النخب العربية وثورات الربيع العربي
بعد ست سنوات على انطلاق الثورات العربية أين يمكن أن نتلمس دور النخب العربية بالتفاعل مع هذه الثورات سلباً أو إيجاباً؟
سؤال كبير يمكن أن يطرحه كل مواطن عربي على النخب التي ما فتئت تنظّر وتحلل وتتنبأ وترسم وتخطط.
وبعد الدراسة والقراءة الجادة لهذه النخب نجد أن البعض منها يعيش أوهام الأنظمة التي ثارت عليها الشعوب ويريد استنساخها بقوالب مستجدة تدغدغ عقول عامة الناس ومشاعرهم، وهذا ما حدث في مصر وتونس واليمن وليبيا، حيث تمكنت هذه النخب من التلاعب بعقول عوام الناس وأنصاف متعلميهم وسرقة الثورة عن طريق جوقة من البلطجية والشبيحة والزعران، الذين تعج بهم بلدان الربيع العربي، والذين يتقنون فن النفاق والرياء والتدليس والكذب والافتراء والتملق، وهم نتاج ثقافة الأنظمة الديكتاتورية في تلك البلدان، والتي كانت تحيط نفسها بمثل هذا الجيش العرمرم من الفاسدين لأكثر من نصف قرن.
في حلقة الاتجاه المعاكس التي يقدمها الإعلامي البارع الدكتور فيصل القاسم من قناة الجزيرة الإخبارية يوم الثلاثاء الماضي 16/8/2016 تحت عنوان: (حق الشعوب العربية في التحرر من الظلم والطغيان، وإمكان أن ينجحوا ثوراتهم على الاستبداد، أم أن الشعوب ومستبديها وجهان لعملة واحدة؟) والتي استضاف فيها كلاً من (أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية الهادي شلوف) و(أستاذ العلاقات الدولية في جامعة السوربون محمد هنيد).
يقول الأستاذ الهادي شلوف: إن الحكام العرب هم سبب المصائب التي لحقت بالشعوب، لكن ثورات الربيع العربي بينت أن الحكام والشعوب ليسوا سوى وجهين لعملة واحدة، وأن طموح هذه الشعوب كان الوصول إلى دولة القانون والعدالة، وما أن جاءت الثورات حتى اكتشفنا أن الشعوب أسوأ من الحكام، وأن ديدن التاريخ العربي المعاصر من الاستعمار إلى الحكام العرب بعد الاستقلال إلى ثورات الربيع العربي، ينطبق عليه البيت الشعري: "رب يوم بكيت منه .. فلما صرت في غيره بكيت عليه".
أما الأستاذ محمد هنيد فهو يعتقد إن الشعوب العربية قابلت قتلها على يد المستبد وقابلت فرق الموت المستوردة بصدور عارية وهي تنشد حريتها بسلمية قل نظيرها في العالم.
على هذه السلمية -يواصل القول- قامت الشعوب بما يقع على كاهلها من مهمة إسقاط جدار الخوف والاستبداد، أما المرحلة التالية فهي مرحلة البناء وهذه ليست مسؤولية الشعوب وإنما النخب.
لكن هذه النخب -التي يسميها نخب العار- هي في الأصل صناعة المستبد، ولا تستطيع أن تتنفس دكاكينها إلا من خلال صانعها، وعليه اضطلعت بعد الثورات بإعادة إنتاج الاستبداد.
ويرد الأستاذ شلوف قائلاً: إن لدى العرب مشكلة، فهم ينتمون إلى شعوب غير قادرة على الإنتاج وليس لديها رقي، وإن الإسلام أعطاهم هوية شعب، بينما كانوا قبل ذلك يأكلون السحالي.
ورفض محمد هنيد القول الأخير لشلوف وقال إنه أكاديميا وعلميا لا يجوز اعتبار شعب قابلا للرقي وآخر غير قابل، منبها إلى أن الأنثروبولوجيا الاستعمارية هي من كانت تقسم الشعوب إلى متحضرة ودونية.
ومضى يقول إن العرب يعيشون وعي الهزيمة الذي أنتجته ثقافة سايكس بيكو وفعّله الاستعمار العسكري المباشر ثم كرسه الاستبداد العسكري. ورأى أن خطورة هذا الوعي في ترويجه عبر النخب مما سمح للإمبراطوريات المجاورة أن تتمدد بحجة الانتصار للمهزومين كما يجري على يد المشروع الصفوي الإيراني.
واستكمالاً للفائدة نورد بعض التعليقات على الحلقة من قبل القراء العرب:
يقول أحدهم:
"إن النخبة لم تقدم الدليل المقنع الذي يشفي الصدور ويجعل الفرد واثقا من نفسه بأنه على حق وأن هذا البديل فقط بمجرد معرفته تتحقق سعادة داخلية وما إن يطبع حياة المجتمع تتحقق الرفاهية والراحة النفسية. نعم ربما تكون البداية معنوية بحيث تصحح الأفكار والعقائد ثم تصقل شخصية الفرد المرادة التي يمكنها بناء المجتمع أو تغيير النظام أو التصدي لانقلاب وهذا مسار طويل يتطلب العمل الدؤوب وطول النفس والموضوعية في جميع المجالات التي تمس حياة الناس".
ويقول آخر:
ذو القرنين جهز جيشا من العلماء والأطباء والمهندسين ورجال دولة ودين وجنود وسار في رحلة لاستكشاف حالة الشعوب وهي خمس أجناس ومنغلقة وهدفه استطلاع أمرها ومساعدتها ومدها بما يلزمها لإكمال نضجها وردع بعضها عن الباطل ورسم طريق الحق لاتباعه وسد طريق الباطل لاجتنابه، الشعوب قد تخدع لفترة وتخطىء وتخاف ولكن عندما ترى طريق الحق تتوق إليه ويعمل فكرها وتتحرك جوارحها وتطلق حناجرها طلبا له وترفع السلاح اذا اقتضى الأمر، وهذا قمة النضج بعد الانتصار المحتوم، لأن الجيوش قد تخسر معارك لكن الشعب لا يخسر المعركة، إنه يتسلق قمة النضج".
وأخيراً يقول بعضهم:
"الشعوب العربية هي من صنعت الطغاة بسكوتها وخنوعها كل هذه السنين وعندما قام شبابها بالثورة عادت الشعوب لتحمل جلاديها على أعناقها، المشكلة مشكلة جيل تعود وعود على الخنوع، هو جيل: خليك في حالك وابعد عن السياسة، يبقى الأمل في الأجيال القادمة لو وجدت توعية إعلامية".
وسوم: العدد 682