رسالة إلى أبي بكر البغدادي، لوضع النقاط على الحروف!
أنا على ثقة بأنك سوف تتطلع على الرسالة، وبنفس الثقة بأنك سوف لا تجرأ على الجواب، ليس بسبب التعتيم الإعلامي الذي يتبعه تنظيمكم، وانما بسبب عدم القدرة على المواجهة، إنكم تفهمون جيدا بل يمكن الجزم بأنكنم أثرياء في لغة السلاح، ولكنم فقراء في لغة الحوار، وأنت الأعرف بهذا الجانب من غيرك، سأناقشك من جانب واحد وبسبب قناعتي التامة بأنك سوف لا ترد على هذه الرسالة، لكن يمكنك الإيعاز إلى أحد أعضاء التنظيم بالرد. من المؤكد بأن هناك ممن يجيد فن الكتابة او (المجادلة) لأنك ربما لا ترغبون تسمية الأمر (المناقشة) وفقا لثقافتكم السلفية. وسوف أناقشك بأدب تام دون التهجم عليك شخصيا او على التنظيم الذي تتزعمه، ليس بسبب القناعة بتوجهاتكم ـ معاذ الله ـ ولكنه إلتزاما مني بأدب الحوار، وسوف لا أستخدم كلمة إرهاب ليس لنفِ الصفة عن تنظيمكم، ولكن لأن الأرهاب نفسه يمارس من قبل الحكومات العراقية المتتالية منذ الغزو عام 2013 علاوة على إرهاب الميليشيات الرسمية، والدول المتحالفة مع العراق كالغارات الجوية للحلفاء التي قتلت الآلاف من المدنيين في العراق وسوريا، كل هذا إرهاب. لذا سوف تكون المناقشة على شكل تساؤلات مشروعة تهم الشارع العراقي والسوري معا، وهما الساحتان الرئيسيتان لفعالياتكم الحربية.
أنا على علم يقين بأن الإعلام لم ينصفكم البتة، وهذا أمر مفروغ منه، بل أن ماكنة الإعلام الدولي والمحلي تشتغل على مدار اليوم ضدكم وبكل اللغات والفبركات الإعلامية، وما يقوله الإعلام لا يشكل من الحقيقة الا نسبة هزيلة من واقع ما يحدث، الإعلام قتلكم شخصيا وجرحكم عدة مرات وكانت الأخبار كاذبة ومظللة، ولو أحصينا ما قُتل منكم وفق البيانات الامريكية والعراقية لأصابنا الفزع، لأن القتلى هم أضعاف عددكم الحقيقي، حسب ما ما تشير اليه البيانات، اي إنها مهزلة إعلامية! ولكنكم تتحملون هذا المسؤولية قبل غيركم بسبب سياسة التعتيم الإعلامي التي تنهجونها والتي أضرت بكم كثيرا، بل انكم قدمتم عن قصد او بدونه معاول لأعداءكم ليهدموا أسواركم الهشة بهذا النهج الشاذ، لأنه من المعروف ان الإعلام ركن أساسي في أية معركة قديما وحديثا، إلا عندكم سبحان الله! فقد تركتم الساحة لأعدائكم يصولون فيها ويجولون على راحتهم، وهذا الأمر محير.
المئات من التفجييرات التي إستنزفت دماء العراقيين الأبرياء كانت بلمسات الميليشيات الشيعية الواضحة المعالم، وقد وجهت أصابع الإتهام الى الميليشيات بسبب تصفيات حزبية او توسيع مناطق النفوذ أو الحصول على الغنائم بإعتراف قادة عسكريين وزعماء الميليشيات أنفسهم، ولكنكم تباغتون الجميع بإعلان مسؤوليتكم عنها! بلا شك انكم تسجلون أهدافيا في ملعبكم لكن بغير أقدام لاعبيكم، وتعززون رصيدكم من العمليات ضد أعدائكم، وهذا أمر مفهوم في سير المعارك الحربية من الناحية المعنوية، لكن غير المفهوم هو ان نتيجة هذه العمليات دماء بريئة لا علاقة لها بأطراف النزاع الدائر، لا هم بصفكم ولا هم بصف الحكومة! لو كانت التفجيرات تستهدف القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية والسياسيين لما عاتبكم أحد، انها حرب بينكم وبين أعدائكم وفي الحرب خسائر وكر وفر، كما أن الضرورات تبيح المحظورات الا ما يتعلق بسلامة المدنيين، وهذا ما يتفق مع شرع الله والقانون الدولي. وأن قلتم بأن المنظور الإسلامي لا يمنع من حصول ضرر قليل لمنع ضرر أكبر، نقول لكم ان غزوات النبي (ص) وحروب الخلفاء الراشدين تدحض هذا الأمر، كما أن الضرر الأكبر هو ما نجم عن معارككم وهذا ما تثبته الوقائع اليومية.
