رمضان والموت جوعاً

هذا العالم الذي يوصف بعالم القرية الواحدة، يموج بجملة من التناقضات، وتبرز في ثنايا تفاصليه كثير من المفارقات، وتظهر في مؤسساته العامة والخاصة، مؤشرات خلل لا يستهان بها، في عالم الحقوق والحريات .

وما الكيل بالمكيالين إلا سمة من السمات البارزة لهذا العصر، وقل مثل ذلك في مجال الحريات، وكذلك في منظومة ( حقوق الإنسان ).

هنا مترفون يموتون من الشبع، ويمرضون من التخمة، وهناك من يموت جوعاً، أو يصبح معاقاً بسبب نقص الغذاء ، والمشغولون بأخبار السوق العالمية، وأنباء البورصات، والبحث عن الربح الفاحش، وآخرون على شواية المحنة، يكتوون بنارها، ويصطلون بلفحها الفظيع، ويعمل ( أرطبونات ) الشر، وأحلاس السحت، على إتلاف المواد التي تلقى في البحر، حتى يحافظوا على السعر، الذي يلبي رأسمالية هذه الجهة أو تلك .... شيء مقرف ومقزز، وصور من عالمنا يندى لها الجبين، ويشيب لهول حقائقها الولدان .

في مكان ما ، يقتل الناس بالجملة، ويذبحون بدم بارد، ويحرقون ويسحقون، ولا تسمع لهذا العالم المدهش – هذا إن نطقوا – سوى شجب سريع، واستنكار مخجل، وربما النائحة المستأجرة تؤدي دوراً أحسن من دورهم ، وتقوم بالمهمة أعظم من دور المؤسسات التي يطبل لها ويزمر، ومن هذا قس، وعليك الحساب .

أما لو أصيب واحد – ونحن عندنا حرمة الدم البريء شاملة لا تستثني أحداً ضمن فقه معروف في مظانه – في البلد الفلاني، أو الدين العلاني، أو المذهب الوصفاني، ترى الدنيا تقوم ولا تقعد، وتموج ولا تنحسر .

عجباً لهؤلاء، وآه من أولائك، ويا حسرة على ( هذا وهذه وذاك ، وتلك وتلكم ). والقائمة تطول، والحسرة تنخر نفوسنا، وتجرح أفئدتنا ، وتدمي قلوبنا.

ويأتي رمضان، وحال الأمة مريع، كما لا يخفى على أحد، ورغم المأساة الشاملة، من قتل ودمار وتخريب، وحرق وسحل، وهي أمور تحتاج إلى جهود أخرى لشرحها وبيان أبعادها وحقائقها، إلا أنني أحب أن أركز قليلاً على المناطق المحاصرة، وعلى وصف الجوع، الذي يسيطر شبح حصده للأرواح، في عدة من مناطق العالم .

وما الذي يكون في بورما، وأفريقيا الوسطى، والحصار على غزة الأبية، ولا ننسى الحصار على مخيم اليرموك، والناس الذين ما توا فيه جوعاً من الحصار، إلا صورة من صور المأساة، والعراق كارثته الصامتة، تملأ القلب ألماً وحسرة، ففيه حصار ودمار، وفي العراق جوع، في بلاد النهرين والبترول، وملايين النخيل ؟؟؟!!!! واليمن الميمون السعيد، صار حاله كما نرى ونتابع .

أما سورية الحبيبة، فهي رمز بروز، ظاهرة الحصار والجوع، من حمص إلى مضايا والغوطة وداريا، إلى دير الزور التي تحاصر من عدة جهات، ويحيط بها الخطر من كل جانب، وكما يقولون : ( أبناء الفرات، يموتون عطشاً ) و ( أهل الكرم جاعوا )، ولكن هل فعلاً يموت الناس جوعاً ؟ أم هي دعاية سياسية ؟ هذا سؤال من لا يدري عن تقارير حقوق الإنسان شيئاً ، ولا يعرف إحصائيات المنظمات العالمية، ولا يتابع وسائل الإعلام ، فأخبار الجوع والحصار والموت، سارت بذكرها الركبان.

والخلاصة : الجوع يضرب أطنابه، في كثير من بقاع العالم، والسؤال الذي يطرح نفسه، ورمضان على الأبواب، ما ذا نصنع ؟ ما واجبنا ؟ ماذا نقدم ؟ أي شيء نفعل ؟ والحوقلة – على أهميتها – لا تعذرنا من المسؤولية، والحسبلة – رغم ضرورتها – وحدها لا تنقذنا، التلاوم يزيد الطين بلة، إذن لا بد من برنامج عمل، يقودنا نحو معالجة هذا الواقع الأليم، وعسى أن يكون هذا الجهد الذي يبذل، سبيل خير، ومفتاح فضل ، وباباً يكون سبباً في إنقاذ كثير من الأرواح،

ومما ينبغي أن يبذل فيه الجهد :

1-   الدعاء، فرمضان شهر إجابة الدعاء .

2-   تشكيل لجان، عنوانها ( رمضان والحصار والجوع ) . مهمة هذه اللجان، العمل على شرح قضايا المحاصرين، والطواف على المحسنين، وتنظيم جمل الإغاثة لهؤلاء الجوعى والمنكوبين .

3-   على العلماء أن يقوموا بواجبهم، في الإرشاد والتوجيه، والانخراط في برنامج العمل، وهنا تبرز خاصية العالم العامل .... ولا ننسى تعميم فتاوى العلماء في هذا الشأن، ومنها بذل الزكاة لمناطق الحصار والجوع .

4-   على الساسة والمسؤولين في كل مكان ، أن يشعروا بأن هذا الأمر خطير، ولا بد من أن يكون لهم دور، في معالجة هذا الأمر.

5-   حث أحرار العالم على التعاون .

6-   الضغط على المؤسسات الدولية، حتى تقوم بما يلزم، وتترك الذرائع، التي ما عاد يقتنع بها حتى صغار السن،  ولا السذج من الناس .

7-  قال الله تعالى( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى )(المائدة:2)، وقال تعالى:(وَالْعَصْرِ) (إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر:1-3) 

وفي الحديث الصحيح : ( والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ).

روى الطبراني في الكبير عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به.

ورواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه.

وصححه الذهبي في التلخيص، والألباني في صحيح الأدب المفرد.  

   وفي الختام : لا بد من تحية أولائك الأحرار وشكرهم ، من الذين قدموا كثيراً من الخير، وتعاونوا على البر والتقوى، وهم علامة فارقة في زمن التخاذل والتآمر، من حكومات ودول وجمعيات وشخصيات، ( ومن لا يشكر الناس، لا يشكر الله ) .

وسوم: العدد 672