اعذروني إن أصبحت إرهابيا

د. محمد وليد حياني

عزيزي القارئ الكريم لا تستغرب هذا العنوان، وتعال معي إلى حوار بلا رتوش، حدث معي دون موعد ولا ترتيب مسبقين، لأنك إذا عرفت السبب بطل العجب.

كنت في حديث على السكايب مع شباب الثورة في الداخل …فقالوا لي : إن فلان ابن فلان، الذي كان أبوه معك أيام الدراسة  في جامعة حلب، والذي استشهد برصاص الغدر الأسدي أيام الثمانينات، يريد الحديث معك، قلت لهم : تذكرت، رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته، وتقبله في عليين …أهلا وسهلا بابن أخي الحبيب.

قال لي : ياعمي الكريم  لن أطيل الحديث معك … فوقتك ثمين، ولكن عندي بعض الاستفسارات والأسئلة أريد أن أسألكها، وتجيبني عليها بشفافية وصراحة ووضوح، ولن أحرجك أو أجرح مشاعرك.

أراد الشاب أن يداعبني في بداية حديثة – وفرحت بأن لأخي الشهيد عقبا من بعده، فقد تزوج رحمه الله قبل استشهاده بأشهر – فقال لي : إن أمي- رحمها الله - كانت تقول: عنك بأنك صاحب والدي ’’ من الروح للروح ’’ وأنك شربت قهوة وشاي وكاظوظ في فروع أمن الدولة والسياسية والعسكرية، فسألته مستغربا ومتى توفيت والدتك رحمها الله برحماته الواسعة ؟؟ قال : منذ شهرين وهي عائدة إلى الحي  في سيارة نقل عامة، أصابتها رصاصة طائشة من الشبيحة عندما داهموا حينا، فترحمت على أمه وأبيه مرة أخرى، وقلت في نفسي :الحمدلله الذي رزقهما الشهادة، والحمد لله أنهما رزقا بهذا الولد الصالح، وأن الذي ’’ خلف ما مات ’’.

سألني قائلا : لماذا نرى المعارضة مفككة، ولم تواكب الثورة منذ انطلاقتها الأولى، وما تلك الانشقاقات في المجلس الوطني؟

قلت: تعلم يا ابن أخي وعلى امتداد نصف قرن تقريبا, وسوريا تعيش تحت ظل الحزب الواحد، والأب القائد، وقانون الطوارئ، كل ذلك كان سببا في سحق أي معارضة سواء كان حزبا أو جماعة أو معارضين، ولا توجد أحزاب معارضة، إلا الأحزاب المنضوية تحت ما يسمى  أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وكثير منها لا بل أغلبها أسماء منسوبة للافتات مكتوبة، وعدد أفرادها في الحزب الواحد لا يتجاوز المؤسس وأولاده وبعض الذين يلوذون به،  وسحق النظام الأسدي الأب المعارضة في الثمانينات، وتفجرت الثورة في عهد الأسد الابن، وظهر المجلس الوطني متأخرا عنها، وضم أحزابا وشخصيات معارضة لم تلتق مع بعضها منذ أربعين عاما، وروحية الفريق الواحد والانسجام ستكون صعبة بين هؤلاء الشركاء الجدد ذوي المشارب السياسية المختلفة ... وهي مسألة تحتاج إلى وقت.  

تأوه قليلا ثم قال : قلبي يحترق ياعماه ‼️!

قلت له : سلامة قلبك ياروحي .

قال : أتسمح لي أن أكون صريحا أكثر معك، وأنا لا أعرف مدى سعة صدرك وقدرة تحملك، وبصورة خاصة أنني من جيل أولادك، ويمنعني حيائي أن أتوغل في الحديث معك، خاصة وأنها أول مرة..‼️

قلت له : خذ راحتك …فأنت في أرض سليمان عليه السلام، وأنا في أرض بلقيس، ويجمعنا السكايب، بلا عفاريت من الجن، ونسمع بعضنا قبل أن يرتد إلينا طرفنا …

قال : أين الشعارات التي كنتم ترفعونها أيام والدي، الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا، والتي كانت تزلزل الأرض تحت أقدام الطغاة، وترهب وتخيف المرجفين والمنافقين، مالنا لا نسمعها لا تصريحا ولا تلميحا لا في كتاباتكم ولا في أحاديثكم على القنوات الفضائية ؟؟ اشتهيت ولو لمرة أن أسمع من أحدكم كلمة جهاد، و أنت يا عمي – سيد العارفين – تعلم أن عمود الإسلام الصلاة وذروة سنامه الجهاد، و الجهاد نوعان، جهاد دفع، و جهاد فتح، أما الدفع فهو واجب في وقتنا الراهن، لما نلاقيه من جور وعسف وقتل وظلم من قبل النظام الأسدي الغاشم الجائر …, وهل يشك في ذلك اثنان عاقلان؟؟‼️.

قلت له : ماذا أقول لك يا ابن أخي،  واسترسلت قليلا معه في الكلام، لأشرح له الظروف العالمية والمنطقة، و… فقاطعني باحتراف و أدب… وقال : ياعماه هل رأيت أو سمعت أو نقل إليك منذ أن انطلقت الثورة السورية المباركة، وعلى امتداد بلدنا من شماله إلى جنوبه ومن غربه إلى شرقه واحدا من الدروز في جبل العرب أو في الجولان المحتل، قلعت عيناه وقطع دبره، وهو طفل لم يبلغ الحلم، وسلمت جثته إلى أهله وآثار التعذيب ظاهرة عليها، تفوح منها رائحة الموت، وتقشعر لمنظرها الأبدان ، وتشيب لهولها الولدان …ويتهمون فوقها، من خلال الشاشات الفضائية ذلك الغلام، بأنه قواد وزير نساء، وينقل الأسلحة للسلفيين والمندسين و…. ‼️‼️‼️

قلت له : يا عمي، طول بالك…. وارحم حالك و… قاطعني بأدب ومضى في حديثه …هل رأيت نصرانيا يصفع على وجهه، ويداس على رأسه بقدم شبيح، ويقف ذلك العلج على ظهره، ويركله بمهانة ولؤم وهو مقيد اليدين عاري الثياب إلا ما يواري سوأتيه؟؟؟‼️ هل رأيت نصيريا (علويا) يلعن دينه وتشتم وتهان مقدساته … لابل تحرق جثته، وينتهك عرضه أمام ناظريه …أجبني بالله عليك .

قلت :أستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والمشتكى إلى الله…

قال ياعماه: هل رأيت كرديا يقصف حيه، دون هوادة ولا توقف بكل أنواع القنابل والمتفجرات لما يزيد عن الشهر، ولا ماء ولا دواء ولا غذاء من خلال حصار مطبق …. وعندما يحاول النجاة والفرار بأهله وصغاره وصغار جيرانه بسيارة مستأجرة، يجد خارج حيه كمائن الموت بانتظاره، تصليه بوابل من الرصاص، لايتوقف ولا ينقطع ناره ولا شرره إلا بانقطاع أنفاس الذين استقلوا تلك السيارة؟؟؟‼️‼️

قلت له : يا ولدي إنه أمر طارئ، وسحابة صيف ستمضي وتزول، ويزول معها حكم الطاغية و…قاطعني بشدة هذه المرة وقال: ’’ ليش عندنا بسورية بس ’’ ندفع ثمن الرصاصة التي تقتلنا‼️؟؟ ’’ليش تقف كل الدنيا ضدنا مع الظالم ’’ أليس من المخزي أن يعطي مجلس الأمن والاتحاد الأوربي وجامعة الدول العربية المهلة تلو المهلة لهذا النظام وهو يقتل ويدمر ’’ وشلال الدم شغال عمال على بطال’’ لقد مضى على شعبنا منذ استلام البعث أكثر من أربعين عاما، ونصف ميزانية وخزينة البلد تذهب للجيش، وهذه نتائج تسليحه وتدريبه تنقلب علينا، كما ترى…؟؟‼️

قاطعته بصوت مخنوق  مبحوح وقلت له:ياابن أخي، نحن في بلاد الشام، عاشت كل هذه المذاهب والطوائف والأعراق والإثنيات جنبا إلى جنب مع بعضها بعضا لقرون عديدة بمحبة ووئام…. بكى صاحبي … وأنا لا أحتمل بكاء الرجال…وقال يا عماه: قل لهؤلاء القابعين خارج الحدود هذه الرسالة : إذا جن قومكم فلن تنفعكم عقولكم، الحكمة ياعالم يا ناس يا هو ….  لا تأتي من طرف واحد … الطرف السني فحسب …  بل من جميع الحكماء في البلد، لأنهم شركاء في الوطن، لماذا نحن السنة بالذات نستهدف ونستضعف ونستأصل، وتستعدى علينا الدنيا بقضها وقضيضها، تدخل روسي وإيراني سافر، ويمدهم رتل ضخم لا ينقطع من حزب اللات وجيش المهدي والباسيج بالخبراء والعتاد والسلاح، وجارنا أوردوغان يبيعنا كلاما في كلام، ومواقفه دائما في تراجع مستمر، أين المنطقة العازلة ؟؟ أين حظر الطيران؟؟؟ يا عمي الله يخليكم اتركوا هالديمقراطية، ما رأينا منها إلا كل سوء ومكروه، أين الديمقراطية ونحن كنسبة وتناسب نكون 80% من الشعب السوري، وباقي الملل والنحل 20%، ومجنون يحكي وعاقل يسمع ..’’ دخيل ألله لاتحكو معنا بالمقلوب ’’ ألم يقل أحد كبار المعارضين قبل أيام على إحدى القنوات الفضائية :التعريف العربي الحرفي للديمقراطية هو الشورى….أستغفر الله وأتوب إليه …’’ روحو جددو إيمانكم ’’

قلت له: يا بني إنا مسلمون …ولازم نصبر …’’ ونحط عالجرح ملح ’’ حاولت أن أغير مجرى الحديث، وأن أذكره بشاعر الثورة السورية أيام الثمانينات، الأستاذ يحيى حاج يحيى عندما قال لابنته التي تستغرب أنها في ثوب قديم، وفي يوم عيد، بينما أقرانها يرفلون بثياب جديدة، بعد مجزرة المشارقة في حلب ومجزرة جسر الشغور في إدلب:

وأتت رزان بثوبها العادي وهم يمرحون

أبتاه لماذا يلعبون وعيدنا فيه الشجون

فيجيبها دمعي لأنا يابنية مسلمون

قاطعني بنزق وحدة هذه المرة، وكأنه لم تعجبه نغمة الحديث، وقال : أين تذهب ياعماه بقول الله: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون. ’’ ياعمي أبوس إيديك،  عندي نوبة حراسة، ولازم أروح عالموعد، كلاب السلطة  والشبيحة ربما يداهمون حينا ’’ ولكن سأتكلم بسرعة هذه المرة، واعذرني ولا تقاطعني  … ليست المعارضة في الخارج ولا المجلس ’’ الوثني ’’ ( الوطني ) من فجر هذه الثورة، ولم تواكبها، وانتظرناها طويلا حتى تدعمها  وتساندها  دون جدوى، وأخشى ما نخشاه أن تكون المعارضة مع هذا المجلس – الذي يذكرنا بمجلس الحكم في العراق إبان الاحتلال الأمريكي له - حملا ثقيلا على الثورة …أو يبيعوننا في صفقة ما للنظام … ونحن قلناها بصراحة ’’مالنا غيرك ياألله’’ فمنه المدد والعون والسند …وياعماه إن حالفك الحظ وضحكت لك الأيام، وعدت منتصرا إلى بلدك اسأل عني، فإن لم تجدني فاسأل أهل حينا  أن يدلوك على قبري, وضع لي عليه شاهدتين واكتب على الأولى عند رأسي … الفاتحة… هذا قبر فلان ابن فلان ’’ ولد حرا وعاش حرا ومات حرا وهو ابن الأحرار’’ واكتب على الشاهدة الثانية… أصبحت منذ زمن بعيد إرهابيا …لأن الذي يدافع اليوم من المسلمين عن ماله وعرضه ومقدساته أصبح في نطر العالم إرهابيا، إن النظام العالمي المقيت يريدنا نحن المسلمين، أن نكون نعاجا للذبح ، والعالم يتفرج، لا ياعماه نحن اليوم تنسمنا هواء الحرية، ومهما قالوا عنا إرهابيين أوسلفيين أومندسين أو قرضاويين، و رغم كل ما ستصوغه معاجمهم من مصطلحات جديدة، نعم نحن اليوم استنشقنا عبيرها وريحها وطيبها وأريجها … لا نقيل ولا نستقيل ’’ وياليتكم معنا حتى تفوزوا فوزا عظيما ’’

وسوم: العدد 673