الطريق إلى زيمبابوي !
روبرت موجابي رئيس زيمبابوي (1924 - .. )؛ من أقدم حكام إفريقية المستبدين (مستمر منذ 36 سنة ) إن لم يكن أقدمهم على الإطلاق . حصل على ثماني شهادات جامعية تتنوع بين البكالوريوس والماجستير والدكتوراه،في أهم التخصصات ، وإن كان قد أحب دراسة التربية، والاقتصاد، وقد حصل على بعض هذه الشهادات من جامعات لندن العريقة وجنوب إفريقيا.
لا تسعفني الذاكرة الآن في المقارنة بين الحكام الأفارقة المزمنين ، وإن كانت الأغلبية الساحقة منهم تعد الحكم حقا إلهيا مقدسا ، والمحكومين عبيدا لا حق لهم في رفع الصوت أو مجرد الكلام . وقد خاطب موجابي المتظاهرين في بلاده في أغسطس 2016 إنه لن يكون هناك ربيع عربي في زيمبابوي !.
مشكلة زيمبابوي أن الرجل حكمها بعد استقلالها عن المحتل الإنجليزي عام 1980، فحوّلها إلى ملكية خاصة؛ يطبخ انتخابات مزورة ، ويقمع المعارضة ، ويعتقل من يشاء ، ويفعل ما يشاء دون مراجعة أو نقاش . حتى وصل سعر الدولار الزيمبابوي إلى مستوى غير مسبوق ، بحيث أصبح الدولار الأميركي عام 2015يساوي 35 مليون مليار دولار زيمبابوي ، ولا أعرف إلى أين وصل الآن .والناس هناك لا يعدون العملة بالورقة ،ولكنهم يستخدمون الوزن الدال على القيمة . الكيلو من أوراق النقد يساوي نصف دولار أميركي مثلا . لذا يحملون حقائب ضخمة وهم ذاهبون إلى السوق لتسديد مستحقات البائعين في المحلات وثمن الخبز والخضراوات والفاكهة واللحوم والأسماك ..
يبدو أن الجنية المصري يقتفي أثر الدولار الزيمبابوي ويسير على طريقه ، والذين يتحسرون على ما وصل إليه الجنيه اليوم أمام الدولار الأميركي سوف يبكون هذا اليوم بكاء مرا بعد فترة ليست قصيرة . فالمشابهات بين زيمبابوي ومصر صارت متقاربة وخاصة في المجالين السياسي والاقتصادي .
زيمبابوي لا تملك النعم التي حبا الله بها مصر ، ولكن مصر تشاركها الفساد المزمن والاستبداد الفاجر والفشل الإداري المخجل في كل المجالات باستثناء عزف السلام الوطني الذي كان فضيحة في احتفالات برلمان الدم بشرم الشيخ !.
الفارق بين زيمبابوي التي كانت تحت حكم البيض الغزاة باسم روديسيا الجنوبية ، وبين جنوب إفريقية التي كان يحكمها البيض الغزاة أيضا ؛ أنالأولى حكمها الاستبداد والفساد فانهارت اقتصاديا ، وصار الورق الأبيض أغلى من ثمن عملتها . أما الأخيرة فقد دخلت النادي الذري ، وأصبح اقتصادها من أقوى اقتصادات القارة الإفريقية إن لم يكن من أقواها على مستوى العالم ، لأنها اختارت الحرية والعدل والشورى وتبادل السلطة بناء على رغبة الشعب .
حال مصر يشبه الحال في زيمبابوي ، فالجنيه المصري عند كتابة هذه السطور كسر حاجز 15 جنيها مقابل الدولار الأميركي، والسادة السياسيون المعارضون للحكم الديمقراطي في عهد الرئيس المختطف قسريا محمد مرسي –فك الله أسره –وكانتحنجرتهم عالية للغاية ، لم ينطقوا بكلمة واحدة حين تضاعفت قيمة الدولار في عهد الانقلاب السعيد . لقد ملأوا الدنيا ضجيجا وعجيجا في زمن الديمقراطية بقيادة مرسي ، واستدعوا العسكر للإنقاذ وكان الدولار وقتها يساوى ستة جنيهات أو أقل . التدهور الاقتصادي لزيمبابوي سببه سياسي ، وكذلك الوضع في مصر ،حيث اختفى التخطيط ، وانزاح العلم ، وتعملق الارتجال ، وماتت السياسة ، وازدهر القمع ، وتكاثفت قطع الليل المظلم على البلاد والعباد ، ولم تعد المصلحة العامة شاغل الانقلابيين ، وإنما صارت المصالح الشخصية هي غاية المراد ..
