ماذا يُراد بالسعودية ؟ وما الواجب على أهلها؟
عندما احتلت أمريكا العراق وأطاحت بنظامه السياسي عام 2003م، وسلمت هذه الدولة العربية الأبية إلى المجوس الإيرانيين قال بعدها وزير الدفاع الأمريكي آنذاك رونالد رامسفيلد: ” الآن انتهت الحرب العسكرية وبدأت حرب الأفكار”. وفعلاً بدأت بعدها حرب الأفكار والحرب بالوكالة لتحقيق المصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة.
تأملت هذه العبارة العميقة المعنى، وبخاصة أن الساسة الأمريكيين يتفوهون –أحياناً- بكلمات وتصريحات تنطلق من رؤى استراتيجية معدة سلفاً يكون لها ما بعدها من السياسات والاستراتيجيات بعيدة المدى. كتبت حينها أن استراتيجية “الفوضى الخلاقة” التي ستتبناها أمريكا في منطقتنا العربية ستتخذ مسارين:
الأول: مسار عسكري، وقد تحقق بسقوط القوة العسكرية في العراق.
الثاني: مسار فكري طويل النفس، مستديم العمل، شامل الاتجاهات، لخلخلة الدول التي لا تستطيع الإطاحة بها عسكرياً، ليس لأنها ند عسكري قوي للولايات المتحدة، بل لمكانتها وثقلها في المنطقة والعالم العربي والإسلامي، ومنها السعودية.
لنختزل التاريخ القريب الآن، ونتجاوز أحداث ما يسمى بـ ” الربيع العربي”، ودور أمريكا في مساراته، ثم التحالف الأمريكي الإيراني، ونركز على السعودية وما يراد بها.
الولايات المتحدة تعلم يقينا خطر إيران، وأنها دولة راعية للإرهاب، كما صرح بذلك تقرير الخارجية الأمريكية مؤخراً، لكن لماذا تحالفت معها ضد السعودية؟ ولماذا مكنتها من العراق وسوريا ولبنان وسكتت عن تدخلاتها في اليمن؟
الإجابة عن هذا السؤال طويلة جداً، مختصرها أن إيران هي أفضل البدائل السيئة (من وجهة نظر صانع القرار الأمريكي) لتحقيق الأطماع الاستراتيجية الأمريكية-الصهيونية في المنطقة، وتحقيق “الفوضى الخلاقة”، والإطاحة بالكيانات السياسية العربية القوية في المنطقة لن يكون إلا بمثل هذا الحليف الذي لا يحكمه دين ولا ضمير ولا أخلاقيات السياسة، وهو حليف مستعد لتقديم كل التنازلات التي تطلبها أمريكا. من أجل ذلك رأينا كيف توسعت إيران في المنطقة بوكلائها وعصاباتها وأموالها في الدول العربية، من العراق إلى اليمن، مروراً بسوريا ولبنان وغيرها، بصمت أمريكي تارة ودعم لوجستي تارة أخرى، بما يمثل – في نهاية المطاف- خنقاً للسعودية، وإضعافاً لقوتها المادية وامتدادها السني في المنطقة. كل هذا يتم بأغطية متعددة وتحت سمع أمريكا وبصرها، بل ودعمها. والهدف النهائي بعد إنهاك السعودية ومحاصرتها من دول الجوار هو الاستعداد لتقسيمها، وإعادة رسم الخارطة الجديدة لـ “لشرق الأوسط الجديد” الذي خططت له بيوت الخبرة ومراكز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن وتل أبيب.
يتزامن ذلك كله مع الحرب الفكرية التي تحدث عنها “رامسفيلد”، بهدف تفتيت المجتمع السعودي، وجره إلى نزاع داخلي، وخلق الاختلاف الفكري بين فئاته ومكوناته بطريقة تساعد على تفتيت أجزائه، وتماسك وحدته الفكرية التي قام عليها.
