أسئلة من رَحِم تخلّفنا
هل يمكن للإنسان أن يكون مسلما من غير الانتساب للسلفية ؟
هل يبقى مسلما إذا كان على عقد الأشعري مثل أبي حامد الغزالي وابن حجر والنووي وعامة علماء الخَلَف وجماهير الأمة في أغلبيتها الساحقة ؟
هل يمكن للمسلم أن يتعبّد الله على المذهب المالكي مثلا ؟
إذا دعا أحدا من غير المسلمين إلى الاسلام هل يكتفي منه بالشهادتين وأركان الاسلام والإيمان أم يفرض عليه الانخراط في السلفية حتى يكون مسلما حقا ؟
هل يجوز له أداء الصلاة وراء إمام يتلو القرآن بقراءة ورش عن نافع ويسدل يديه ويقنت في صلاة الفجر ويخرج من الصلاة بتسليمة واحدة ؟
إذا داهم العدوّ – لا قدّر الله – بلادنا ونودي بالنفير هل نجاهد مع كل ّ مواطن حمل السلاح أم نسأل قبل ذلك عن انتمائه العَقَدي والفقهي ؟ وإذا تبيّن أن في الكتيبة التي انضممنا إليها إخوانا مسلمين وصوفية خرجوا معنا للجهاد هل نقاتل معهم أم نخرج من تلك الكتيبة ؟
ماذا لو لم يلبس عالم دين في حياته رداء ابيض ولا وضع على رأسه عقالا ولا قلنسوة بل ارتدى قشابية جزائرية وشاشًا ، هل يوثق بعلمه ويجوز الأخذ عنه وتعديله ؟ وماذا لو درج على ارتداء ملابس عصرية وهو تقي ورع متبحّر في العلم ؟ وماذا لو كان حليق اللحية ؟
طالب علم شرعي استكمل تكوينه ، يحفظ القرآن ، يصلي ويصوم ويزكي وأدى فريضة الحج ويدعو إلى الله لكنه لا يقرأ كتب الشيوخ محمد بن عبد الوهاب والألباني والمدخلي ولا يأخذ بفتاواهم ، هل يجوز الاستماع إلى دروسه والأخذ عنه واستفتاؤه في أمور الدين ؟
رجل مسلم متمسك بدينه لا يبغض أحدا من المؤمنين ، يحب ابن تيمية وابن عطاء الله ، يأخذ عن الألباني وعن البوطي ، يقرأ كتب ابن القيم وكتب الغزالي ، يحضر حلقات الإخوان والصوفية والسلفية ويحسن الظن بهؤلاء جميعا ، لا يجرح أحدا من العلماء ولا يعامل المسلمين بمفردات التبديع والتفسيق والتكفير ، هل تديّنه صحيح ؟
أيهما أولى : التحذير من الاحتفال بالمولد النبوي أم التصدي لأنواع العدوان على الأمة ؟
لا شكّ أن أصحاب التديّن الواعي والعقول الصافية يضحكون من هذه الأسئلة ويتضايقون من هذا المستوى ولا يهبطون إليه ، لكن - ومع كل أسف – هي عيّنة حيّة معبّرة من الأسئلة الأكثر شيوعا في أوساط الشباب المتديّنين في هذه الأيام العجاف وفي أوساط قادة الرأي عندهم من " علماء " وخطباء ومُربّين ، و بمثل هذه الأسئلة النابعة من تخلفنا نقتل العقول والهمم ونبلّد الحسّ ونلوّث النفوس ونجعل المسلم المتمسك بدينه أكثر تيها ، بها لا نتقدم قيد أنملة لا دينيا ولا حضاريا بل نزداد تقهقرا لأنها دليل التشبث بالقشور عوض اللبّ والاستغراق في الماضي مع إهمال الحاضر والمستقبل ، وأكثر من كل هذا وأدهى هي علامة الجدال الذي يرتكس فيه من ضلّوا عن الهدى فتركوا العلم والعمل ومالوا إلى الافلاس الروحي والانسحاب من ساحات البذل والعطاء والسير الموصل .
