على هامش الفيتو الروسيّ السادس في الملف السوريّ
بإجهاضها مع الصين مشروع قانون في مجلس الأمن يوم الاثنين: 5/ 12/ 2016، يطالب بالهدنة لسبعة أيام في حلب، تكون روسيا قد راكمت رصيدها في الإفلاس الأخلاقي.
صحيحٌ أنّ تحالف ( روسيا ـ الأسد ـ إيران ) قد أحرز تقدّمًا ميدانيًّا في الآونة الأخيرة، جعله يُعلي سقف مطالبه، و يذهب بعيدًا في فرض الحلّ الذي يراه؛ إلاَّ أنّ ثَمَّة أمورًا تجعل خطواته بعيدة عن فتحة النفق، منها:
1ـ أنَّ القضية السورية قد تطورت لتصبح قضية صراع دوليّ، انخرطت فيه إيران وروسيا إلى جانب النظام، و قوات التحالف الدولي ضد داعش، و تركيا و السعودية و قطر إلى جانب فصائل الثورة، و ليس واردًا أن يترك الخيار فيها لحلفاء النظام وحدهم.
2ـ أنَّ طعم النصر على حلب قد يبدو لذيذًا، و لكنّه سرعان ما سيتحوّل إلى علقم يساهم في استطالت المأساة؛ فليس لدى السوريين ما يتحسّرون عليه في قابل الأيام، و ما حصل لهم سيجعلهم أكثر توحدًا و تنظيمًا، و أشدّ شراسة في الانتقام؛ و لكن الخسارة الفادحة ستكون من نصيب مَنْ منّى نفسه بهذا الـنصر على جزء من سورية.
3ـ أنَّه لو كان الخيار العسكري هو الحل، لما امتدّ الدم و الدمار في سورية كل هذه السنوات، و لما استقدم النظام كل هذا الزخم العسكري الإيراني و الروسي و ارتهن لهما، و إنّه بعد الذي أوقعه على حلب ( قتلاً، و تدميرًا، و تعفيشًا ) سيفقد أوراقه، و سيزيد الضغط على داعميه.
4ـ أنَّ قدرة النظام على الحكم قد تلاشت إلى الحضيض؛ فالحكم يحتاج إلى اقتصاد ( و البلد لم يَعُد فيه منفذُ إنتاج )، و يحتاج إلى بشر ( و أهل سورية قد تشردوا )، و يحتاج إلى نسيج اجتماعي متماسك ( و نسيج سورية الاجتماعي قد تهتّك و تمزّق )، و يحتاج إلى سيادة ( و سيادة سورية قد أضحت في خبر كان ).
5ـ أنَّ الروس باتوا يدركون أنَّ الإيرانيين في سورية، في السياسة أسوأ منهم في المعارك، فهم لا يستطيعون أن يتقدموا شبرًا واحد في الحل السياسي، لأنّ السوريين: معارضةً، و شعبًا لا يثقون بهم إطلاقًا، على الرغم من أنهم هم المفاوضون في أكثر من مناسبة مكان النظام.
6ـ أنَّ الروس باتوا يدركون تمامًا أنّ السوريين سيقاومون تدخلهم، كما قاموا التدخل الإيراني من قبل، فجلّ ما يفعلونه الآن من الضغط العسكري، لإجبار الفصائل على الخضوع لرؤيتهم في شكل الحل، و لو في حلب وحدها، أمرٌ مشكوك في جدواه.
7ـ أنّ روسيا تواجه مشكلة في التحالف الذي يربطها مع إيران و النظام، فهي قد ظنت أنّه سيحقق لها المصالح الاستراتيجية؛ بيدَ أنَّ كلاًّ منهم يقرِّر مصالحه بمعزلٍ عن الآخرين، و هو ما يفسِّر إقدام روسيا على ضرب المليشيات الموالية لإيران في نبل و الزهراء يوم: 22/ 11، في رسالة منها على ما أعلنته إيران من نيتها إقامة قواعد بحرية على شواطئ سورية و اليمن، و غير بعيد غضها الطرف عن القصف الذي طال مطار المزة العسكري يوم: 7/12، عقابًا للنظام لإقدامه على عقد صفقات شراء القمح من لدودتها أوكرانيا، ممّا جعلها تشتاط غضبًا، و تستدعي عماد خميس إلى حميميم، و تبلغه رسالة إلى الأسد تحذِّره من مغبة ذلك.
هذا فضلاً على أنّها ترى إيران و ميليشياتها غير جديرين بمسك الأرض بعد حملات القصف العنيف التي تمهِّد بها، و إنّ تجربة محاولتي فك الحصار عن حلب قد أثبتت ذلك، فجلّ اعتمادهم يقع على الزخم البشري الخاوي من الروح القتالية.
8ـ أنَّ بوتين الذي كان يطمح إلى صفقة شاملة مع أميركا تتسع لكل الملفات دفعة واحدة، قد سعى لأن تكون سورية مفتاح تلك الصفقة، لكن أمريكا قاومت هذا الإغراء لاعتبارات استراتيجية بعيدة المدى، من ضمنها أنها ليست في اضطرار يجعلها تقبل بخيارات من هذا القبيل، على عكس روسيا المأزومة: اقتصاديًا، و جيوسياسيًا، و الآخذة وضعية دفاعية عن جغرافيتها، و المتعجلة الخروجَ من هذا المأزق.
9ـ أنَّ ترامب الذي يمثِّل ( ثورة الرجل الأبيض ) على إرث سلفه، من غير المتوقّع أن يذهب بعيدًا في تحالفاته مع بوتين، فهما متباينان في طموحاتهما، و إنّ أيّ اتفاق معه في أيَ مكان، هو الاتفاق الذي سيجلب مكاسب إضافية لأمريكا، فلا توافقات وفق رؤيته، فمَنْ لم يتردَّد في مطالبة حلفاء أميركا أن يدفعوا لها مقابل حمايتها لهم، لن يقدم على منح خدمات مجانية لروسيا، و على الأرجح أنّه الآن سيضع خريطة مساحية لعقارات النفوذ الأميركي في العالم، ولن يكون بكرم إدارة أوباما في الانسحاب من مساحات كبيرة، كالشرق الأوسط دونما أثمان.
وسوم: العدد 698