من الطبيعي ان أي تنظيم بغض النظر عن توجهه الديني أو العلماني ينفض يده عن جريمة قتل المدنيين ويتبرأ بكل الطرق الممكنة من دمائهم حتى لو كان هو الفاعل، لأنها دلالة على الوحشية والسقوط الإخلاقي وفق كل المعايير الأخلاقية السماوية والوضعية، إلا أنتم سبحان الله!
إنكم تعلنون بطريقة محيرة مسؤوليتكم عن تلك الهجومات مع ان الضحايا هم من المدنيين، لا نفهم كيف يتفاخر المسلم بقتل مدني لا علاقة عن قريب او بعيد به. أن تفجير الكرادة الأول خير دليل وشاهد على كلامنا. صحيح انكم لم تدعوا التفجير الأول، لكنكم ادعيتم المسؤولية الكاملة عن التفجير الثاني، والذي كان الغرض منه حسب إدعائكم هو هشاشة وفشل الخطط الأمنية في التصدي لكم، وهذه حقيقة لا يجهلها أي عراقي. وزعمتم بأنه مهما حاولت الجهات الأمنية غلق الأبواب بوجوهكم، فأنكم ستطلون من الشبابيك! وفعلا تطلون بكل راحة، ربما جرأة منكم او إستخفافا بالحكومة ووهن أجهزتها الأمنية.
نعم لقد أثبتم حقا بأن الخطط الأمنية لحكومة العبادي وحلفائه أهون من خيوط العنكبوت، لكن من الذي دفع ثمن إثباتكم وجرأتكم هذه؟ انه المواطن البرئ الذي لا علاقة له بحربكم! فما هو جوابكم على هذه المسألة.
من المؤكد أنكم تتابعون الإعلام العراقي الحكومي ومنها تحركات الوزراء والنواب والقطعات العسكرية والأجهزة الأمنية، لأنهم أعداء لكم، وهم على علاقة مباشرة بحربكم، ونحن أيضا نشاهد قوافل الحماية الشاذة لهؤلاء المسؤولين وهي تثير أعصاب العراقيين جميعا بسبب سرعة السياقة وتجاوز العلامات المرورية والسير على الأرصفة وإرهاب المواطن بالإبتعاد (100) متر عن عجلات الموكب والا تعرض المتجازو الى القتل، علاوة على إطلاق الرصاص في الهواء والمظاهر المسلحة المقززة، والإعتداء على المواطنين بالضرب او الكلام البذيء. وهناك أفلام أخرى يمكنك الإطلاع عليها تبين تهجم الجمهور العراقي على مواكب المسؤولين ورميهم بالحجر وقناني المياه. أنت على علم بأن المواكب الحكومية تسير في الشوارع وليس على السحاب، وهي أهداف سهلة لكم، فلماذا تستهدفون الأبرياء وتتجاهلون المسؤولين الحكوميين؟ من هم خصومكم الحقيقيون؟ هل هم المسؤولون الحكوميون ام المواطنون العاديون؟ ان كان المسؤولون! فلماذا لا تستهدفوهم شخصيا ـ لا أحد من العراقيين يلومكم بسبب ضجرهم منهم ـ وهم صيد سهل لكم! يعني بدلا من إرسال إنتحاري الى مركز تجاري لقتل الأبرياء، يتربص الإنتحاري لمسؤول حكومي ويفجر نفسه، وتكون الحالة مربحة للشعب (لا خسارة) محتفظا بدمائه بإعتباره ليس طرفا في حربكم. لاشك من الناحية الإعلامية والمعنوية عندما يكون ضحية تفجيركم مسؤول كبير كوزير او نائب في البرلمان على سبيل الفرض، سيكون له وقعا كبيرا في الوسط الإعلامي، ويرفع من معنويات مقاتليكم، على العكس من قتل مواطنون أبرياء دمائهم برقبتكم! فما هو جوابك على هذه المسألة.
