مهرجان جروزني بين المؤتمر والمؤامرة
يوم الخميس ٢٢/ ١١/ ١٤٣٧هـ في العاصمة الشيشانية جروزني مؤتمر :من هم أهل السنة؟، والذي يهدف كما كتب بعض من شاركوا فيه إلى جمع كلمة أهل السنة والجماعة ، وتوحيدِها في مواجهة الأخطار المحدقة بالعالم الإسلامي .
والحقيقة :أن المؤشرات عديدة ومتضافرة على أن الهدف من هذا المؤتمر عكس ذلك ، بل هو مؤتمر تآمري على العالم الإسلامي وعلى المملكة العربية السعودية بشكل خاص ، يقع ضمن العديد من التحركات الغربية لقتل كل مظاهر يقظة الشعوب الإسلامية إلى حقيقة دينها ، وإعادة العقل المسلم إلى حضيرة الخرافة وتسلط الأولياء [المزعومين] وسدنة القبور وعقيدة الجبر على حياة الناس وعباداتهم . وفي هذا المقال سوف أشير إلى هذه المؤشرات ، أما الجواب عن سؤال المؤتمر الذي دُعِي من أجل الإجابة عنه عشرات العلماء من مختلف دول العالم الإسلامي ، فإن كتاب الله وسنة رسوله ﷺ قد بينا هذا الأمر بما هو أشد وضوحاً من الشمس في رائعة النهار ، ولو سَلِمَت القلوبُ من الأهواء ، واستسلمت للوحيين لوجدوا فيهما ما يغني عن كل هذه الضوضاء ، وصدق الله:(ما فرطنا في الكتاب من شيء).
من المؤشرات على فقدان هذا المؤتمر للنزاهة ، أو إرادة تحقيق ما أعلنوا عنه من أهداف : عدمُ دعوةِ أيٍ من المؤسسات العلمية الشرعية في المملكة العربية السعودية للمشاركة في هذا المؤتمر ، الأمر الذي يُنبئ بطريقة غير مباشرة : بأن من أهداف المؤتمر الحقيقية عزل السلفية عن أهل السنة ، أو بمعنى أصرح وأوضح إخراج السلفية من دائرة أهل السنة والجماعة ، وهو مَطلَبُ سعت إليه الدعاية الصفوية التي طالما ردَّدَت :أنها ليس لها موقف من أهل السُّنَّة والجماعة وإنما خلافها مع السلفية التي تُسَمِّيها الدعاية المعادية لمنهج السلف: [الوهابية] وما ذلك إلا سعياً وراء عزل السلفية عن أهل السنة ، وللأسف فإن ما فشلت فيه إيران يُحاول أن ينجح فيه الآن عشرات من أبناء الفرق المنتسبة إلى أهل السنة الذين جاء البيان المنسوب إليهم في المؤتمر والمتداول في مواقع التواصل بحصر أهل السنة في العقيدة بأتباع أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي صريحاً في استبعاد أتباع السلف رضي الله عنهم من دائرة أهل السنة والجماعة .
ولذلك فإن منظمي المؤتمر لم يَدْعُو من علماء السعودية إلا نفراً يسيراً من طلبة العلم الذين عُرِفوا بنقدهم للمنهج السلفي الذي بُنِيَت عليه الدولة السعودية ، أو ممن لهم انتماءات صوفية أو أشعرية ، أما علماء ودعاة المنهج السلفي في السعودية فحسب علمي لم تُوَجَه الدعوة لأحد منهم .
وكذلك لم أر حاضراً في المؤتمر أي من السلفيين المصريين بمختلف توجهاتهم ، ولا السلفيين في بلاد المغرب العربي ، ولا السلفيين في اليمن ولا السلفيين من الدول غير العربية ممن ينتشر فيها حَمَلَةُ منهج السلف كنيجيريا ومالي والسنغال والهند وباكستان .
إذاً فاستبعاد السلفيين من المؤتمر أمرٌ مقصود ، وليس خطأ عفوياً غير متعمد .
ومن المؤشرات على البعد التآمري لهذا المؤتمر عدم الإشارة إلى أكبر مهدد لأهل السنة والجماعة وهو المشروع الإيراني الصفوي ، والذي يمارس قمع أهل السنة في الداخل الإيراني ، ويُقٍيم مشروعاً خطيراً لتفريق العراق وإفراغها من أهل السُّنَّة عبر التعاون المبطن مع الجماعات التكفيرية وعبر ما يسمونه الحشد الشعبي وعصائب أهل الحق وكتائب بدر والمهدي وغيرها ، ويمارس أبشع صور القتل بدعم نظام الأسد وحزب الشيطان في سوريا ولبنان ، وكذلك دعم عملاء إيران من الحوثة والعفاشيين في اليمن ، إضافة إلى التبشير بالتشيع في بلاد أهل السنة شرقا وغرباً .
