استباحة الفلوجة بين التنظيم والنظام !
وزير الدفاع العراقي المهندس خالد متعب العبيدي، ابن الموصل، خدم في الجيش العراقي السابق قبل احتلال العراق برتبة عقيد كما علمت . العبيدي يعرف أكثر من غيره التركيبة الطائفية والعرقية والسياسية للعراق . وهو بالتالي يعرف الفرق بين تحرير الفلوجة من تنظيم داعش وحماية اهلها، وهم يريدونه، وبين تدمير المدينة واستباحتها والانتقام من عروبتها .
ما نشاهده في نشرات الاخبار المصورة في الفضائيات، من خراب وتدمير ممنهج في الاحياء الجنوبية من الفلوجة ( الارض المحروقة )، وكيفية معاملة اهالي الفلوجة الهاربين من جرائم داعش والقصف العشوائي من القوات العراقية والمليشيات المساندة ، يبعث الحزن والغضب في نفس كل عربي في العراق وخارجه . فالصورة تكاد أن تصرخ : هنا كانت الفلوجة !!
الحقيقة أن تنظيم داعش الارهابي في أسوا حالاته . والحقيقة الاخرى ان هذا التنظيم سيهزم ويتلاشى، ويتم اجتثاثه ليس في العراق فحسب، بل في كل مواقعه . وسبب هزيمته ليس بفعل محاصرته والعمليات العسكرية ألتي تلاحقه من موقع الى آخر في سوريا والعراق فحسب ، بل لأنه خسر انصاره ، وفقد البيئة الحاضنة التي تحولت الى بيئة طاردة نتيجة الظلم والقساوة التي مارسها النتظيم الارهابي، والفظائع التي ارتكبها بحق السكان في مناطق نفوذه ، وخطابه السياسي الديني العالق في الماضي ، واللغة التي يتحدثها ولا تنتمي الى هذا العصر .
ورغم ذلك ارى أن الخيار العسكري وحده لا يكفي ، ولا ينهي المشكلة القائمة ، ولا يحل الازمة التي اصبحت مزمنة في العراق بالذات، ولا ينهي التشدد والتعصب حتى في حال تم ابادة تنظيم داعش، أو اخراجه من كل بلاد الرافدين، لأن التنظيمات الغاضبة المتشددة تتناسل وتتوالد في تربة خصبة طافحة بالحقد وحب الانتقام . لذلك العالم كله يصرخ ويطلب عدم اشراك المليشيات الطائفية في الحرب ضد داعش، وينصح بمنع دخول مسلحي الحشد الشعبي الى المناطق المحررة ، والأهم هو منعهم من دخول الفلوجة لحماية اهلها من التجاوزات وعمليات الانتقام ، وبالتالي منع استباحتها من عناصر غير منضبطة .
لذلك على العراقيين البحث عن حل سياسي معقول على قاعدة المصالحة الوطنية بما تمثله من حكمة وتسامح ، ومشاركة عادلة لكل مكونات المجتمع العراقي ، من أجل اعادة صياغة مستقبل العراق ، ومن أجل حل دائم تتوفر فيه عناصر وشروط انهاء الازمة العراقية التي قد تطول ، اذا لم توجد القناعة لدى الجميع بوجوب انهاء الصراع ووقف حمام الدم .
العالم يتغير، ولا أحد يستطيع ان يوقف حركة التاريخ ، ونتيجة المتغيرات ثبت أنه لا يمكن لفريق أو طائفة أو حزب أن يحكم العراق منفردا بعد اليوم . ومن أجل خطوة الى الامام باتجاه الحل، يجب تقليص نفوذ المليشيات الطائفية، التي استقوت على المؤسسات الامنية أخذت دورها ، وكذلك يجب انهاء دور المجموعات المسلحة ومنع انتشار السلاح ونزعه من كل الاطراف ، واسناد مهمة حفظ الامن وحماية العراق للمؤسسات الامنية وللقوات المسلحة .
وعلى الصعيد السياسي من الواجب الفصل بين الدين والدولة، والغاء المحاصصة الطائفية والعرقية التي فرضها دستور برايمر، وبالتالي تفعيل دور السلطة التشريعية ، من أجل التشريع والمراقبة والمحاسبة ، لأن « السلطة المطلقة تقود الى الفساد المطلق « وهو ما كتبه اللورد اكتون السياسي والمؤرخ البريطاني قبل أكثر من مئة عام .
وسوم: العدد 673