وردت في بعض رسائلكم كلمة (الروافض) وهي كلمة لا تعني الشيعة جميعا كما هو معروف، وهي تقابل كلمة (النواصب) التي يطلقها بعض مراجع الشيعة على أهل السنة، بل ان الأخيريين وسعوا المفهوم أكثر منكم بإضافة (اليزيديون، المروانيون، التيميون، ابناء معاوية، ابناء الطلقاء)، وسوف لا ننقاش الموضوع لأنه خارج سياق الحديث، لكن لماذا تتجنبون تعبير(الصفويين)؟ هل لأنه يمس النظام الإيراني أم لسبب آخر؟ لم يبق من رجال الدين من أهل السنة إلا وتهجمتم عليه، ولكنكم لم تتهجموا على أي مرجع شيعي في العراق أو إيران! ماذا يعني هذا؟ هل هو الود والمحبة، أو التعاون والمصلحة المشتركة؟ الأغرب منه أنه رغم أن المرجع الشيعي علي السيستاني أصدر فتوى الحشد الشعبي لتحشيد الشيعة لقتالكم، لكنه كان بمنأى عن إنتقادكم! وهنا سنواجه مشكل خطير!
لا يُخفى عليكم بأن العملية السياسية في العراق يديرها ملالي إيران وأذرعهم المتنفذة في العراق كالسيستاني وعمار الحكيم ومقتدى الصدر وقيس الخزعلي وأبو مهدي المهندس وهادي العامري وغيرهم، فإن كانت المصلحة تجمعكم ـ أو على أقل تقدير المحبة ـ مع إيران فكيف تقاتلون أذرعتها في العراق وسوريا؟ اليست هذه إزدواجية في موقفكم؟ هل تعلمون بأنكم أعطيتم المبررات الكافية للتدخل الإيراني في الشأن العراقي بحجة متطلبات الأمن الوطني الإيراني وتحت ذريعة قتالكم، فقدمتم مكرمة سخية للقيادة الإيرانية التي صرحت بأن لها الحق في التوغل (40) كم داخل الأراضي العراقية لإبعادكم عن حدودها، علاوة على قيادة الجنرال سليماني المعارك ضدكم في العراق وسوريا، والغريب أنكم لن تعلقوا أبدا على قيادة الجنرال سليماني للقطعات المسلحة والميليشات الشيعية في الحرب عليكم! هل سليماني عدو أو صديق لكم؟
لم تقتصر ساحة عملكم على العراق وسوريا بل إمتدت الى كل دول العالم وهذا أمر صار معروفا للجميع، ولكن بالتأكيد أنصبت نجاحاتكم في العراق وسوريا، وحققتوا إتصارات كبيرة مع إنها موضع شك كبير، فسقوط الموصل مثلال ترفض الحكومة أن تعلن عن أسبابه الحقيقية مما يعني أن هناك نوع من التعاون أو الإهمال المتقصد، وماعدا العراق وسوريا فأن العديد من الدول الأوربية والعربية تعرضت الى تفجيرات أعلنتم مسؤليتكم عنها ببيانات صريحة، وإذا رسمنا خارطة الى اكثر الدول التي تضررت من عملياتكم ستكون المملكة العربية السعودية من ناحية الخسائر البشرية والمادية. وموقفكم من السعودية واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، وهذا الأمر يثير التساؤل التالي: طالما أن أفكاركم سلفية وهي تتقارب مع السلفية السعودية وتتقاطع تماما ـ كما يفترض ـ مع العقيدة الإيرانية، فلماذا تحاربون النظام السعودي ولا تحاربوا النظام الإيراني؟ وهل برأيكم ان النظام الإيراني يمثل الإسلام الصحيح والنظام السعودي يمثل الإسلام غير الصحيح؟
قمتم بعشرات العمليات على الساحة السعودية ولم تقوموا بعملية يتيمة في إيران! وهناك إشكالية أخرى تتمثل بأن النظام الإيراني وربيبه العراقي يتهمان السعودية بدعم تنظيمكم! كيف يمكن أن نقبل فكرة ان السعودية تدعمكم وأنتم تعادونها، وإيران تحاربكم على الجبهتين العراقية والسورية وأنتم لا تعادونها؟ ما مبرر موقفكم الإيجابي من إيران إذا أعتبرنا ان المباديء وليس المصالح هي الفيصل القاطع؟
