عبقرية العرب الحربية !
مخطئ من يقول إن العرب ضعفاء لا يستطيعون شن الحروب ، أو يعجزون عن الإبداع في الخطط والمناورات ، واصطياد العدو وحصاره وتجويعه وأسره وتدمير بيوته ومنشآته ومؤسساته ومستشفياته ومدارسه ، إلى الحد الذي يمكن أن يتم فيه تقطيع جثة أحد الخصوم وشيّها ، وتناولها في ظل صرخات الفرح والابتهاج والنصر العظيم الهيستيرية التي تشبه صرخات الكاوبوي بعد انتصاره على الهنود الحمر!
لا ينزعجنّ أحد من هذا الكلام ، ولا يتصورنّ أني أمزح ، فالأشاوس والنشامى ، لديهم جيوش جرارة ، وأسلحة متنوعة المصادر من دول الصليب والبوذيين والهندوس وعبّاد النار والأصنام ، ويدفعون سنويا عشرات المليارات عدّا ونقدا ، ويذبحون يوميا العشرات بل المئات ، .. أليست هذه عبقرية ؟
يسألني سائل : وما ذا عن فلسطين والقدس والمسجد الأقصى ؟
فلسطين في الحفظ والصون وتتهوّد في هدوء ، ولا يقترب منها أحد ولو بصاروخ من تلك التي يلعب بها الأطفال . حتى ما تم احتلاله بعد 1967 لم تُطلق فيه رصاصة واحدة من أهل المقاومة والممانعة .. أليست القدس محفوظة والأقصى في أمان ولو منعوا منه الأذان ؟
هل أبدأ من الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب لأثبت صحة كلامي عن العبقرية العربية في الحروب والقتال ؟ بالطبع لن تستوعب المساحة ما أريد قوله ، لذا سأكتفي بالإشارة إلى الشرق وحده بوصفة حالة ساخنة جدا أكثر سخونة من غيرها ، فهناك الجيوش الجرارة للعراق العريق. الجيش الرسمي المزوّد بالخبراء الفرس والصليبيين الأميركان وغيرهم ، وجيوش الحشد المجوسي ( عفوا الحشد الشعبي ) المدعومة من الحكومة وإيران ، وتتألف من حوالي 67 فصيلاً، تشكلت استجابة لفتوى المرجعية الدينية في النجف الأشرف، ومنها: سرايا السلام/التيار الصدري - منظمة بدر - الجناح العسكري - كتائب حزب الله العراقي - عصائب أهل الحق - كتائب سيد الشهداء - حركة حزب الله النجباء - كتائب الإمام علي - كتائب جند الإمام - سرايا الخراساني - لواء أبو الفضل العباس - سرايا الجهاد- أنصار العقيدة - سرايا أنصار عاشوراء - كتائب التيار الرسالي - فرقة العباس القتالية - كتائب الشهيد الأول - كتائب الشهيد الصدر الأول - كتائب النخبة والغيث الحيدري - لواء علي الأكبر - لواء الشباب الرسالي - لواء أنصار المرجعية - لواء أسد الله الغالب - جيش المختار - كتائب أنصار الحجة - كتائب قمر بني هاشم أبو طالب - حزب الله - الثائرون - كتيبة عماد مغنية - لواء قاصم الجبارين...، ثم هناك البشمركة التي تعد جيش الأكراد الرئيسي ، ومعها منظمات كردية أخرى صغيرة.
وهناك في سورية جيش النظام البعثي النصيري المدعوم بالجيش الروسي الصليبي ، ومعه ميليشيا حكومية منها قوات الدفاع الوطني وقوات النمر وصقور الصحراء و مليشيات "البستان" .. بالإضافة إلى منظمات إيرانية وعراقية في مقدمتها : الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وحزب الله / لواء أبو الفضل العباس ولواء ذو الفقار وكتائب حزب الله العراق ، وكتائب سيد الشهداء ، وقوات الشهيد محمد باقر الصدر ، ولواء كفيل زينب ، وحركة حزب الله النجباء ولواء الإمام الحسين وفوج التدخل السريع ولواء الإمام الحسن المجتبى وجيش المهدي ولواء المؤمل.. بالإضافة إلى مجموعات شرق آسيوية من أفغانستان وباكستان وإندونيسيا.. أشهرها "فاطميون" الأفغانية.
