التنقل بين الحسم والمصالحة على "الريموت كنترول"!
في تطور سريع بلا مقدمات شعبية، أطلّ الفرقاء "الوطنيون" من الدوحة، في مشهد متجدد مملول، دون أن يهتموا بأية تعبئة سياسية للمؤيدين على الطرفين المتصارعين تجهيزا لهضم تلك الإطلالة، وكأنهم لا يحسبون حسابا للأتباع، ونشرت وكالات الأنباء خبرا بعنوان: "حماس: قدمنا رؤية متكاملة لتحقيق المصالحة"، حسب بيان نشرته الحركة بعدما التقى ظهر الخميس رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ونائبه إسماعيل هنية، برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في قطر، وأعربت فيه عن شكرها وتقديرها للدور القطري في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتضمن البيان الدعوة إلى "التوافق على برنامج سياسي ونضالي في مواجهة الاحتلال والاستيطان..."
لا شك أن لملمة الجراح وتأكيد الأخوة بين أهل فلسطين –بل مع سائر الأمة الإسلامية- هو أمر عقدي وواجب شرعي، وهو أمر متحقق قبل هذه اللقاءات السياسية وبعدها، وكل مسلم مخلص يدرك قيمة الأخوة العقدية في قول الله تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ".
ولكن السؤال المطروح هو هل تتحقق تلك الأخوة عبر تلك اللقاءات الفصائلية المتعاقبة منذ ما يقرب من عقد من الزمان؟ وبعدما أريقت دماء أهل غزة وتعرض أهل الضفة للقمع والتنكيل اللسطوي بدعوى الحسم العسكري أو مواجهة الانقلاب، وتحت دعوى الاختلاف على مشروع التحرر والتناقض الجوهري ما بين برنامج فصائلي مقاوم وآخر مساوم! وهنا يتجدد التساؤل: من المسؤول عن تلك الدماء طالما أن نتيجة إراقتها هو العودة إلى التوافق والتوفيق بين تلك البرامج السياسية "المتناقضة"؟
إن الشحن الدموي والأمني الذي استمر طيلة ذلك العقد الزمني المقيت لا يمكن أن يزول بلقاء سياسي ولا عبر توافق فصائلي-مصلحي ترعاه الأنظمة المستبدة والمتخاذلة عن مسؤوليتها تجاه فلسطين وقضيتها، بل يحتاج إلى عودة شرعية إلى ثوابت الأمة وإلى التزام أحكامها الشرعية، وإلى توبة سياسية صادقة عن مسيرة التضليل السياسي وإراقة الدماء لأجل المصالح السياسية، لا إلى ما يدّعيه قادة الفصائل الفلسطينية من "التوافق السياسي" تحت عنوان المصالحة، بينما صارت تلك المصالحة تعني باختصار إنعاش مشروع السلطة المتهالكة، وضخ الدماء في جثة المنظمة النتنة التي أسستها الأنظمة العربية من أجل دور المفاوضات حصريا.
إن جذور المصالحة تعود إلى "الورقة المصرية" التي ابتدعها نظام مبارك البائد–عرّاب المصالح الأمريكية- عام 2009، من أجل غاية رئيسية وهي تجهيز الأجواء الفصائلية ودافعها نحو مسار المفاوضات، وهي التي حددت ترتيبات إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، وتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، إضافة إلى تشكيل قوة أمنية بإشراف مصري وعربي لإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية. وكل تلك الخطوات هي سير على مشروع حل الدولتين الأمريكي، تحت دعوى "المصالحة".
ولذلك قلنا من قبل أن "الورقة المصرية للمصالحة خطوة جديدة على طريق أمركة وتصفية قضية فلسطين"، وأنها توطئة للخطة الأميركية التي تقتضي بإفراز طبقة سياسية للقيام بمهمة التنازل، عبر جمع موقف الفصائل تحت كيان المنظمة، والحفاظ عليها إطارا ومرجعية سياسية.
إن عدوان الاحتلال اليهودي المجرم لا يمكن أن تواجهه فصائل متناحرة احتكرت حق الحديث في قضية أمة مليارية، بل باركت تخلّي جيوش الأمة عن واجبها في مشروع التحرير، ولذلك فإن "مواجهة الاحتلال" تعني في ثقافة المسلمين شيئا واحدا محددا وهو جهاد الجيوش لخلع هذا الاحتلال العسكري من جذوره والقضاء على كل شروره، وأي دعوة لما يدعونه من "مقاومة" شعبية وسلمية، هي تضليل يطيل عمر الاحتلال ويضخ الدماء في جثة الحراك السياسي نحو "حل الدولتين".
ويبقى السؤال الأهم: هل يبقى أتباع القادة جاهزين دائما للتحرك بين النقيضين من دعوى "الحسم" ودعوى المصالحة على "الريموت كنترول" حسب تعليمات القادة؟ أم تستيقظ فيهم الأفكار وتحركهم الثوابت بأن السلطة تحت الاحتلال هي مشروع في خدمة الاحتلال كما عبر الشهيد -بإذن الله- عبد العزيز الرنتيسي! وأن التوافق على تلك السلطة وعلى اقتسامها ومحاصصتها هو انحراف عن مسيرة التحرر!
وسوم: العدد 692