ولأن الإعلام أقوى وسائل خلخلة المجتمعات وأمضاها، فقد عمد المتربصون بالمجتمع السعودي إلى استخدامه في الداخل والخارج. أما الهجمة الإعلامية من الخارج فهي متوقعة وغير مستغربة، لأنها نوع من أنواع الصراع، معروف مصدره ومعلومة أدواته وأساليبه. ما يعنينا هنا هو: أن من بيننا من كان عوناً للعدو في تفتيت المجتمع وإضعاف مكوناته.، فكان معولاً للهدم بالوكالة عن الأجنبي، وأداة من أدوات “حرب الأفكار” التي تحدث عنها “رامسفيلد” تعمل من الداخل السعودي. ولئن دخل العراقي الخائن ” أحمد الجلبي” على ظهر دبابة أمريكية لتحتل العراق، فقد امتطى أمثاله من الإعلاميين السعوديين الخونة “حصان طروادة الإعلامي”، ليكونوا معول هدم لكل ما هو ثابت ديني أو اجتماعي في المملكة، حتى أن أحدهم صرح بأمنيته في أن “تحتلنا أمريكا”!! بين هذه الأمنية المتناهية في الصراحة والذل والخيانة وما دونها مما يتناغم معها تنافس هؤلاء الإعلاميون في الجرأة على ثوابت الوطن الدينية والفكرية والاجتماعية، ولا يزالون يتنفسون هواء التمرد وإضعاف بنية المجتمع وتذويب هويته عبر وسائل إعلامنا الحكومية والخاصة؟! وقد رأيناهم – ولا يزالون- يمارسون القفز على ثوابت الوطن، والسخرية بمقدساته وعلمائه ومؤسساته، في توافق عجيب مع ما يراد بالسعودية من سوء ومؤامرة خارجية، إن لم يكونوا أصلاً مستأجرين للقيام بهذا الدور القذر في هذه المرحلة الحرجة.
هذا ما يراد بالسعودية، فما الواجب على أهلها؟
أربع نقاط عاجلة في هذا الجانب:
1- أول ما يمكن أن تبتدأ به الواجبات هو أن تحفظ القيادة الأسس التي قامت عليها، وأن لا تقدم تنازلات بدعوى مسايرة العاصفة حتى تزول وتهدأ ويذهب ريحها. فالقوم هذه المرة عازمون على المواجهة غير المباشرة حتى تتخلى الدولة عن هويتها، فيسهل ابتلاعها كغيرها. ولن تتماسك الجبهة الداخلية وتقوى على الصمود إلا بما قامت عليه وتأسست، وهو ثابت الدين الذي جمع عليه الملك المؤسس الناس في هذه البلاد، ووحدهم عليه، بعد أن عاشوا زمناً من الفرقة والتشرذم والاختلاف.
2- أن تقوم الدولة والمجتمع بمواجهة كل من يريد تمزيق الصف، وتفريق الكلمة، وبخاصة الإعلاميين والكتاب الذي مردوا على الفجور، وباعوا ذممهم خدمة للأجنبي.
3- أن يحفظ الإعلام والمجتمع للعلماء مكانتهم وهيبتهم، فهم – بعد الله- قادة الرأي والمؤثرين فيه، وبخاصة وقت الأزمات والحروب والفتن. وكلنا نذكر (يوم حنين) ووقفة العلماء المشهودة التي كانت – بعد فضل الله- سبباً في الأمن والطمأنينة للناس. ما يتعرض له العلماء اليوم من بعض وسائل الإعلام والكتاب لا يخدم أمناً ولا يحقق طمأنينة، بل هو ما يرجوه العدو المتربص. وفي الوقت نفسه، فإن على العلماء أن يقوموا بواجبهم في هذه المرحلة، ويضاعفوا جهودهم في توجيه الناس وتبصيرهم بما يراد بهم من العدو، وما يهدد دينهم ووطنهم. ذلك يعني أن يكون العالم صانعاً للأحداث وليس متابعاً لها أو متفرجاً عليها كما هو شأن العامة.
4- أن تسود في المجتمع روح التفاؤل بما يجري من أقدار وأحداث، ويكف المرجفون عن التهويل الذي يبعث على الإحباط وينمي شعور الهزيمة في النفوس. هذا لا يعني أن لا نبين مكامن الخطر، أو نحذر من شر قد اقترب، بل يكون ذلك ومعه الحديث عن الاعتزاز بالذات، والقدرة على الصمود ومواجهة التحديات، وليس التخويف أو التخذيل أو الانهزام.
في هذه المرحلة على السعوديين- كلهم- أن يدركوا أن الدين والأمن ثابتان لا يمكن المساومة عليهما أو التنازل عن أحدهما، وأن ما دونهما مخلوف، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وسوم: العدد 682