أوراق إيرانية، "فريضة الحج السياسي"

الاشكالية التي اثارتها طهران بشأن حجيجها لهذا العام ، تستند فيها إلى وصايا المرشد الاعلى وتأكيده لمفهوم الحج المفارق لكل ماورد في مدارس الفقه الاسلامية الخمس :  

أولا ــ مفهوم الحج في فكر الخميني :

"... لقد رفع أعداء الدين شعار ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) زورًا وبهتانًا، وجعلوه كلمة حق أريد بها باطل ... وذلك من أجل القضاء على الهدف العظيم من الحج الإبراهيمي في ضرورة البراءة من المشركين وتدارس هموم المسلمين، وتشخيص أعدائهم ...".

تلزم الإشارات التي أومأ إليها والتصريحات التي أعلنها آية الله الخميني، وأكدها في نداءاته السياسية وبياناته التعبوية إلى حجاج بيت الله الحرام،  ضرورة تحويل الفريضة الخامسة  إلى فعل سياسي يزبل الفصام بين (الدين والسياسة) ليجعل من الشعيرة الإلهية - الحج الإبراهيمي- واجبًا سياسيًّا: "على المسلمين الملتزمين الذين يجتمعون كل عام مرة واحدة     في هذا اللقاء الإلهي الكبير ... عليهم ألا يغفلوا الجوانب السياسية والاجتماعية لهذه المبادرة ... وعلى العلماء الأعلام والخطباء العظام أن ينبهوا المسلمين على مسائلهم السياسية وواجباتهم الخطيرة ، التي لو عملوا بها لنالوا الاستقلال الواقعي والحرية الحقيقية في كنف الإسلام العزيز، ولقطعوا أيدي المتكبرين وأعادوا مجد الإسلام وعظمته ...".

1ــ يعد موسم (الحج) لدى الخميني وحسب توصيفاته السياسية أحدى وسائل الثورة لترويج المفاهيم والأفكار الجديدة (ضد السلاطين وحكام الجور)  بإعلان البراءة وترسيخ الغضب على الأعداء.

2 ـيشدد مروجو فكر الفقيه الإيراني إلى وجوب أن يجري إعداد حملة  الحج  وفق   مرحلتين متكاملتين : 

 الأولى: أن تكون هناك حملة تثقيفية توعوية من قبل كل الجهات والمؤسسات والعلماء يتم التركيز فيها على أهداف الحج وفلسفته  ...

والثانية: أن تنظم حملة للحج يقودها العلماء والمبلغون باشراف ممثل السيد المرشد الاعلى  ويراعى فيها أمور منها: أن تكون بأقل كلفة ممكنة يقتصر فيها على الأمور الضرورية وأن يوضع برنامج خاص ومدروس يجعل من حجنا الأقرب إلى الحج الإبراهيمي الذي أشار إليه الإمام الخميني وعندها سيشعر الإنسان أنه قد أدى الحج كما يريده الله تعالى وعندها أيضًا سيجد الواعون ولو ومضة من ومضات الحج الإبراهيمي، فهل سيكون؟؟ [1]

ثانيا  ـ أمر الخميني في عام 1982 بإنشاء  منظمة الحج والزيارة في وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي وعهدت اليها المهام التالية :

 1ــ تجهيز الدعاية الإعلامية وادبيات الثورة الايرانية وصياغة الشعارات السياسية وتجهيز اللافتات التي ترفع في موسم الحج،

2ــ اعداد وتدريب لجنة الحج  تحت إشراف وقيادة ممثل الولي الفقيه في الحملة ، والتركيز على أن الجانب السياسي تنفيذا لامر ووصايا الامام الخميني ؛ واعتبار التقيد بهذا الجانب من أهم أركان وواجبات هذه الفريضة،

3 ـ يجب على جميع حجيج إيران إيصال رسالة الجمهورية الإسلامية إلى كافة الحجاج في مكة.

4 ـ  أطلق آية الله أحمد جنتي في عام 1983 وكان عضوا في فقهاء مجلس صيانة الدستور آنذاك، أطلق تصريحات موجهة لمسؤولي حملات الطواف الإيرانية يحثهم فيها على نشر مبادئ الثورة خلال موسم الحج، وقال إنه من مهامكم تصدير الثورة وإن أفضل الفرص لذلك موسم الحج.

5 ـ لتحقق نشر فكر ولاية الفقيه كانت إيران ترسل العديد من المترجمين من عناصر الحرس الثوري ممن يجيدون العديد من اللغات الأجنبية، بهدف عمل حملة دعائية بين الحجاج لصالح النظام الإيراني والعمل على تصدير الثورة.

6 ـــ كانت السفارة السعودية في إيران منذ 1982 تضع ملصقا على كل جواز سفر حاج إيراني تؤكد فيه على ضرورة الالتزام بالأنظمة والقوانين المعمول بها في المملكة وتحذر الحجاج من القيام بتوزيع المنشورات أو الصور الدعائية وكل نشاط غير مرتبط بشعيرة الحج دينيا، وأن كل من يقوم بهذه الأعمال يكون عرضة للعقوبة والترحيل من الأراضي السعودية وعدم السماح له بأداء مناسك الحج أو العمرة. الصحف الإيرانية وعلى رأسها صحيفة "اطلاعات" نشرت هذا الملصق لتحرض الحجاج على عدم الالتفات لذلك وأن هذا دليل على خوف المملكة من الثورة الإيرانية، على حد زعمهم

ثالثا   ـ اتخذت من الفريضة الخامسة (الحج) وسيلة مركبة ذات ثلاث مهام :

1ـ ( اعلاميا) الدعاية للتجربة الايرانية ـ

2 ـ (ايديولوجيا) مناسبة لتصدير الثورة وبث فكر ولاية الفقيه بين الحجيج ،

3 ـ التقرب من ممثلي البعثات الإسلامية، بذريعة التعارف والحوار حول الشأن الاسلامي العام ، وإبداء الاستعداد لتقديم العون والمساعدة في مجال الصحة والتعليم ، نحو بناء المشافي والمدارس، ودعم الفقراء ـ   

المراجع

 [1] عبدالستار الراوي ـ الفقه السياسي الايراني المعاصر ـ القاهرة 2012 ص 101

د.عبد الستار الراوي                                                                       

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية