أيها الأزواج والزوجات.. هوناً ما
تشتكي المرأة عادة، كثرة غياب زوجها عن البيت، وقلة جلوسه معها، وندرة محادثتها، وانصرافه عنها.
وأحياناً يقع العكس؛ أي تشتكي المرأة بقاء زوجها في البيت، وملازمته لها، وتكرار محادثتها، وتدخله في أعمالها.
وهذا ما اشتكته امرأة زارتني مع زوجها، فقالت لي، وزوجها يسمعها: زوجي قلما يخرج من البيت، ملازم له، لا يمل من محادثتي، يكثر توجيه الأسئلةإليّ، حتى ضقت به ذرعاً، ونفرت منه، فتركت له البيت وتوجهت إلى بيت أهلي ومازلت مقيمة عندهم.
دعوت الرجل ليدافع عن نفسه، ويرد على كلام زوجته فقال: أنا أحب زوجتي، ولا أصبر على فراقها، وأحرص على أن أبقى قريباً منها، أشير عليهاببعض الأمور، وألاعب الأطفال، فما الخطأ في هذا الذي تتمناه كثيرات من النساء؟
باتت المشكلة واضحة، فالمرأة تفتقد كثيراً من الحرية التي تحتاجها كل امرأة في بيتها، وتشعر أنها محرومة من استقلال لا بد منه لتعيش حقاً كونها ملكةبيتها.
سألت الزوج: كم ساعة تمضيها في عملك؟
أجابت عنه زوجته: إنه يدير عمله من بيته عبر الهاتف، وقلما يذهب إليه.
ابتسم الزوج وقال: لا يحتاج عملي مني التواجد فيه دائماً، ولذا أتابعه وأنا في بيتي!
قلت للزوجة: اكتبي له كل يوم أو يومين قائمة بما تحتاجينه مـن سلع واطلبي منـه أن يوفرها لك.
ردت: أنه يريدني أن أذهب معه إلى السوق لنشتري ما نحتاجه معاً!
التفتُ إلى الزوج أطلب منه تعليقاً على كلام زوجته.
قال: أُصرُّ على أن ترافقني حتى تختار بنفسها ما تحتاجـه فلا تلومني على شراء أنـواع و ((ماركات)) لا تحبها.
قالت: حتى عندما أصر على عدم الذهاب معه إلى السوق فإنه يتصل بي وهو هناك كل عشر دقائق تقريباً يسألني عما يريد أن يشتريه إن كنت أحتاجه أوعن الكمية أو النوع.
سألت الزوج: ألا تصلي في المسجد؟
أجاب: أنا أصلي في البيت.
قلت: لو أنك تكسب فضل الجماعة وثوابها الكبير فتصلي في المسجد لخففت مما تشكوه زوجتك من ملازمتك لها وطول مكثك في البيت.
قلت له ذلك وأنا أستحضر في خاطري فائدة قد لا يفطن إليها كثيرون من فوائد أداء الصلاة جماعة في المسجد وهي ابتعاد الرجل عن زوجته مخففاً من هذاالقرب الذي يُضجرها، ويُفقدها قدراً من استقلالها، ويسلبها حريتها في بيتها.
سألت الزوج من جديد: أليس لك أصدقاء تزورهم؟ أرحام تصلهم؟
ابتسم الرجل وصمت برهة انتهزتها زوجته لتجيب عنـه قائلة: أصدقاؤه نادرون وقلما يزورهم، وأرحامه يصلهم في العيد فقط!
اعترض زوجها قائلاً: لا تبالغي، أزور أرحامي في غير الأعياد أيضاً!
قالت: مرتين أو ثلاثاً في غير الأعياد.. هل يغير هذا من الحال كثيراً؟!!
قلت للرجل: إذا كان خروجك من البيت قليلاً جداً فحاول أن تشغل فيه نفسك بأعمال تبعدك عن زوجتك وتخفف من هذه الملازمة التي تضايقها وتتعبهاوتضجرها.. أليس عندك هواية ما؟ ألا تحب القراءة؟
قال: لا أحبها!
قلت: ألا تشاهد التلفزيون؟
قال: أسأم منه سريعاً فلا أجلس أمامه طويلاً؟
قلت: ألا تحب أطفالك؟
قال: أحبهم كثيراً.
قلت: إذن لاعبهم، وانشغل بملاعبتهم، وبذلك تشغلهم عن أمهم وتشغل نفسك عنها.
قال: هذا والله ما أفعله.
التفت إلى زوجته التمس عندها أثر هذا العمل في حياتهما الزوجية فقالت:
لا يحسن ملاعبتهم؛ فيضايقهم، وينفرهم منه، حتى تعلو أصواتهم.
أكتفي بهذا القدر مما دار من حوار بيننا، لأنقل ما أوصيتهما به:
شرحت للزوج فضل أداء الصلاة مع الجماعة في المسجد، وذكّرته بأنها تعدل صلاة المرء منفرداً بخمس وعشرين درجة، وبأن كل خطوة يخطوها إلىالصلاة يرفعه الله بها درجة ويحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، وتصلي عليه الملائكة مادامفي مجلسه الذي يصلي فيه؛ يقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تُب عليه.
وبينّت له ما أجمعت عليه الدراسات الطبية الحديثة من فوائد المشي الكثيرة في الوقاية من أمراض كثيرة وخطيرة.
ثم قلت له: هكذا تكسب تلك الأجور الكبيرة، وتكتسب هذه الصحة الوفيرة، وتُسعد زوجتك الأثيرة، وتريحها ببعدك عنها خمس مرات كل يوم.
وأضفت: حتى حين تبقى معها في البيت، في الأوقات الأخرى، فلا تلازمها ملازمة الظل لصاحبه، واشغل نفسك بقراءة كتاب الله فإن لك بكل حرف تقرؤهعشر حسنات.
كذلك رتِّبْ لك برنامجاً لزيارة أرحامك، ويكفيك ثمرةً مِنْ صلتك لهم أن الله سبحانه يصلك، كما جاء في الحديث القدسي الذي يقول فيه الرب سبحانه للرحم(أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك) متفق عليه، يقول النووي رحمه الله، والمراد تعظيم شأنها، وفضيلة واصليها، وعظيم إثم قاطعيهابعقوقهم، لهذا سمي العقوق قطعاً، والعق: الشق؛ كأنـه قطع ذلك السبب المتصل. قال العلماء: وحقيقة الصلة العطف والرحمة، فصلة الله سبحانه وتعالىعبارة عن لطفه بهم، ورحمته إياهم، وعطفه بإحسانه ونعمه، أو صلتهم بأهل ملكوته الأعلى، وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته.
وختمت حديثي للرجل فقلت: أنا واثق من حبك لزوجتك، وأنت صرحت بهذا، لكن الاندفاع في الحب إلى درجة توصلك إلى السيطرة والملازمة قد تأتيبنتائج سلبية كما حدث معك، والنبي صلى الله عليه وسلم يأمر بعدم الاندفاع في الحب فيقول (أحبب حبيبك هوناً ما).
وأقول لجميع الأزواج والزوجات: احرصوا على هذا الاعتدال في الحب وغيره، ولا تبالغوا في أي شيء، فالنبيﷺ نهى عن المبالغة حتى في العبادة،وحديث الثلاثة الذين سألوا عن عبادة النبي ﷺ وكأنهم تقالوها معروف ومشهور، ورده عليهم خير بيان لهذا الاعتدال (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما واللهإني لأخشاكم الله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقـد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) البخاري.
وسوم: العدد 676