مابعد اوباما والعهد الترامبي
تتباين الاراء والتحليلات السياسية والاعلامية وكذلك تحليلات المهتمين بالشأن الامريكي بوجه خاص وبالشأن العالمي بوجه عام حول التداعيات والمعطيات الترافقية والتلازمية قبل واثناء وعقب دخول اي رئيس امريكي الى مبنى البيت الابيض بواشنطن، ولابشك لاتخرج تلك الاراء عن التكهنات بخصوص السياسة الامريكية الجديدة تجاه العالم ومنطقة الشرق الاوسط بالذات لاسيما ان الان منقطة بركانية فيها حرب شرسة في اغلب القطاعات والدول والمناطق، وتبدأ الاسئلة تطرح نفسها بنفسها من يدير الحرب ومن يمكنه انهاء الحرب..؟ وتتوجه الانظار الى مرشحي الاحزاب الرئيسة في الانتخابات الامريكية كل مرة، من ديمقراطيين وجمهوريين، فعلى الرغم من وجود احزاب سياسة اخرى تخوض سباق الانتخابات الرئاسية وسباق الانتخابات التشريعية في مجلس الشيوخ والنواب الا انه هناك دئما حزبان متنافسان وهما الحزب الديموقراطي والجمهوري اللذان يقتسمان السلطتين التنفيذية والتشريعية منذ فترة طويلة.
وقد جرت العادة في الانتخابات الامريكية ان يظهر المرشحان بصورة هوليودية سواء في الدعايات الانتخابية او في المناظرات بين الشخصين، وكما هو معهود ايضاً ان الرؤيات تتضارب والصراع يحتدم في كل يوم والكل يبحث عن ما يمكنه ان يوقع يؤخر الاخر ان لم يوقعه، لذا ليس بغريب ان نجد هذا الاهتمام العالمي بالانتخابات الامريكية ليس لكونها تظهر لنا سيئات وايجابيات المرشحين انما لانها تظهر ايضا الوجه الحقيقي للعالم الامريكي الهوليودي فيما يتعلق بالدعاية الانتخابية وكأنها تمهد لنفسها وللعالم بان من يستلم سدة الحكم سيكون الامر والناهي ليس على امريكا فحسب انما على العالم كله.
منذ نعومة اظافرنا ونحن نسمع ونقرأ عن الجدل السياسي والمصالح السياسية التي لاتعرف عدواً دائماً ولا العكس، وبالتالي فانه دائما تتجه السياسة نحو السراديب المظلمة التي تحقق فيها رغباتها وحاجاتها واهدافها دون التوقف عند اي حاجز خارجي.. اي حاجز كان بشريا اقتصاديا عسكريا.. وبالتالي فان الوصلة الهوليودية ليست الا واجهة لتلك السياسة التي لم يكن اوباما ان يغير من ملامحها ووقائعها واحداثها شيئاً، وليس لمتسلم العهد والحاكم الجديد ترامب المشيخي "الذي فاز بالانتخابات الرئاسية اليوم 9-11-2016" ان يغير من ملامحها شيئا، فالرؤية السياسية يتم وضعها وفق آليات معقدة، لايمكن للواجهة السياسية الا ان تكون ناطقة باسمها ومنفذة لاهدافها في المحافل الرسمية الداخلية والخارجية معاً.
على هذا الاساس يمكن النظر الى الاحفتاء الامريكي بالانتخابات كتجربة ديمقراطية غير مسبوقة في العالم الحالي، على انها تجربة ذات مضامين متشابكة تبهر في ظاهرها، وفي الخفاء تسير وفق تلك المنظومية الديناميكية التي وضعها خبراء وساسة واختصاصيون متحكمون بالممرات السرية المؤدية الى السيطرة على العالم، ومتمرسون في التحكم بمعطيات الاحداث التي يفتعلوها ويختلقوها عند كل عائق او عند الحاجة الى اجراء بعض التعديلات والتغيرات على الملفات التي بين ايديهم، بغض النظر عن اية مسائل اخرى سواء التي تتعلق بالشعارات المعلنة من خلال اقناع الجمهور الداخلي الخارجي بان امريكا داعية للسلام العالمي وداعمة للحريات ومعادية للدكتاتوريات والى غير ذلك من الشعارات الهوليودية التي ترافق كل حملة انتخابية.
ان الديناميكية الامريكية هي حتى وان بدت للبعض واهية وسائرة نحو الذبول ضمن الرؤية الفلسفية القائلة بان الوصول الى القمة معناه البدء بالنزول تدريجياً، والسقوط في هاية العدمية، الا ان الرؤية الامريكية النابعة من تصميم سياسي مخطط له من قبل هياكل ومنظومات مختصة ومستشارين بارعين في اعمالهم وقوة اقتصادية لايمكن للمتغيرات الاقتصادية ان تؤثر عليها وقوة عسكرية مع ترسانة يمكنها ردع اي تهديد مباشر فضلا عن مستعمرات اقتصادية وسياسية في انحاء العالم مع عدم نسيان القوى المتحالفة معها وايضا في ارجاء المعمورة ، ان كل هذا يجعل من امريكا القبلة التي لايمكن التبرك باي عمل الا بعد تعميدها له، ولااعتقد بان الكل سيتفق معي في هذه المقولة بالاخص الذين يؤمنون بنظريات المؤامرة وتلك النظريات الدرامية التي تعتمد على ما فعله الاباء والاجداد باعتبارهم كانوا قوة فعالة وحاضرة ليس على المستويات المحلية فحسب انما العالمية ايضا، اعتقد بان هولاء سيعارضون رؤيتي وسيقولون عنها بانها استسلامية وانها خاضعة لمنظومة الاخر وانها تتبنى الانهزامية وعدم وجود شخصية قوية والى غير ذلك من الترميمات الشعاراتية التي يستخدمها هولاء في اخفاء مشاكلهم وفشلهم الدائم في المواجهات المباشرة مع هذه القوة العظمى.. وعلى الرغم من اقاويلهم وداعاءاتهم يبقى الامر واضحاً تماماً فليس من رئيس امريكي الا وقد سعى لتحقيق اكبر قدر مصلحوي لدولته، حتى وان بدا احيانا ان الشعب رافض لتلك السياسة او لتلك الرؤية التي تبنتها الدولة، ولكن الدولة هي تحصيل حاصل للرؤية السياسية الموضوعة قبل اي انتخاب وليس على الرئيس المنتخب الا استلام مفتاح العمل والبدء بتنفيذ تلك المخططات وتوجيه السياسة الامريكية اعلاميا وفق التدفقات المصلحوية الاتية جراء تنفيذ كل مرحلة من مراحل تلك المخططات.
لهذا اوباما حاول اعطاء تلك السياسة بعداً عالمياً جديداً من خلال تنفيذ بعض المخططات المتعلقة بالعلاقات الدولية مثلاً كالعودة الى كوبا، واعطاء ايران فرصة اخرى، والتعامل مع تركيا بوجه اخر، ومحاولة رسم ملامح جديدة سواء ديموغرافية او اثنية او قومية دينية مذهبية لمنطقة الشرق الاوسط، مع بعض التداعيات الجانبية كمحاولة لدعم هياكلها الدعائية الساعية لتحقيق اهدافها عبر اللوبي الاعلامي العالمي وذلك عبر رفع شعار الاطاحة بالحكام الدكتاتوريين الذين قد خرجوا عن دائرتها السياسية وبدوا وكأنهم سيشكلون عائقاً اعلامياً فقط، وليس كقوة يمكنها ان تهدد امريكا، فكان لابد من اثارة بعض الاحداث وخلق بعض الوقائع التي تتناسب ورؤيتها الحالية للعالم الجديد، والشرق الاوسط بكل الاحداث التي تمر بها الان خير دليل على ذلك، وهذا بالضبط ما نريد ان نعيده ونقوله للمتتبع للشأن الامريكي، فاوباما لربما خالف القاعدة التي سارت عليها الحكومات الامريكية في العقود الاخيرة والتي تمثلت دائما بان تقوم الحكومات الديمقراطية بتقوية الشأن الداخلي الامريكي مع عدم خوض حروب مباشرة ومواجهات يمكنها ان تضعف القوة الامريكية داخلياً وخارجياً، ولكن مع ذلك فقد قاما اوباما بالخروج عن النص فقاد حرباً ضد الدكتاتورية الليبية وضرب التيارات المتشددة في اليمن ولم يزل مترئساً للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة داعش في كل من العراق وسوريا، وبلاشك وحسب الرؤية التاريخية يعد هذا خروجا عن النص لان الحكام الجمهوريين غالبا ماكانوا يخوضون عن امريكا تلك الحروب التي تقوم على توسيع مصالحها ومستعمراتها بعد ان يحقق الديموقراطيون القوةالداخلية اللازمة لذلك التوسع، فثلاثة من اصل خمسة رؤساء امريكيين في العقود الثلاثة الاخيرة خاضوا حروباً كبيرة خارج امريكا من اجل تحقيق المزيد من المكاسب والمصالح والتوسع اللازم لتحقيق غايات اقتصادية وايجاد حلفاء اقوياء يخدمون مصالحها، فكل من " رونالد ريجان بفترتين رئاستين، وجورج بوش الاب بفترة رئاسية واحدة، ومن ثم جورج بوش الابن فترتين رئاسيتين" خاضوا تلك الحروب باسم امريكا، وبالتالي فان الانتخابات الحالية وصعود ترامب الى سدة الحكم ليس الا مخطط يمكنه ان يعجل من وتيرة الاحداث وانهائها قبل ان تخرج عن المسار او هو اخماد وقتي للمعمة الحالية لحين بروز بعض نتائج المخطط .
ولعل ما هو ثابت في قراءة التاريخ الامريكي ان كل رئيس يصل الى سدة الحكم في امريكا يحاول بشكل واخر ان يترك بصمة مؤثرة في سلسلة رؤساء امريكا سواء بمغامرة عسكرية او افتعال حرب خارجية يمكنه من خلاله ان يثبت للعالم بان امريكا هي باقية وستبقى القطب الذي لايمكن ان يحدث تغيير او فرض سلطة ونظام على مكان ما بدون ان تُعمدها وتباركها.
وسوم: العدد 694