هذه القوات المدججة بالسلاح والمدربة تدريبا عقديا يقوم على الفكرة الاستشهادية النابعة مما يعرف بمظلومية الحسين ؛ تقاتل بذريعة القضاء على ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ، ومكافحة من تسميهم الإرهابيين ( أي الشعبين العراقي والسوري المطالبين بالحرية والعدل وحق تقرير المصير واختيار الحكام ) .
تنهض الولايات المتحدة وروسيا بمهمة القيادة ، والضحك على الضحايا ( أهل العراق وسورية ) بالحديث عن الحلول السلمية والمفاوضات وتصنيف المدافعين عن أنفسهم بين متشددين ومعتدلين ، وحرمانهم من الأسلحة المؤثرة ، ومنع مجلس الأمن من اتخاذ قرار ملزم ، وإتاحة الفرصة للمقاتلين الشيعة للتطهير العرقي وتغيير المناطق ديموغرافيا ، تمهيدا لإعلان قيام دويلات بائسة ، تنفق ما تمتلكه من ثروات معدنية وطبيعية في الصراع الذي لانهاية له في المدى المنظور .
يبدو ( داعش ) أو تنظيم الدولة الإسلامية الغامض الذي يرفع العالم شعار القضاء عليه لغزا في عملية القتال الضارية التي تشن ضده ، فهو ما زال حيا ينبض بأفكاره ويجهر بممارساته ، ولم تقض عليه الجيوش الجرارة التي يقودها التحالف الصليبي والجيوش الرسمية والميليشيات الطائفية والعرقية ، ولكن أهل السنة أطفالا ونساء ورجالا بسطاء هم الذين يموتون بكثرة . يموتون في الشوارع والبيوت والميادين والمدارس والمستشفيات والأسواق . يموتون وهم يفرون من جحيم القصف الجوي والمدفعي والبرميلي والغازي . يموتون وهم يحملون ما استطاعوا حمله من متاع وزاد قليل ، وإن سلموا من القصف فهم يموتون بالحصار والجوع والبرد ..
لم يفكر أحد من هؤلاء المقاتلين العرب في التوجه نحو فلسطين أو القدس العتيقة ولو بطلقة واحدة . أدبياتهم وخطاباتهم تخلو من الحديث عن الوطن السليب ، والأغرب من ذلك أن بعض الفصائل الفلسطينية خارج فلسطين تنضم للحشد أو الحرس الثوري الإيراني لدعم نظام المقاومة والممانعة !
لماذا هم قساة غلاظ على شعوبهم ، رحماء كرماء مع أعدائهم الذين أذلوهم واحتلوا أرضهم وبلادهم ويعلنون صباح مساء أنهم يرفضون التفاوض معهم بشروط مسبقة ؟ إنها العبقرية العربية الحربية ولا فخر !!!!
حرب البسوس المعاصرة على امتداد الوطن العربي تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الجاهلية هي التي تحكم التفكير المجوسي القاتل والحاكم الطاغية السفاح ، وتؤكد على أن الأعراب يؤمنون بالإسلام رسما وشكلا ، ولكن الإيمان لم يدخل في قلوبهم . " قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"(الحجرات :14). هل يمكن أن يفسر لنا أحد ما قاله أحد قادة الميليشيات المجوسية عن الانتقام من ورثة يزيد بن معاوية ؟ هل عرف هذا السفاح معنى أنه لا تزر وازرة وزر أخرى ؟ وأن كل إنسان مسئول عن نفسه وعمله ؟أليست الجاهلية الأولى أكثر شرفا منهم لأنها كانت تمنع من اغتصاب النساء وقتل الضعفاء والأطفال ؟ ونحن نسأل هؤلاء الجاهليين القتلة : متى يتقدم محمد – صلى الله عليه وسلم – على الحسين ؟ ومتى يقولون : لبيك يا فلسطين قبل أن يهتفوا لبيك يا زينب ؟ ومتى يفهم الانقلابيون أن الاسلام محفوظ بقدر الله ولو كره المجرمون؟
الله مولانا . اللهم فرج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم .
وسوم: العدد 697