هذا حال الأمة في ظل امتداد السلفية المزعومة المولعة بالأفكار المعلّبة والسِجال البيزنطي والمعارك التاريخية ، والتي تجعل من التقاليد العربية دينا ملزما ، ولا تُلقي بالا لتحديات العصر ، خرّبت عقول أتباعها وربّتهم على قسوة القلب وحياة التقهقر والتردّي ، وألبست كل ذلك لباس الدين والسنة والسلف الصالح ، فصرنا أمام نموذجين من الشباب أحلاهما مرّ ، إما فتيان وفتيات صرعهم التغريب ففقدوا الدين والقيم والأخلاق واغتربوا مكانيا ، يعيشون عيش الغربيين السلبي بين خمور ومخدرات وانحلال خلقي كامل ، وإما نوع آخر استهواهم التديّن العاطفي السطحي فانغلقوا على أنفسهم وكفروا بالتفوّق في الدراسة والاهتمام بالحياة واغتربوا زمنيا ، لا يرتضون إلا العيش وفق أشكال وصور وصيغ صدر الاسلام ، مضحّين بالجوهر والمقاصد والإبداع ، همّهم اللحية والسواك والثوب القصير كأنما هي أركان الإسلام ، ولم ينجُ من التياريّن إلا فئة شبابية قليلة ، من يخالفها أكثر ممّن يوافقها ، ومن يعمل على إضلالها أكثر ممن يأخذ بيدها في سبل الفهم الصحيح والثبات على الحق والعطاء النافع.
وإنها لمأساة كبرى أن تضيع الأعمار والجهود في مسائل دينية فرعية هامشية على حساب قضايا الأمة الكبرى كالاستبداد الجاثم على بلدانها والتنمية الغائبة والتنصير وتحدي العلم والمعرفة والحرية حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية ، هذا والإسلام الذي يدفع إلى حلّ هذه المشكلات رهينة عند المدرسة النصية الحرفية الجامدة حوّلته إلى أكبر معيق للمسلم ، جعلت من إسلام الحياة إسلام الموت، ولمن يتشكّك في هذا أسوق عناوين كتب حديثة يَعدّها أهل تلك الطائفة من أفضل ما كُتب ومما لا يستغني أحد عن قراءته :
- الجامع في أحكام اللحية
- التوضيح فيما أشكل من الرُقْية ( لمؤلفه علي فركوس الذي يعدّونه شيخ السلفية في الجزائر الغارقة في مشاكل لا حصر لها تحتاج إلى العلم الغزير والحكم الديمقراطي لا إلى الرقية)
- السيف اليماني على من أباح الأغاني ( ليت صاحبه ألف كتابا فيمن أباح تحكم القوى الكافرة في بلاده الاسلامية )
- الحجج والبراهين على أن المظاهرات ليست من الدين
- حكم الساعة ( أي الساعة التي توضع في اليد )، وانتهى صاحب الرسالة بعد بحث طويل عميق دقيق إلى أنها " جائزة إن شاء الله " ، بينما رأى " العلامة الشيخ " حمود بن عبد الله التويجري في بحثه للمسألة أن وضع الساعة في اليد من التشبه بالكفار.
بمثل هذه الثقافة المغشوشة يضرب التخلف أطنابه في عقولنا وبلادنا وتتخرّج فئات من الشباب الذي يحسب نفسه – وحده - على الصراط المستقيم بينما فريق منه ينشر الدمار والخراب ، وفريق آخر يمتهن التنفير من الدين باسم السنة والسلف الصالح ، وفي كل الحالات ينزل على الأمة مزيد من الهموم وتتشعب أزماتها في ظل الاستبداد السياسي وشرك القصور والفساد المالي والاجتماعي المبرمج ، ويتحسّس الناس الطبيب والعلاج وقد ألفوهما في جنب الاسلام وإذا به قد احتكره من تغلب عليهم الأمية الفكرية فأذهبوا فاعليته وأحالوه إلى الهوامش ، تماما كمل تتمنى العلمانية والحكام غير الشرعيين والقوى الغربية الماكرة ، وليس من حلّ سوى باستشعار خطر واقعنا الاسلامي أولا ثم التنادي القوي بمحاربة ثقافة الخرافة والذل والتفاهة وإشاعة الثقافة الاسلامية الأصيلة بجمالها وجلالها وفاعليتها .
وسوم: العدد 698