أردوغان و سنة التدرج في التطبيقات الاسلامية
أردوغان شغل العالم بين محب معجب وشانئ مغتاظ يأكل الحقد قلبه من اعداء الحرية
ومما يؤسف له أن بعض من ينتسبون للعلم الشرعي مافتئوا يلمزون أردوغان وحزبه بل ويصفونه بأوصاف ترقى الى الكفر عند بعضهم وكل ذلك لأنه يسمح للمخالفات للشريعة ولا يمنعها وبالأحرى لايطبق الشريعة كما أمر الله دون اعتبار لواقع الحال في تركيا وملابساته وتحدياته ، ودون اعتبار لفقه الموازنات بين المصالح والمفاسد ، واسقاط مبدأ التدرج الذي يعتبر سنة الهية ونبوية في التغيير .
ابن تيمية رحمه الله له فقه منير في سنة التدرج في تطبيقات الشريعة غاية في الأهمية أعرض بعضه كالتالي : قال رحمه الله :
فالعالم في البيان والبلاغ كذلك قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله تسليما إلى بيانها
يبين حقيقة الحال في هذا أن الله يقول ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )والحجة على العباد انما تقوم بشيئين بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله والقدرة على العمل به فاما العاجز عن العلم كالمجنون أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولا نهي واذا انقطع العلم ببعض الدين أو حصل العجز عن بعضه كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه كالمجنون مثلا وهذه أوقات الفترات فاذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كان بيانه لما جاء به الرسول شيئا فشيئا بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئا فشيئا ومعلوم أن الرسول لا يبلغ الا ما أمكن علمه والعمل به ولم تأت الشريعة جملة كما يقال اذا أردت ان تطاع فأمر بما يستطاع فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبلغ الا ما أمكن علمه والعمل به كما أن الداخل في الاسلام لا يمكن حين دخوله ان يلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها وكذلك التائب من الذنوب والمتعلم والمسترشد لا يمكن في اول الأمر ان يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم فانه لا يطيق ذلك واذا لم يطقه لم يكن واجبا عليه في هذه الحال واذا لم يكن واجبا لم يكن للعالم والأمير ان يوجبه جميعه ابتداء بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الامكان كما عفى الرسول عما عفى عنه إلى وقت بيانه ولا يكون ذلك من باب اقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات لأن الوجوب والتحريم مشروط بامكان العلم والعمل وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط فتدبر هذا الأصل فانه نافع
ومن هنا يتبين سقوط كثير من هذه الأشياء وان كانت واجبة أو محرمة في الأصل لعدم امكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب أو التحريم فان العجز مسقط للأمر والنهي وان كان واجبا في الأصل والله أعلم
ومما يدخل في هذه الأمور الاجتهاديه علما وعملا ان ما قاله العالم أو الأمير أو فعله باجتهاد أو تقليد فاذا لم ير العالم الآخر والأمير الآخر مثل رأي الأول فانه لا يأمر به أو لا يأمر الا بما يراه مصلحة ولا ينهى عنه اذ ليس له ان ينهى غيره عن اتباع اجتهاده ولا ان يوجب عليه اتباعه فهذه الأمور في حقه من الأعمال المعفوة لا يأمر بها ولا ينهى عنها بل هي بين الاباحة والعفو وهذا باب واسع جدا فتدبره . انتهى كلامه رحمه الله
كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه ج 20 ص 60
وقال رحمه الله :
وكذلك النجاشى هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول فى الاسلام بل إنما دخل معه نفر منهم ولهذا لما مات لم يكن هناك أحد يصلى عليه فصلى عليه النبى بالمدينة خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفا وصلى عليه وأخبرهم بموته يوم مات وقال ( إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة مات ) وكثير من شرائع الاسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت بل قد روى أنه لم يصل الصلوات الخمس ولا يصوم شهر رمضان ولا يؤدى الزكاة الشرعية لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه وهو لا يمكنه مخالفتهم ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن والله قد فرض على نبيه بالمدينة أنه إذا جاءه أهل الكتاب لم يحكم بينهم إلا بما أنزل الله إليه وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه وهذا مثل الحكم فى الزنى للمحصن بحد الرجم وفى الديات بالعدل والتسوية فى الدماء بين الشريف والوضيع النفس بالنفس والعين بالعين وغير ذلك
والنجاشى ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن فان قومه لا يقرونه على ذلك وكثيرا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا بل وإماما وفى نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك بل هناك من يمنعه ذلك ولا يكلف الله نفسا ألا وسعها
وعمر بن عبد العزيز عودى وأوذى على بعض ما أقامه من العدل وقيل إنه سم على ذلك فالنجاشى وأمثاله سعداء فى الجنة وان كانوا لم يلتزموا من شرائع الاسلام ما لا يقدرون على التزامه بل كانوا يحكمون بالأحكام التى يمكنهم الحكم بها . انتهى
مجموع الفتاوى جزء 19 صفحة 217 _ 219
قلت :ثم إن عمر بن عبدالعزيز ترك بعض مظالم بني أمية التي عجز عنها، وقد نقل الإمام ابن عبد الحكم (ت214هـ) مفتي الديار المصرية في كتابه المشهور عن سيرة عمر بن عبد العزيز ما يكشف بعض ما كان يدور في الداخل الرئاسي، يقول ابن عبد الحكم:
(لما ولي عمر بن عبد العزيز قال له ابنه عبد الملك: إني لأراك يا أبتاه قد أخرت أموراً كثيرة كنت أحسبك لو وليت ساعة من النهار عجلتها، ولوددت أنك قد فعلت ذلك ولو فارت بي وبك القدور، قال له عمر أي بني، إنك على حسن قسم الله لك، وفيك بعض رأي أهل الحداثة، والله ما أستطيع أن أخرج لهم شيئاً من الدين إلا ومعه طرف من الدنيا، أستلين به قلوبهم، خوفاً أن ينخرق علي منهم ما لا طاقة لي به)[سيرة عمر:57].
وسوم: العدد 677