أمريكا تعمل على تركيع المعارضة السورية؟
لا يختلف موقف الولايات المتحدة الأمريكية الحاليّ من انتهاء موعد 1 حزيران (يونيو) الذي كان موضوعا كموعد نهائي لالتزام النظام السوري بفتح الطرق لإيصال المساعدات الغذائية والانسانية للمناطق السورية المحاصرة عن مسلسل طويل من مواقف إدارة الرئيس باراك أوباما في خذلان المعارضة السورية.
غير أن هذا المسلسل الذي امتدّ على مدار أكثر من خمس سنوات صار بحاجة لمراجعة معانيه وأهدافه، ولا يتعلّق الأمر فقط بأن ثمن عدم الفهم الحقيقي لهذه السياسة يضاعف تكلفة الفاتورة المرعبة التي يدفعها الشعب السوري، بل يتعلّق أيضاً بالضرورة الماسة لمراجعة المعارضة السورية لعلاقتها مع هذا «الحليف» الافتراضيّ إذا ثبت أن ما يفعله عمليّاً يختلف تماماً عمّا يقوله، وأن مقصود ما يفعله هو تركيع هذه المعارضة وليس شيئاً آخر.
لا يهمّ هنا إن كانت هذه المعارضة قادرة على دفع تكاليف استعداء الإدارة الأمريكية عليها أم لا، فإذا كانت كل الأدلة تقول إن هذه الإدارة معادية للمعارضة السورية فإن وضع الرأس في الرمال والاستمرار في الادعاء أن واشنطن «حليفة» للسوريين ضد نظام بشّار الأسد، لن يغيّر من هذا الواقع شيئاً، بينما إذا حسمت موقفها فإن ذلك، إن لم يحسّن موقف الإدارة الأمريكية فهو سيخفّف من تلاعبها بالشأن السوري وسيفقدها بعضاً من المصداقيّة التي تدّعيها.
ما تقوله وقائع التدخل الأمريكي في الوضع السوريّ هو أن الإدارة الأمريكية منعت أي محاولة حقيقية لنزع الشرعيّة عن النظام السوري من خلال إفشالها كل خطط المنطقة الآمنة ومنعها إنشاء حكومة مؤقتة للمعارضة داخل الحدود السورية وتراجعها عن قصف النظام بعد استخدامه السلاح الكيميائي ضد شعبه، وتراجعها المستمرّ أمام مطالب روسيا وإيران والنظام السوري فيما يتعلّق بالمرحلة الانتقالية، وتأكيدها المستمر على أن المفاوضات هي الحلّ الوحيد للوضع السوري في الوقت الذي لم يكفّ النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون عن استخدام المجازر والتجويع والحصار ضد المدنيين، وهو ما يجعل الحل «الوحيد» الدبلوماسي الأمريكي الذي يريد فريق أوباما ـ كيري إلزام المعارضة السورية به هو فرض النظام وحلفائه لقراراتهم بالقوة.
إن إلزام المعارضة السورية بـ«الحل الدبلوماسي» مع حرمانها من مقومات شرعيتها وسبل الدفاع عن نفسها، وترك حلب وأدلب وريف دمشق ودرعا وحماه وحمص واللاذقية تحت رحمة القاصفات الروسية والسورية، في الوقت الذي جندت فيه أمريكا كل ترسانتها الإعلامية والسياسية والعسكرية للدفاع عن كوباني يجعل استفراد المعارضة بخيار الحل «الدبلوماسي» نوعاً من الكذب الصفيق.
الاستنتاج الخطير الذي كان يجب أن تخرج به المعارضة السورية من المواقف الأمريكية هو أن واشنطن، في الحقيقة، لا تفعل غير أن تسحب المعارضة السورية تدريجيا للقبول بالحل الروسي ـ الإيراني، وأن كل ما كانت تقوله، على الأقل منذ ما بعد جنيف 1 وتصاعد قوّة تنظيم «الدولة الإسلامية» وتوقيع الاتفاق مع إيران، يصبّ، سوريّاً، في منحى إعادة تأهيل النظام السوري، لأن الأولوية الأمريكية صارت ضرب «داعش»، من جهة، وتطبيع العلاقات مع إيران، من جهة أخرى، وكلا الهدفين يفترضان مساومة إيران وروسيا والحفاظ على النظام السوري.
بناء على هذه الخلفيّة يمكن فهم ما يجري على الساحتين السورية والعراقية حاليّا، ويمكن أيضاً تأكيد أن سكوت واشنطن على الغارات الوحشية على الأسواق والمستشفيات وحصار المدن وتجويعها سببه الموافقة الضمنية عليها، وهو ما يدفع ربما لاستنتاج فظيع، وهو أن أمريكا تستخدم روسيا وإيران لتحقيق ما تريده في سوريا والعراق وليس فقط تنسق معهما.
يعني هذا أيضاً أن روسيا وإيران والنظام السوري أيضاً مدركون لهذه الحقيقة ويتصرفون بناء عليها.
وسوم: العدد 672