«تيران» و«صنافير»… و«تيران» و«صنافير»!
بدا الأخ الأستاذ عبد الفتاح السيسي في حواره مع التلفزيون البرتغالي ضائعاً ضياعاً يغني عن أي حضور، وعلى نحو يدفع المرء للسؤال: «عدو ولا حبيب»؟ في وصف المذيع البرتغالي؟ الذي أجرى محاكمة ولم يدر حواراً، وإن كان لم يحاصر فريسته، وتركه يقول إجابات كانت تستحق الرد والتعقيب، لكن السيسي في النهاية كان ضيفاً على الدولة البرتغالية، ومثل هذه المقابلات هي من باب العلاقات العامة، والتلفزيون البرتغالي في الأخير ليس محطة الـ «سي أن أن»، ولا نقول «الجزيرة» خوفاً على مشاعر جماعة الانقلاب في القاهرة، الذين يتعاملون مع «الجزيرة» كما لو كانت هي من فرطت في السيادة الوطنية لمصر على «تيران» و«صنافير»!
في لغة الإشارة، فإن إشارة السب لمن يتعامل بهذه اللغة تكون بحك الأنف، ويقوم مقامها في التعامل مع الانقلابيين أن تذكر «تيران» و»صنافير» إذن: «تيران» و»صنافير» .. «تيران» و«صنافير».. «تيران» و«صنافير».. «تيران» و«صنافير»!
ما علينا، فسؤال «عدو ولا حبيب»؟ لوصف المذيع البرتغالي، لا بد أن يكون قد طرح نفسه على من شاهد المقابلة، التي أذاعها التلفزيون المصري، من باب إشاعة البلوى، وما كان للمشاهد المصري أن يصله نبأ المقابلة، التي تذاع عبر تلفزيون لا يعرف المصريون أين تقع الدولة، التي يبث منها على الخريطة، وإعادة بث الحوار تؤكد غياب العقل المفكر في دولة السيسي، فبدا مشهد السيسي أمام المشاهدين كما لو كانت المقابلة على قناة «مكملين»، وأن من يحاوره هو محمد ناصر، أو على قناة «الشرق» ومن يحاوره هو معتز مطر!
فهذه المقابلة لم يكن يجوز إعادة بثها للمشاهد المصري، لو كان هناك أحد حول السيسي، أو كان السيسي نفسه مدركاً لاهتزاز صورته، حيث كان يغيب عن الوعي بحثاً عن جملة، أو ليمسك بتلابيب كلمة تائهة في المجال الجوي، على نحو يذكرنا بمنى الشاذلي في مرحلة النشأة والتكوين. فلم أعد متابعاً لها الآن.
التمدد بالحرارة
لقاءات رؤساء الدول، لاسيما في دول العالم الثالث، مع وسائل الإعلام لا تحدث اعتباطاً، ولكن بترتيبات مسبقة، وإذا كانت في الخارج فإن سفارة الدولة هي التي تختار من يحاور الرئيس، ولا يترك الأمر لرغبة القنوات التلفزيونية أو الصحف. ومن يرسي عليه العطاء من الصحافيين تكون له علاقة متميزة بالدولة والسفارة المدعو لحوار رئيسها، لأنها في الأساس مقابلة علاقات عامة، يتمدد فيها سيادة الرئيس بالحرارة، ويصول ويجول، وقد تكون بمثابة إعلان مدفوع الأجر!
بدا لي للوهلة الأولى أن السفارة المصرية في الشقيقة الكبرى البرتغال، فوجئت بزيارة السيسي، فذهب السفير إلى أقرب قناة، واتفق مع أول مذيع قابله في وجهه لحوار رئيسه، وبدون إتباع القواعد المتبعة عربياً بالإطلاع على الأسئلة، وربما قطعت الزيارة على السفير في البرتغال ومن معه لحظة التأمل، وفي مصر فإن العاملين في السفارات يتعاملون على أن عملهم في هذا السلك مكافأة نظير دعاء الوالدين فلم يسافروا للعمل، وفي كثير من البلاد تحدث مشاكل للعاملين المصريين في الخارج دون أن يستشعر السفير أدنى مسؤولية تجاه هؤلاء الضحايا!
وربما ظن السفير المصري في البرتغال أنه ذهب بعيداً، وأنه قد يقضي مدته دون أن يعكر صفوه أحد، فلم يهتم بتكوين علاقات ومد جسور الصلة بإعلاميين وبقنوات تلفزيونية، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد زاره هازم اللذات ومفرق الجماعات والمقلق في زمن الراحة!
فلم يكن السفير يعلم أن مصر يرأسها شخص كلما شعر بالملل شد الرحال للخارج، دون أن يسأله أحد عن تكلفة هذه الزيارات المكوكية لابن بطوطة والمردود الاقتصادي لها، لا سيما وأن السيسي لا يفعل كما مبارك ومرسي من اصطحاب رجال الأعمال المصريين في هذه الزيارات، لأنه يتصرف على أنه وكيل أعمال الجيش وفقط، والبرتغال ليست في ظني في حاجة إلى ألبان الأطفال ليوردها لهم مشروع الخدمة الوطنية في القوات المسلحة!
في عهد الرئيس محمد مرسي هاج إعلام الغبراء وماج لأن الرئيس في صلاته للجمعة كل أسبوع يكلف ميزانية الدولة الملايين من الجنيهات، حراسة وخلافه، دون أن يجرؤ أحد منهم الآن على مجرد طرح السؤال عن تكلفة هذه الزيارات والموازنة بينها وبين ما تحققه للاقتصاد الوطني، لا سيما وأن السيسي نفسه اعترف بأن حجم التبادل التجاري لا يتناسب مع ما يجمع البلدين من علاقات سياسية متميزة. فماذا حقق في مجال التبادل التجاري بين البلدين من هذه الزيارة؟ المؤكد أنه لا شيء!
السمعة الضائعة
إن سؤالاً يطرح نفسه للرد على السؤال السابق «عدو ولا حبيب» وهل يمكن أن نتصور أن المذيع البرتغالي عدو؟ وماذا كان ينتظر منه باعتباره حبيباً؟!
فكل الأسئلة التي طرحها هي طبيعية، ولو قرأها السيسي مرة، ومرتين، وثلاثاً، وعشر، فهل كنا نتوقع إجابات مختلفة ليخرج من طور المتهم أمام وكيل النيابة الذي كان يقوم بدوره المذيع البرتغالي؟!
صحيح أن طرح أسئلة عن الطوارئ، والاستبداد، والاعتقالات، على جنرال متمرد، تؤكد ما قاله إبراهيم عيسى في برنامجه على قناة «القاهرة والناس»، من أن سمعتنا السياسية في الخارج ضائعة ( يقصد سمعتهم)، لكن كن في موقع المذيع البرتغالي فما هي الأسئلة العاطفية التي يمكن أن توجه للمذكور: أين ترعرع مثلاً؟ أم يسأله عن انجازاته الاقتصادية، ومشروع التفريعة العملاق؟ أم عن برنامجه الخلاق في حل أزمة الطاقة باللمبات الموفرة؟ أم عن الاختراع الذي توصل له الجيش بعلاج الإيدز بالكفتة؟!
كل الأسئلة التي يمكن أن تطرح ستؤدي الغرض نفسه وسيمثل طرحها محاكمة للمطروحة عليه، بما في ذلك سؤال: أين ترعرعت؟ الذي لو طرحه البرتغالي وأجاب السيسي: في حارة اليهود. ستنصب له حفلة هجاء في برامج «التوك شو» في مصر، وقد يجري اتهامه بأن عضو في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين!
لقد سأل المذيع البرتغالي عن حكم حبس نقيب الصحافيين في مصر؟ وكانت إجابة السيسي تنم عن عقلية معملية فذة، فقد وجد السؤال مناسبة ليقدح زناد رأيه وينخل مخزون فكره، باعتباره من الفلاسفة المؤسسين لعلوم الجيل الرابع، والتي قال المتحدث الإعلامي باسم الجيش إنها تعني كيف تجعل خصمك يستيقظ ميتاً!
السيسي قال إن نقيب الصحافيين لم يتم سجنه في قضية رأي، ولكنه مسجون جنائي. فقد أمكنا أن نعلم أن نقيبنا جرى سجنه في قضية نفقة. وأصيب المذيع البرتغالي من جراء هذه الإجابة بالحول الربيعي، بعد استيقاظه ميتاً، وأكمل المقابلة وهو في الوضع: ميتاً!
ثقافة السيسي سماعية في الأساس، فلا يبدو أنه قرأ مقالاً أو طالع كتابا، فهو في مستوى «البوست»، لأنه باعترافه يطالع مواقع التواصل الاجتماعي، وربما تعلم من مرشده الروحي محمد حسنين هيكل التلاعب بالألفاظ فأراد أن يفعل دون أن يمتلك القدرات المؤهلة لذلك، وهيكل كان أستاذا في هذا المجال، فقد خلع على قانون تأميم الصحافة في سنة 1960، قانون تنظيم الصحافة، لكن هناك تفاوتا في الإدراك بين السيسي وملقنه سابقاً!
جريمة النقيب
فأولاً الحكم الصادر بحبس نقيب الصحافيين وعضوي مجلس النقابة، هو حكم لمحكمة الجنح، وليس جنائياً، فالجناية هي الجرائم المعاقب عليها بعقوبات: الإعدام، والسجن المؤبد، والسجن المشدد.
ثم ما هي الجناية التي ارتكبها نقيب الصحافيين؟ أوى مطلوبين للعدالة؟!
لقد ذكر أحدهما عمرو بدر أنه عندما ذهب وزميله لنقابة الصحافيين للاعتصام فيها، كان هذا احتجاجاً على مداهمة قوات الأمن لمنزلهما، وقد ذهب أحدهما لقسم الشرطة ليعرف الأسباب، فقال ضباط القسم أنهم لا يعلمون، وهذا يقودنا لسؤال من هي هذه الجهة ومن يحكم مصر الآن؟!
الشاهد، أنه لو كان هناك قرار من النائب العام بالضبط والإحضار فقد كان سيبلغ به قسم الشرطة، ليتولى المهمة وهو ما لم يحدث والزميل داخل القسم، والمعنى أن القرار صدر بعد الاعتصام، وجاء مخالفاً لأحكام القانون من أكثر من زاوية وليعتبر السيسي هذا درسا له في القانون.. عله يستفيد!
أولاً: الصحافيان تهمتهما أنهما دعا من خلال النشر للتظاهر احتجاجاً على قرار السيسي بالتفريط في السياسة الوطنية لـ «تيران» و»صنافير»!
وقرار الضبط والإحضار يكون في القضايا التي ينص القانون فيها على الحبس الاحتياطي، وقد تم إلغاء عقوبة الحبس الاحتياطي تماما في قضايا النشر بنص القانون.
ثانيا: المادة 69 من قانون النقابة أوجبت على النيابة العامة إخطار مجلس نقابة الصحافيين بأي شكوى ضد أي صحافي تتصل بعمله، فهل حدث إبلاغ النقابة بإخطار الضبط والإحضار؟!
ثالثاً: إن الأزمة بين النقابة والسلطة الغاشمة التي يمثلها السيسي كانت باقتحام قوات مبنى النقابة للقبض على من قيل أنهما مطلوبان للعدالة، في سابقة هي الأولى من نوعها، وذلك رغم الحصانة القانونية المقررة بنص المادة (70) من قانون النقابة التي نصت بعدم جواز تفتيش مقار النقابة إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة وفي حضور نقيب الصحافيين وهو ما لم يحدث.
رابعاً: إن الصحافيين المطلوبين للعدالة الناجزة كل جريمتهما أنهما دافعا عن السيادة الوطنية التي فرط فيها السيسي بالتنازل عن «تيران» و»صنافير».. وهذا هو بيت القصيد.
صحافي من مصر
«تيران» و«صنافير»… و«تيران» و«صنافير»!
وسوم: العدد 696