فهل من الممكن أن نعتبر مؤتمراً يتجاوز عمداً الحديث في افتتاحيته وخاتمته كل هذه المُهَدِّدات ، ثم يقال إنه مؤتمر لجمع كلمة أهل السنة ؟
جمعها ضد من ، وفي مواجهة من إذاً ؟!
ومن المؤشرات أيضا على البعد التآمري للمؤتمر : أنه يأتي ضمن سلسلة من المؤتمرات رعتها دولة الشيشان ، كلها تهدف إلى تلميع التصوف وإلصاق التكفير والتطرف بالسلفية ، وكان أخرها سنة ١٤٣٥هـ تحت عنوان “التصوف أمانٌ للإنسان واستقرار للأوطان”وفي تقديري أن تبني الشيشان لهذه السلسلة من المؤتمرات يصلح وحده ليكون علامةً على الدور التآمري الذي تأخذه الشيشان لمحاربة السلفية باعتبار الفكر السلفي كما يقولون هو المسؤول عن حركة التحرر الشعبية التي قام بها أبناء الشيشان ضد هيمنة روسيا الاتحادية على بلادهم ، فالشيشان حالياً إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية ، ومعلوم أن النظام الروسي مُغلق ثقافياً ، وغير معروف بالترحيب بالمؤتمرات العلمية أو التجمعات الثقافية ، فضلاً عن أن يكون مَعْنِيَاً بأهل السنة والجماعة ووحدةِ صفهم والتقاء كلمتهم ، إنَّ تصديق أن تكون روسيا مُشْفِقَةً على أهل السنة لدرجةٍ تجعلها تغَيِّر من سُلُوكها في التعامل مع الأديان والثقافات ، وتُجَنِّدُ إحدى جمهورياتها للاضطلاع بهذه المهمة إما سُخْفٌ في العقل وإما مشاركة في التآمر ، وفي ظني أن أكثر المشاركين من المنتسبين إلى السنة في هذا المؤتمر لا يخرجون عن أحد هذين الصنفين ، فهم سخفاء أو متآمرون ، وكيف لا يكون أكثرهم كذلك وهم يَعْقِدُون مؤتمرهم الذي يهدفون منه إلى نهضة أهل السنة ، في المدينة السُّنِية نفسها التي دمَّرتها جيوش روسيا وجعلتها رُكَاماً مدمَّرَةً بنسبة ٩٥٪ كما تقول تقارير الأمم المتحدة ، حين استعصت على الغزو الروسي عام١٩٩٩الرامي ، إلى إعادة الشيشان إلى أحضان روسيا بعد أن نجحت الشيشان في الاستقلال التام عن الاتحاد الروسي عام ١٩٩٤.
روسيا الاتحادية التي تستضيف هذا المؤتمر لتوحيد أهل السُّنَّة هي التي تنطلق طائراتها من إيران ومن أماكن أُخَر لتضرب حلب وحماة وغوطة دمشق لتجعل هذه البقاع السُّنِّيَة أثراً بعد عين ، كما فعلت سابقاً في جروزني ،حيث يجتمع المؤتمرون ،الذين لا يَخْفَاهم :أن الرئيس الشيشاني الذي يستقبلهم ويرحب بهم كان هو ووالده أحمد قاديروف من أكبر المتعاونين مع الروس لتمكينهم من الانتصار على الحكومة الشيشانية المستقلة ، ذلك النصر الذي جاء على أنقاض مدينة جروزني التي اعتبرتها الأمم المتحدة عام ٢٠٠١ أعظم المدن دماراً في العالم ، وأكبر من استفاد من هذا الدمار هو أحمد قاديروف الذي وقَّع الرئيس بوتين على تعيينه رئيسا للشيشان بعد إعادتها للاتحاد الروسي.
وبعد قتله عام ٢٠٠٤ تَدَرَّج ولده ليصبح الرئيسَ الحالي للشيشان ، والمؤيد لبشار الأسد السفّاح القاتل لأهل السنة في سوريا ، ومن العجائب أن نجد من يُصَدِّق أن من يؤيد بشار الأسد يمكن أن يسعى لجمع كلمة أهل السنة.