يحمل تنظيمكم إسم (تنظيم الدولة الإسلامية) وأنتم أحرار في إختبار التسمية التي تناسبكم، شأنكم شأن حزب الله والدعوة الإسلامية والمجلس الإسلامي الأعلى وغيرها التي لا يتطابق فيها الإسم مع الفعل فتجنون بذلك على المولى تعالى والإسلام معا بهذه التسميات المضللة. المهم ان حمل صفة الإسلام تعني ان نهجكم ذو طابع إسلامي، وهذا أمر طيب ان مَثلَ الإسلام الحقيقي بقيمه الإنسانية العليا. من المؤكد ان من ينتهج الإسلام إسلوبا إنما هو يهدف الى خدمة الإسلام بشكل أو أخر، بمعنى أن المحصلة النهائبة لأعمال التنظيمات الإسلامية عموما وليس أنتم فقط، هي التي تقرر مقدار خدمتها الفعلية للإسلام. والإسلام ليس المقصود منه خدمة الدين فحسب بل المسلمين أيضا. فهل أفعالكم وبقية أفعال الأحزاب الإسلامية نقلت صورة الإسلام الصحيح لبقية دول العالم؟ وهل خدمت الإسلام كدين أولا والمسلمين ثانيا؟ الأمر الأنكي منه أنه في الوقت الذي بدأت فيه الأحزاب الشيعية تتشظى وتتعارك على الغنائم وسااحات النفوذ وبدأت إشتباكات مسلحة بين الفصائل الشيعية نفسها، فأنكم قمتم بتوحيدها ضدكم، فتناست مشاكلها وصار يجمعها بل وحدها العداء لكم.
أنظر الى ما تسببته التنظيمات الإسلامية من معاناة لا تعقل للمسلمين داخل بلدانهم وخارجها، وأنتم وتنظيم القاعدة على رأسها! من المؤكد انك أطلعت على كيفية تعامل الدول الأجنبية مع المسلمين عامة! كل مسلم صار عنوانا للإرهاب بغض النظر عن سمو اخلافه ونزاهته، بل ان كلمه (الله أكبر) فقط صارت عنوانا لعمل إرهابي ـ الله أكبر ـ مجرد نطق كلمة الله أكبر عفويا من قبل مسلم في طائرة من شأنها هبوط الطائرة لأنها تحمل على متنها مسلم إرهابي حسب تصورهم! أنظر الى حال المسلم في المطارات ومحطات القطار والمتنزهات والجامعات والمدارس وغيرها، حاليا بدأت في الولايات المتحدة ظاهرة حرق حجاب المحجبات المسلمات بولاعة! إن الآثار السيئة لأفعالكم انعكست على الجميع وأنتم بمنأى عنها ولم تصيبكم شظايها، أما محاسنكم فلم يلمسها المسلمون داخل وخارج دول الإسلام. هل راجعت ما قدمه التنظيم من حسنات أو سيئات للدين الإسلامي والمسلمين عموما؟ سؤال شرعي يحتاج الى جواب شافي، لأنه يتعلق بتقييم تنظيمكم.
لاشك ان أهل السنة مهمشون في العراق المحتل وأن من يتولى منهم منصب حكومي أو برلماني يمثل نفسه ولا يمثل أهل السنة. بل يمكن الجزم بأن سنة السلطة وشيعة السلطة يمثلون أنفسهم فقط، وأنت تعرف كيف يتهافت المسؤولون من أهل السنة إلى إيران للحصول على رضا المرشد الإيراني الخامنئي، لذلك اطلق عليهم تسمية جحوش أهل السنة أو (سنة المالكي) وكلا الوصفين ملائم لهم. بسبب سياسة التهميش والإقصاء لأهل السنة، كانت المحافظات ذات الأغلبية السنية حواضنا ملائمة لكم، وقد إستثمرتم الظرف بطريقة ذكية جدا ـ هذا إذا إفترضنا ان حكومة المالكي لم تساعدكم في هذه الخطوة مع أن تهريب حوالي ألف من قادة التنظيم وعناصركم من سجن أبي غريب الذي لا يفلت منه فأر، وسهولة سقط الموصل تثير الشكوك ـ لكننا سنفترض حسن النوايا. من المؤكد أن سقوط هذه المحافظات بأيديكم أملت عليكم واجبات ومن اهمها رفع الحيف والظلم الحكومي على أهلها، وإزالة حواجز الفصل الطائفي وسياسة التهميش جزاء إحتضانها لكم. لكن الذي حصل على العكس من ذلك تماما! فقد أعدمتم الآلاف من أهل السنة في الموصل والأنبار وصلاح الدين وديالى بذريعة التخابر مع الحكومة أو عدم التعاون معكم، وتركتم أهل السنة لقمة سائغة بيد الميليشيات الشيعية في المحافظات التي إنهزمتم فيها أو إنسحبتم تكتيكيا منها، وجعلتم محافظات أهل السنة أهدافا لقصف الحكومة والحلفاء والميليشيات الشيعية. هذه محافظات الأنبار وصلاح الدين تبين أن 90% منها تعرضت الى التدمير بفعلكم من جهة وبفعل الحكومة والحلفاء والميليشيات الشيعية من جهة أخرى وتعذر على الحكومة إعادة إعمارها كما إدعت قبل تحريرها منكم.