قيادة الدول لا تقوم بالاستبداد والقهر والارتجال ، والتعامل مع الدول الأخرى لا يقوم على العواطف ، وإنما المصالح أسه وأساسه ، وبدلا من التفكير في الخطوات القادمة وحساب المكاسب والخسائر القومية ، أضحت العلاقات الشخصية هي التفكير والتخطيط إن صح التعبير .. ثم تعليل الخيبة والفشل بالمؤامرات وقوى الشر ؟! مثلا انحاز الانقلاب في موقف بالغ السوء وعدم إدراك العواقب إلى السفاح بشار الأسد الذي قتل أكثر من نصف مليون إنسان من شعبه وشرد أكثر من نصفه في مجاهل الأرض ومنافيها ، ومازال يقتل يوميا من أبرياء شعبه المئات .صوّت الانقلاب في مجلس الأمن مع قرارين متناقضين حول الشعب السوري في أقل من يوم واحد ، وترتب على ذلك غضب الكفيل الخليجي للانقلاب الذي منع تدفق الوقود إلى مصر واشتعلت حملات الردح المتبادل والمعايرة والمنّ المغموس بالأذى ،وقال الأشاوس والنشامي عندنا وهم يمدون أيديهم للتسول : لن تعاقب مصر ، ولن تركع مصر ( وكأنها واقفة ؟) ، واشتعلت سوق الإعلام الفاجر بالحديث عن البدائل ، وهي تشبه بدائل المستجير من النار بالرمضاء (تقارب مع إيران –مناورات مع روسيا –مقاطعة العمرة والحج –وقف تسليم تيران وصنافير– استخدام سلاح الردح بكل أجياله ... ) .واستخدم الكفيل الخليجي أسلحته المضادة ( وقف الرز – قطع إمدادات البترول – منع الاستثمارات –التقارب مع تركيا –ترحيل العمالة المصرية –منع اعتماد رحلات الطيران المصرية- سلاح الردح بكل أجياله ...).
وللأسف نسي الكفيل الخليجي أنه موّل وشجع قتل المصريين في الميادين والشوارع والبيوت والسجون ، وخرج بعض أبواقه ليتنصل من الجريمة ويزعم أن المساعدات كانت للشعب المصري وليست للانقلاب .. ونسألهم : أين ذهب الرز ؟ لاتكذبوا! ثم يأتي الفشل الذريع في أزمة السلع وخاصة السكر تحت قيادة جنرال التموين . كان السكر موجودا في عهد الوزير المقال ، وتزعم أبواق الانقلاب أن الأزمة من صناعة الإخوان القابعين وراء الأسوار؟ بئس ما تصنعون ! .
ويأتي رئيس إحدى الجامعات ليصنع فتنة – كما قال وزير التعليم العالي – بما يسميه إلغاء الديانة في أوراق الجامعة المتداولة .
لانعرف ماذا يقصد ولا الهدف من قراره الطائفي الذي يصب في خانة محاربة الإسلام ومسايرة من أهانوا الشعب المصري وسلبوه إرادته الحرة ، وحوّلوا المسلمين في مصر إلى جالية ، وجعلوا البيادة فوق الجميع! أليس هو من أقر بأن دستور 2012أفضل دستور ولكنه يريد العكننة عليهم! والسؤال هو : هل هذه الممارسات والسلوكيات تعزّز الاقتصاد الوطني ، وتُوقف تدهور قيمة الجنيه المسكين ، وتمنع انحداره إلى مصير الدولار الزيمبابوي ؟ لو أن روبرت موجابي اتبع طريقة جيرانه في جنوب إفريقية واعتمد العدل والشفافية والديمقراطية؛ هل كان شعب زيمبابوي يحمل العملة على سيارات الكارو أو الحقائب الضخمة ليسدد أثمان المشتريات؟الاقتصاد لا يُبْنى بالفكة ولا صبّح على مصر بجنيه ولا المشروعات الفنكوشية ولا التسول من صندوق النقد أو غيره . الطريق إلى زيمبابوي رحلة بشعة مخيفة !.
الله مولانا . اللهم فرج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !.
وسوم: العدد 691