيرةُ تقتلني؛ والاستغراب يُصيبني بالاحتباس التنفسي؛ عندما فاز بها؛ مَن يفتقر إلى الإنتاج الأدبي، ومَن ليس لديه رصيدٌ من الموسوعية، ولا الألمعية، ولا المصداقية، ولا الشاعرية الحقَّة، ولا البحوث اللغوية؛ ومع ذلك؛ جاءته الجائزة الكبرى على طبقٍ من ذهب المجلس الأعلى وحريره، وألماسه، وجواهره! وكانت الصاخّة؛ أنَّ التالي له في التصويت والتربيطات، والشللية؛ هو رئيس المجلس الأعلى الأسبق؛ والرجل الذي طلَّق النقد الأدبي؛ فور حصوله على الدكتوراه في عام 1973م؛ ليتفرَّغَ للجوائز، والمناصب، والنياشين، والكراسي، والجاه، والصولجان؛ والادّعاء أنه الجالس على كرسي طه حسين؛ مع الفارق بين الأصل الكبير، والصورة الباهتة! أمّا العلم، والأدب، والفن، والبلاغة؛ فقد استحالت عليه؛ لأنه خِلوٌ من العبقرية؛ خِلوٌ من الذائقة الجمالية؛ خِلوٌ من النبوغ والابتكار؛ خِلوٌ من التجديد والإضافة!
* * *
والسؤال الحارق المُزَلْزِل المُبَرْكِن؛ هو:
إذ؛ كيف تتخطى جائزة النيل قامة العلاّمة الدكتور/ الطاهر مكي(92 عاماً) رائد الأدب المقارن، والدراسات الأندلسية في العالم العربي، والمحقق الضليع، والناقد الأدبي البارز، وشيخ الأدب العصامي؟!
فهذا السؤال؛ يجيب عن أحوال الثقافة المُترنِّحة الفاشلة في مصر هذه الآونة؛ والتي أدارها من قبل جابر عصفور نفسه؛ بفشلٍ ذريعِ؛ وتخبُّطٍ واضحٍ؛ وجهلٍ مركَّب؛ وشلليةٍ بغيضةٍ؛ وهو ما يديرها اليوم؛ الصحفي الوزير/ حلمي النمنم- تلميذ عصفور النجيب- بتغليب الشللية على الموضوعية، والبِطانة على أهل الخبرة والكفاءة؛ كما فعل الإخوان عندما سطوا على مصر؛ فحاولوا حلبها، وتجفيفها! وهو ما يقوم به النمنم وعصفور الآن!
* * *
ومن المضحكات المُحْزِنات؛ أن تهبط جائزة النيل على فاروق شوشة؛ وهو الرجل الذي؛ إنْ عددناه شاعراً تجوُّزاً؛ فإنه ليس من القامات الشعرية الفارهة، ولا من أعمدة الشعر العربي الحديث، ولا من الشعراء الجيِّدين؛ لا؛ فلو عددنا ألف شاعرٍ عربيٍّ اليوم؛ لَما كان منهم فاروق شوشة على الإطلاق! لماذا؟!
لأنه؛ آخر الراكبين في قطار الشعر العربي؛ فهو ناظمٌ لا شاعر؛ فقد عرف العروض؛ وما عرف الشِّعر والشاعرية! عرف الأداء والإنشاد؛ وما عرف الموهبة الأصيلة! ثمَّ؛ أين هو إنتاجه البحثي واللغوي؛ لكي يتم اختياره عضواً بمجمع الخالدين اللغوي بالقاهرة؛ لا؛ بل أصبح بقدرةِ قادرٍ؛ الأمين العام للمجمع؛ بلا أية بحوث لغوية، ولا مشاركات علمية!
أرأيتم؛ كيف كانت أحوال، وأجواء جوائز الدولة في مصر؛ عندما فاز بها العقّاد، وطه حسين، وتوفيق الحكيم مثلاً؟! وكيف هي أحوالها الثقافية اليوم؛ وقد خطف جائزتها الكبرى فاروق شوشة؛ مِمَّن هو الأحق بها؛ والأجدر بتسلُّمها، والفوز بها؛ وهو العلاّمة الكبير/ الطاهر أحمد مكي؛ أستاذ الأساتيذ؛ والرجل الذي عفَّ عن الجوائز الحرام؛ فاستحق الخلود في ضمير الباحثين المنصفين؛ بفضل جهوده وبحوثه!
* * *
إذن؛ فالطاهر مكي تصدق فيه مقولة الأصمعي الخالدة: "كان يرى المتربةَ؛ وهو سيِّدُ نفسه خيراً من غِنىً يأتيه؛ وهو ذليلٌ"!
وأخيراً أصرخ قائلاً؛ فكَّ الله عِقالَ الشِّعر العربي من قيود المُتاجرين به؛ الذين كبَّلوه، واستعبدوه؛ وهم أبعد خلق الله عن الموهبة والاقتدار!
ولكَ الله؛ يا طاهر مكي؛ فأنت فوق الجوائز؛ لا بل فوق شوشة وعصفور، والمجلس الأعلى للثقافة بكل مَن فيه؛ وما فيه، وما ليس فيه!
وسوم: العدد 671