ما هي الخدمة التي قدمها التنظيم لأهل السنة ومحافظاتهم غير القتل والدمار الكلي؟ ما الفرق بينكم وبين الحكومة وميليشياتها من ناحية القتل والتدمير للمحافظات ذات الأغلبية السنية؟ لماذا لم تكن المحافظات ذات الأغلبية الشيعة مسرحا لفعاليتكم الحربية سيما ان توسعكم عام 2014 جعل بغداد وكربلاء والنجف لقم قريبة من أفواهكم يمكن مضغها بسهوله، لكنكم تركتموها وتوجهتم الى الموصل وكركوك البعيدة وفتحتم جبهة جديدة مع الأكراد كنتم في غنى عنها؟
لا أحد يجهل بأن الدين لله والوطن للجميع، والعراق وسوريا فيهما تنوع أثني وعرقي وطائفي، لكنهم لما قبل الغزو عام 2003 كانوا جميعا يعيشون بسلام وتآخي، لم تكونوا أنتم السبب في سياسة التمييز الديني والطائفي في البلدين وإنما حكومات الإحتلال المتتالية في العراق، وسياسة بشار الأسد في سوريا، وهذه كلمة حق لا جدال فيها، فأنتم ردة فعل طبيعية لسياسية الفصل الديني والتمييز الطائفي والعشائري كما يُفترض. المثير في الأمر أن أية حركة أو تنظيم حديد يحاول جهد إمكانه إستقطاب الشعب بكل شرائحه الى جانبه بإعتبار الشعب يمثل الخزين البشري والمادي لقوته ومصيره، إلا أنتم!
كان من المتوقع أن تستقطبوا جميع شرائح الشعب العراقي الى صفكم من خلال إزالة الحواجز الدينية والعنصرية والمذهبية التي جاء بها الإحتلال وأقزامه من العراقيين، هكذا يقول المنطقّ! لكنكم عملتم على العكس من ذلك جعلتم جميع شرائح الشعب عرضة لشظاياكم المؤذية من عرب وأكراد وأقليات أخرى. وما أصاب الأيزيدية من ضرر لا تقره الديانات السماوية والوضعية مطلقا، فبأي حق تنصبون انفسكم وكلاء لله تعالى على الناس، فتكفرون من شئتم وتستبيحون أعراضهم وأموالهم كالفكر الصفوي تماما الذي يستبيح أعراض وأرواح وممتلكات النواصب؟ مع ان النبي (ص) كما جاء في سورة الكافرون/ 6 قال لمن لم يؤمن بدعوته ((لكم دينكم وليَ دينِ))، فبأي شرع يأخذ المواطن العراقي (من تنظيمكم) مواطنته العراقية (إمرأة أيزيديه) سبية؟ السبايا كما هو معروف من بلدان أخرى ولسنٌ مواطنات من نفس البلد لهن نفس الحقوق وعليهن نفس الواجبات. هل فعلكم هذا ينسجم مع الشرع الإسلامي؟ وهل كانت ردود فعل الرأي العام المحلي والعالمي بسبب أفعالكم مع الأيزيدية في صالح أم طالح التنظيم؟ نحتاج إلى إجابة وفق الشرع الإسلامي.
