إيران والهدنة المجهولة في سورية
لا احد لديه إطلاع كامل على ماذا اتفق الروس والأمريكانبالضبط تجاه سوريا ، بالرغم من تأكيد الإعلام الإيراني على اتفاق الهدنة لصالحه ، إلا أنه يصدح بتصريحات متضاربة عل وعسى يستثير الطرفين في الحصول ولو على رؤوس أقلام للاتفاق السري الذي جرى بينهم ؛ أما نظام بشار الأسد ؛ فقد قلص من بلطجته وإرهابه ، وما عليه سوى الخنوع والطاعة لإرادة أوباما وبوتين في المدى المنظور .
ما نعرفه بالضبط الآن من تصريحات صناع القرار الإيراني بشأن بركات ما تم ، يُلخصه تصريح آية الله سعيدي ممثل خامنئي في قوات الحرس الثوري " بأن حدود إيران اليوم وبفضل ما جرى لم تعد عند منطقة " شلمجة "في إشارة إلى نقطة الحدود الإيرانية العراقية ؛ بل أنها أصبحت على ضفاف المتوسط " .
على هذا الأساس فقد أصبح العراق وسورية ضمن السيطرة والمجال الحيوي الإيراني بشكل مؤكد ، وبدأت رحلة العبور الإيراني تمخر بنجاح نحو المتوسط . وهذا يأتي استكمالاً للتذكير لما أكد عليه الرئيس الإيراني " الإصلاحي " حسن روحاني في كلمة له نشرتها له بعض الصحف الإيرانية (روزنامه اطلاعات 8مارس) "بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتبر الدولة الأقوى والأكثر اقتدارا في المنطقة ،وان السلام والاستقرار لن يتحققا في المنطقة دون إرادتها ؛ وأنه إذا كان العدو يفكر يوما في بداية الثورة بأن إيران دولة ضعيفة ، وأنه بات بالإمكان القضاء عليها بتنفيذ هجوم عسكري ضدها فقد اتضح للجميع اليوم بأن إيران هي الدولة الأقوى والأكثر اقتدارا في المنطقة، وأضاف بأن إيران ليست دولة مقتدرة فقط ، بل إن الغرب يدرك جيدا بأن السلام والاستقرار لن يستتبا في المنطقة دون إرادتها ".
الأسطورة ... التي صنعتها إيران اليوم...تتمثل في نجاح وصول سفينة الباسدران إلى المتوسط، حاملة جحافل الحرس الثوري بعدهم وعديدهم إلى عاصمة الأمويين ، حيث لم يعد هذا الأمر حلمًا، صعب التحقيق والمنال ، وقد بث هذه البشرى للشعب الإيراني بشكل رسمي قائد "فيلق القدس"، التابع للباسدران ، اللواء قاسم سليماني، في تصريحات نشرتها صحيفة كيهان الإيرانية اليومية المحافظة ( 19 فبراير/ مارس ) "أن إيران باتت اليوم تتمتع اليوم بقوة حقيقة مؤمنه في سوريا ، وأن الوجود الإيراني في شرق البحر الأبيض المتوسط، لم يعد حلمًا ،وشدد قائد الحرس الثوري الإيراني على أن إيران لم تتصرف يوماً استناداً إلى سياسة أعدائها ، وردات فعلهم ، معتبرا سوريا تشكل الآن المحور الرئيس للمواجهة مع أعداء بلاده، مضيفاً أن العالم كله في كفه ، وإيران في كفة أخرى، مضيفا أن الأعداء لا يعرفون الحقيقة، ولا يدركون بواطن الأمور ، وتوجهات السياسة . بالمقابل واستكمالا لرحلة العبور للمتوسط وأوروبا أعلن رئیس مجلس الشوری الإيراني علی لاریجانی، استعداد إيران لتسویة الأزمة السوریة بالتعاون مع الاتحاد الغرب وروسيا .
«التصريحات السابقة بعنفوانها وخطورتها » تحمل رسائل عديدة للجميع بالطبع ؛ فإيران هي الدولة الأقوى في المنطقة ، ولا أمن ولا استقرار بدونها على حد زعم مطبخهم السياسي والأمني ، وتظهر استعداد النظام للتفاوض مع الغرب وروسيا – وليس العرب - حول المجال المتوسطي " بما فيه سوريا " التي تسيطر عليها إيران إذن هذه الرسائل بمجملها موجهة إلى دول الجوار العربي حتى قبل إيران لا زالت ، تنهج دبلوماسية التعبئة الشعبية الداخلية " سياست بسيج مردمى " ، ولا زالت توظف الشعارات ، والدعاية خدمة لسياستها الداخلية والخارجية لخداع شعبها أولا ، وشعوب المنطقة ثانيًا ، ولا ننس أنها ساعدت أمريكا في احتلال أفغانستان والعراق لتسهيل الإبحار نحو الضفة الأخرى من الخليج , و أنها ولا زالت لغاية الآن ، تسير بخطى حثيثة للعبور إلى المتوسط ، والتصميم على دعم النظام السوري الذي يعمل ذبحا وتقتيلا بشعبه.
