من الذي لم يبصق في وجه الشعب المصري؟
في العامين الأخيرين لم يبق أحد لم يبصق في تاريخ الشعب المصري ووجوده بأقذع الألفاظ،علنا جهارا نهارا. في الشاشات والمجالس الرسمية وصدر الصحف. الشعب الذي نشأنا على أنه" القائد والمعلم"،وأنه حينما يريد: " فلابد أن يستجيب القدر"، الشعب الذي تغنى به محمود حسن اسماعيل:" أنا الشعب ناري تبيد الطغاة"، هذا الشعب بكل تاريخه وانتصاراته وحكمته أمسى موضوعا للتحقير والازدراء والتهكم الوضيع من كل الذين لم يستثن مظفر النواب أحدا منهم. وتصل الجرأة بواحدة حد أن تكتب: " من أين أتى الشعب الحالى الذى همه على بطنه ده؟"، هو الشعب الذي يعيش أكثر من ثلثه – وفقا لاحصائيات رسمية- تحت خط الفقر يعارك يوما بيوم لانتزاع لقمة خبز بقليل من الملح. لكن الأستاذة التي تحقر الشعب وتصفه كأنه حيوان نهم ليست وحدها من يوجه الاهانة، فهناك رجال الأعمال ونواب البرلمان والوزراء والمفكرين والعلماء والاعلاميين، حتى لم يبق أحد لم يبصق في تاريخ ووجود الشعب الذي يشبه بحرا يحوم على سطحه الذباب. وفي مارس 2015 ترد الفكرة ذاتها على لسان د. أحمد عكاشة خلال افتتاح مؤتمر لجمعية الطب النفسي قائلا:" الشعب المصرى شعب مدلع.. مش عايزين يشتغلوا"! وفي مايو 2015 يكرر تامر أمين الفكرة في برنامجه"من الآخر" بروتانا:"أصل احنا شعب متدلع"! ثم يدلي الوزراء بدلوهم في وصف الشعب الغارق في كدحه بالدلع، فتقول غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي في 19 يوليو إن المرأة التي تشكو من ارتفاع الأسعار" متدلعة" وهذا في اجتماع رسمي بحضور وزير المالية عمرو الجارحي. ويحل الدور على المفكرين فيقول مكرم محمد أحمد في سبتمبر هذا العام إنه من الممكن " تدليع الشعب.. لما يستحق الدلع"! كأن الشعب قطة سيامي أو كلب لولو! وتنتقل فكرة إهانة الشعب إلي رجال الأعمال، فيقول هاني توفيق في مؤتمرمصر طريق المستقبل إن:"الشعب متدلع ومدلل جداوهذا من أسباب رفع سعرالكهرباء". ويؤكد الفكرة أيمن اسماعيل رئيس شركة دار العقارية بقوله :" أنا ماشفتش شعب متدلع زينا"! ثم ينضم إلي الجوقة صوت آخر كريه حين تصرح جيهان السادات في لقاء مع عمرو أديب في 7 أكتوبر الحالي بقولها: " نفسي المصريين يستحملوا شوية ويآكلوها ولو حتى بجبنة"! كأن المصريين لا يأكلون إلا أطايب اللحوم يوميا حتى أصابتهم البدانة! ويأتي عاطف مخاليف عضو مجلس النواب ليقول في أكتوبر الحالي على قناة دريم إن المواطن " يستطيع أن يكلف وجبة إفطاره جنيها واحدا"! ومن قبل سمعنا من أحد الكتاب عن دعوة لإبادة أطفال الشوارع على الطريقة البرازيلية!. هكذا ينتقلون من اهانة وتحقير الشعب إلي تشريع تجويعه وصولا إلي الدعوة لإبادته. كل أولئك الذين لم يستثن مظفر النواب أحدا منهم، يلبسون من عري الشعب، ويأكلون من جوعه، ويغتنون من فقره، ويسكنون ما يبنيه، وما إن تلوح فرصة حتى يبصقوا في وجهه وفي تاريخه وحضارته ويتهمونه وهو الكادح الأبدي بأنه مدلل. لكن السفن العظيمة سرعان ما تنهض من الرمال التي انغرزت فيها، وتفرد أشرعتها ، ويغسل الموج سطح الحياة، فيطير الهاموش بعيدا ويبقى الشعب المصري، مبدع التاريخ والثقافة والعلوم والتطور والشعر والحب والثورة والصبر والحكمة والحنان والعطاء وكل ما هو جميل في الدنيا.
وسوم: العدد 693