وروسيا هذه هي التي تُرسل سفنها إلى بحر العرب وتُهَرٍّب صواريخها البالستية لدعم عملاء إيران ضد اليمن ، وضد الدولة السُّنِّيَة السلفية قائدة التحالف العربي في مواجهة النفوذ الصفوي الإيراني .
ومن المؤشرات على الغاية التآمرية لهذا المؤتمر : أن الرئيس الشيشاني الذي يتولى شخصياً رعاية المؤتمر يبغض السلفية بغضاً لا يُمْكِن وصفه ، وله كلمات صريحة في ذلك وغير قابلة للتأويل ، يقول مثلاً :”الوهابيون لعنة الله عليهم وعلى آبائهم وأمهاتهم هم الذين قتلوا أصحاب رسول الله ﷺ ” “أقسم بالله لو يظهر في الشيشان وهابي أو أحد يُشْبِهه فسأقتله” “والله أقسم بالقرآن لن تقوم في هذه البلاد عقيدة أخرى غير عقيدة أولياء الصوفية” ” التيارات الأخرى كالوهابية والسلفية هي بالنسبة للشيشانيين مجرد بدع لا مكان لها في الشيشان ولا في روسيا عموماً إنه شر وخيانة لتعاليم الدين وأوامر المولى سبحانه وتعالى”.
هذا الحقد على السلفية منتشر في خطابات كثيرة للرئيس الشيشاني ، ولا يمكن أن يصدر من رجل يُتَصور منه أن يرعى أي مشروع يُوَحِد أهل السُّنَّة ، فضلاً عن أن يسعى ليُدْخِل السلفية في مظلتها ، ولا يُمْكِنني أن أقبل الاعتذار له بأنه يعاني من ردة فعل بعد الحرب الشيشانية ، لأنني أعلم كغيري أن الرئيس رمضان قاديروف كان أحد المشاركين في الحرب الشيشانية الأولى ضد روسيا مع والده أحمد قاديروف الذي أعلن الجهاد في تلك الحرب ، قبل أن يغير رأيه ويساهم في استعادة الشيشان إلى أحضان روسيا الاتحادية .
أما كلمة فضيلة شيخ الأزهر فقد كانت مؤسفة بحق، حيث استخدم الدبلماسية للإشارة من طرف خفي إلى عدم دخول السلفية في مسمى أهل السنة ، فذكر :أن أهل السنة منحصرون في أتباع أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي وأهل الحديث ، ولا يخرج عن عباءة هؤلاء الحنفية والمالكية والشافعية والمعتدلون من الحنابلة .
ثم لم يُبين لنا مَنْ هم المعتدلون من الحنابلة ، ولماذا كان الحنابلة وحدهم ينقسمون إلى معتدلين وغير معتدلين؟
وبإمكاننا أن نسأله : هل الجحافل المصرية التي قدمت نجداً في القرن الثالث عشر الهجري بفتاوى من الأزهر بل ورافق الحملة بعض شيوخ الأزهر كمحمد المهدي وأحمد الطحاوي ، وأهلكت الحرث والنسل وارتكبت من الجرائم مالم تقم بها داعش في عصرنا الحاضر ، ألم يكن أُلئك ومن أفتاهم بالقتل والسلب والنهب من الأشاعرة والماتريدية والحنفية والمالكية والشافعية ؟
وهل شيخ الأزهر محمد الأحمدي الظواهري[يذكر أنه جد زعيم القاعدة أيمن الظواهري ]الذي ينسب إليه كتاب يهود لا حنابلة ،والذي يُكفِّر فيه أتباع الدعوة السلفية لم يكن أشعريا أوشافعياً؟
وهل الشيخ الصاوي صاحب الحاشية على تفسير الجلالين لم يكن أزهريا أشعرياً مالكياُ ، وهو يقول:”فرقة بأرض الحجاز يقال لهم الوهابية يحسبون أنهم على شئ إلا أنهم هم الكاذبون إستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون نسأل الله الكريم أن يقطع دابرهم”
ومع أن شيخ الأزهر استدرك استدراكاً دبلماسياً فأضاف أهل الحديث إلى دائرة أهل السنة ، إلا أن منظمي المؤتمر لم تعرضهم دبلماسية الشيخ فحذفوا أهل الحديث من البيان الختامي .
كنت أتمنى من شيخ الأزهر أن يكون منصفا، وأن يكون أعلى وأكبر من النزاعات التي تفرضها الأهواء والمقاصد السياسية.
وسوم: العدد 683