المهم التفعيل الفلسطيني لقرار مجلس الأمن ضد الاستيطان الإسرائيلي
كسب الحق الفلسطيني نصرا قانونيا كبيرا في مواجهة تغول واستشراء الباطل الصهيوني المسلح بأدوات القوة المتنوعة ، وأشدها الانحياز الأميركي المطلق للدولة الإسرائيلية . النصر الجديد تمثل في قرار مجلس الأمن الأخير الذي يطالب إسرائيل بأن " توقف فورا وبشكل تام كل الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس " ، وفي وصفه المستوطنات الإسرائيلية بأنها " ليس لها أساس قانوني " ، وبهذا الوصف يبطل أي حجة إسرائيلية لإقامة هذه المستوطنات ، ويعطل التحايل المخادع الذي تلجأ إليه حين تصف قليلها بأنه غير شرعي ، وتصف كثيرها بأنه شرعي ، في حين أن النوعين لا شرعية لهما . من عناصر القوة في القرار أنه صدر بأغلبية الدول الأعضاء ، وامتناع أميركا عن التصويت وهي التي استخدمت حق النقض سابقا ثلاثين مرة دفاعا عن إسرائيل التي يصعب تصور ما كان سيحل بها من مشاكل ومصاعب وخيبات لولا هذا الاستخدام الأميركي المفرط لحق النقض لصالحها ، وما المكاسب التي كان سيحوزها الحق الفلسطيني في مواجهة الطغيان الإسرائيلي المتخطي باستهتار لا حدود له كل الشرعيات الدولية . ولأن إسرائيل تعرف خطورة قرار مجلس الأمن فقد صدمت به ، وضاعف صدمتها أن إدارة أوباما المقتربة من الرحيل لم تستخدم ضده حق النقض مثلما هو مألوف أميركا ، واتهم مسئول إسرائيلي كبير أوباما وكيري وزير الخارجية بأنهما وراء القرار ذاته ، وتبحث إسرائيل الآن النجاة من عواقبه بالالتجاء إلى إدارة ترامب القادمة ، وهو الذي أقنع مصر بمبرر غامض يسهل التملص منه بسحب القرار الذي تقدمت به قبل أن تخبرها نيوزيلاندا وفنزويلا والسنغال وماليزيا بأنها ( الدول الأربع ) ستتقدم بالقرار إلى مجلس الأمن إذا واصلت الامتناع عن تقديمه ، وهو ما كان ، وفاز بتأييد كل أعضاء المجلس دائمين ومؤقتين ما عدا أميركا التي امتنعت عن التصويت ، ومثل امتناعها مكسبا فلسطينيا وخسارة إسرائيلية صادمة ، والامتناع في جوهره نصف تأييد ، بل يمكن اعتباره تأييدا كاملا ضمنيا بالنظر إلى استياء أوباما وكيري الذي عبرا عنه في أكثر من موقف من تعامل إسرائيل في مجمل علاقتها بالفلسطينيين ، ولكن هذا أقصى ما يستطيعانه في جو النفوذ اليهودي الكبير في أميركا . إسرائيل تعرف سلاحها للتصدي لمفاعيل القرار، وبادرت إلى المجاهرة والتحدي بأنها لن تمتثل له ، وأنها ستستعين بإدارة ترامب وبأعضاء الكونجرس من الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي لإبطال تلك المفاعيل ، وتوعد ترامب بأنه سيتصرف في نطاق الأمم المتحدة تصرفات مخالفة للقرار ، وبالتأكيد ، ومثلما تنذر توجهاته ، سيتصرف بعيدا عنها ، ويكفي أن ينقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس ليقضي على القرار الذي اعتبر القدس أرضا محتلة مع بقية الضفة . فماذا سيفعل الفلسطينيون في المعركة التي انفتحت ؟! يظل القرار على عظم قيمته القانونية قرارا معنويا يعزز للشرعية الفلسطينية في الضفة والقدس ، وتفعيله وتوسيع تأثيره الإيجابي لنا ، والسلبي لإسرائيل هو الذي يحول قيمته المعنوية والسياسية قيمة مشهودة على الأرض ، وهذه هي المعركة الفلسطينية التي بدأت فعلا بصدور القرار . وحين نتذكر كيف ضيعت السلطة الفلسطينية مفاعيل قرار محكمة العدل الدولية بعدم قانونية الجدار الذي أقامته إسرائيل بين الضفة وبين ما يسمى الخط الأخضر يصيبنا الإحباط ، والخشية كبيرة الآن أن تقف السلطة بالقرار الجديد عند قيمته المعنوية وبريقه الإعلامي ، أي تميته ، ولا يفوتنا أن اتفاق أوسلو عطل كل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالحقوق الفلسطينية ، وصنف الضفة وغزة أراضي متنازعا عليها لا محتلة ، وجعل التفاوض الفلسطيني مع إسرائيل بلا مرجعية في هذه الناحية ، وإسرائيل تعتبر أي مرجعية بهذه الصفة شروطا مسبقة ، وترفض أي تفاوض في ظلها ، ومع هذا السلاح الذي يوفره لها اتفاق أوسلو ، ومع كثرة أوراق قوتها في مواجهة السلطة ؛ فإنها تعمل محمومة عازمة في الساحة الدولية لتفريغه من أي فاعلية لصالح الحق الفلسطيني . والواقع الفلسطيني المتمزق الذي تتناحر أطرافه متعادية متباعدة ، والواقع العربي الذي لا أمل فيه ؛ لا يغريان بأي مطمح في الانتفاع بالقرار الممثل للشرعية الدولية ضد التغول والعدوان الإسرائيليين على كل مكونات الوجود الفلسطيني ، ودائما نظل فلسطينيين وعربا أخطر من الأعداء على قضايانا القومية المصيرية ، وأولها القضية الفلسطينية ، ومن كان بهذه الخطورة على قضاياه الخاصة لا قدرة له على الانتفاع بتأييد الآخرين لها .
وسوم: العدد 700