بالمقابل يرفض الغرب عموما ، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية الاعتراف بأن حربا مذهبية مفتوحة على كل الاحتمالات دائرة في الشرق الأوسط ،وقد تحرق الأخضر واليابس فيها . ثم إن بروز الصراع المذهبي واضح في العراق ، سوريا ، لبنان، اليمن .......... واعتبار الغرب والروس أن الحرب في المنطقة والتحالف هو ضد الإرهاب فقط ؛ وأي إرهاب .
المفارقة أن إيران تدعم التنظيمات التي تعيث فسادا وقتلا في العراق وسوريا ولبنان، واليمن ، وهم أمهر مَن تلاعب بورقة القاعدة طوال عقد كامل، وتسهيل تحركاتهم في أفغانستان ، ثم تأمين حركة مرور من سوريا إلى العراق، وبالعكس والآن داعش.
إن التقارب السياسي بين الغرب ، وروسيا وإيران، يمنح إيران مبرراً للهيمنة على دول المنطقة ، لا سيما دول الخليج العربية، والتدخل في شؤونها الداخلية ؛ وهي حالياً تحتل الجزر الإماراتية الثلاث، وتتدخل في البحرين، وترسل شبكات التجسس إلى الكويت، والبحرين، والإمارات، وعمان، والسعودية، وتحرض شيعة الخليج على التمرد.. وترسل الصواريخ لليمن ، إضافة إلى التصريحات العدائية من المسئولين الإيرانيين تجاه السعودية ، الحليف الموثوق لأميركا ، و سعي الغرب لمنح إيران ، وحرسها الثوري ومليشياتها الإرهابية الفرصة للمزيد من التحرك، وفرض الوجود، والقدرة على توجيه سياستها الخارجية لمصالحها الخاصة ضد مصالح دول الخليج العربية التي أبدت انزعاجها من المؤشرات السياسية الأخيرة التي بدأت تظهر تقارباً أمريكياً روسياً إيرانياً ، سيكون على حساب مصالحها السياسية والاقتصادية الإستراتيجية ، وتلميحات من بعض المسئولين الأمريكيين، والأوروبيين، والإيرانيين تحمل في طياتها أبعاداً مستقبلية وصفتها بـ "الخطيرة" على مستوى المصالح الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا وإيران ، على اعتبار أنها تتم في إطار صفقة، وتقديم تنازلات سياسية كبيرة قد تعيد ترتيب الأوراق في من جديد على حساب العالم العربي عموما ، والدول الخليجية على وجه الخصوص .
المشكلة الحقيقة اليوم أن القوى العظمى، وفي مقدمتها واشنطن قد اختزلت الخلاف مع إيران من خلال عدم التوافق الدبلوماسي معها في مجال انتهاكات هنا وهناك في الاتفاق النووي، وسعي إيران الدؤوب -بالمقابل - أن يكون هو مجال الاختلاف الوحيد مع الغرب . وبموازاة الحرص الإيراني هناك حرصها على التحالف الإقليمي الذي تقوده وينتمي إليه نظام الرئيس بشار الأسد وحزب الله ، ومن خلفها محاولة إيران حشد التنظيمات التي أنشأتها، ودعمتها، باتجاه حروب الوكالة ،نيابة عنها ، وخدمة لمصالحها ، والاتفاق مع الروس على عدم استهداف عصابات إيران ومرتزقتها من خلال الهدنة .
ترى إيران أن الأمور تتجه نحو تسويات متعددة المستويات انطلاقا من لقاء القمة الأمريكي الروسي ؛ وهي لصالح طهران بكل المقاييس ؛ وأول ثمراته أن التنسيق الأميركي – الإيراني بات على أعلى مستوى ، وبهذا تجاوزت دولة الولي الفقيه ‘عقدة’ حرمة التفاوض المباشر مع الشيطان الأكبر ؛ تمهيداً للصفقة الشاملة على مستوى الإقليم ؛ لهذا يركز قادة إيران على أهمية إستراتيجية الحضور الفعال والمؤثر في المتوسط ، بغرض إعادة رسم التوازنات لصالح بناء المجال الحيوي الإيراني ضمن الفضاء الذي هندسته إيران ، وبعد التوافق مع إسرائيل التي تصول طائراتها وتجول فوق عمامة قوات الولي الفقيه ومرتزقته دون استهدافها ...... وأكشن يا دوري .
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 686