وهناك سؤال جانبي: إن كنتم تستبيحون أعراض وأرواح وممتلكات المواطنين الأيزيدية الذي دافعوا بضراوة عن وطنهم خلال الحرب العراقية الإيرانية وكانوا أنموذجا رائعا للبطولة والتضحية والإلتزام بالقوانين والأنظمة العسكرية، هل برأيكم هؤلاء أحق بالإستباحة من العراقيين الذي هربوا من الخدمة العسكرية وإلتحقوا الى الجانب الإيراني وحاربوا الجيش العراقي وقتلوا الكثير من عناصره؟
من غرائب القرن الحالي أنكم وحدتم كل الأعداء ليقفوا في الجبهة ضدكم! الولايات المتحدة ضد روسيا، وروسيا تدعم العراق وسوريا، وامريكا تدعم الحكومتين العراقية والسورية! إيران تعادي الولايات المتحدة وتقف مع روسيا، والولايات المتحدة تساند القوات العراقية والإيرانية (في العراق) جوا في العمليات الحربية ضدكم! السعودية حليفة للولايات المتحدة وتركيا ولكنها تشترك مع القوات الحليفة في الحرب ضدكم، بمعنى انها تقف مع الروس والإيرانيين في جبهة واحدة. الولايات المتحدة تعتبر حزب الله عدوا ومصنف على قائمة الإرهاب، لكنها تدعمه في العراق وسوريا في الحرب ضدكم. تركيا تعادي إيران وهي تقف ضد بشار الأسد، وإيران تساند بشار الأسد أي قواتهما تتقاتلان، لكن في العراق تركيا وإيران يقاتلان تنظيمكم في جبهة واحدة. أنتم تقومون بعمليات ضد تركيا ولا تقوموا بعمليات ضد إيران! شوهتم خارطة الصداقات والعدوات وأصبح من الصعب فك رموزها وتشابكاتها بسببكم! من أنتم؟ ومع من؟ وضد من؟
تقوم الميليشيات الشيعية بتغيير ديمغرافي في المحافظات ذات الغالبية من أهل السنة وقد جرى الأمر جهارا في جرف الصخر وديالى وصلاح الدين والأنبار وتم تهجير العوائل من أهل السنة على أطراف بغداد. وتحت حجة الزوار الإيرانيين الى كربلاء دخل مئات الآلاف من الزوار الإيرانيين والأفغان العراق بدون جوزاات سفر أو اوراق تثبت الهوية، والبعض منهم لم يعد الى إيران بعد إنتهاء الزيارة بل إستوطن المناطق التي هُجِر منها أهل السنة، وبسبب هزائمكم وإنسحاباتكم جرى تهجير الملايين من أهل السنة من ديالى وكركوك وصلاح الدين والأنبار ومن المتوقع أن يبلغ عدد النازحين من الموصل حوالي مليونين! الغريب في الأمر إنكم تهجرون أهل السنة من جهة والميليشيات الشعية تهجر من جهة ثانية! هل وحدة الهدف في إجراء التغيير الديمغرافي يُعد صدفة؟
في الآونة الأخيرة تلاحقت خسائركم البشرية والمادية ومساحة الأرض التي إستوليتم عليها سابقا، كانت خسائركم في العراق كبيرة جدا، وفي سوريا بدرجة أقل، وهذا يعني أن الضعف بدأ يتخلل في مسامات التنظيم، وأخذت الناس تنفر منكم، سيما بعد أن وحدتم كراهية العالم كله لكم في حالة فريدة من نوعها في التأريخ لأنه لا يمكن أن يُكتب النجاح لأية حركة نتاصب العالم كله العداء. المهم أنكم كما يبدو أ لم تفكروا في مصير الناس الذين تعاطفوا مع تنظيمكم سواء عن قناعة، او تملقا أو خوفا، او للحصول على الإمتيازات، وهذا يعني ان هزيمتكم أو إنسحابكم من أية محافظة سيؤدي الى نشوب معارك سنية ـ سنية بين أبناء المحافظة الواحدة، بين المتعاطفين معكم، الذين تركتموهم لقمة سائغة في فم الحكومة والميليشيات التابعة لها، وبين من يعادونكم، علاوة على تحرك المخبرين السريين للوشاية وخلق العدوات بين الناس، وسيذهب الكثير من الناس الأبرياء ضحايا بسبب الوشايات الكيدية، وربما تُكرر نفس تجربة محافظة صلاح الدين عندما هجر ما يسمى مجلس المحافظة ـ خلافا للدستور ـ عشرات اللآلاف من العوائل بتهمة التعاطف معكم. هل هذا جزاء من تعاطف معكم؟ وهل خدمتم فعلا أهل السنة أم تركتموهم يقاتلون بعضهم البعض؟
هناك الكثير من الأسئلة ولكننا سنكتفِ بهذا القدر.. نسأل المولى تعالى الهداية للجميع.
وسوم: العدد 687