قراءةٌ في المشهد السوريّ في ضوء أحداث حلب، وصولاً إلى لقاء موسكو
أربعةُ مواقف يمكن أن تسترعي انتباه المراقبين في المشهد السوري هذه الأيام، هي:
1ـ التراجع العسكري للفصائل في حلب، بشكل دراماتيكي.
2ـ ظهور أبي البهاء الأصفري، أمير تنظيم جند الأقصى، المنضوي تحت لواء جبهة فتح الشام في مدينة سرمين، محاطًا بأنصاره، و خلفه عدد من الباصات الخضراء المشتعلة، مدّعيًا إحراقها لإعادة الكرامة لأهل حلب.
3ـ اغتيال السفير الروسي أندريه كارلوف، على يد الشرطي مولود مرت ألطن طاش، و من ثَمَّ مسارعة أحد الفصائل السورية مسؤوليته عن ذلك، متوعدًا بغداد و أنقرة و دمشق و موسكو بالثأر لأهالي حلب.
4ـ لقاء موسكو الثلاثي، الذي ضمّ وزراء خارجية و دفاع كلّ من: روسيا، و إيران، و تركيا؛ للتباحث في وضع خارطة طريق للملف السوريّ، انطلاقًا من أحداث مدينة حلب، كحدث مفصليّ فيه.
و إزاء ذلك يمكن لهؤلاء المراقبين أن يقرؤوا عدةّ أمور، من أهمها:
1ـ حالة السَّردَبة التي يعيشها قادة الفصائل، في الوقت الذي تحرّكت فيه الحواضن الشعبية، مستشعرة الخطر الداهم على الثورة، بعد التراجع العسكريّ في مدينة حلب، و الاكتفاء عوضًا عن ذلك، بتسريبات عن قرب التوصل إلى اتفاق يضمّ أربعًا من كبريات الفصائل في الشمال المحرّر.
و هو الأمر الذي لو تحقّق لكان انتحارًا اختياريًّا لها؛ لما فيه من إسلامها قيادتها العسكرية لتنظيم القاعدة، ممثلاً بجبهة النصرة ( فتح الشام حاليًا )، و غير بعيد أن تكون بعض الدول الحليفة لها قد حالت دون ذلك، إشفاقًا منها على السوريين من مخاطر هذه الخطوة.
هذا وقت أصبحت الأنظار متجهة إلى أحرار الشام، لما تمرّ فيه من حالة تشظٍّ غير خافية، يقودها هاشم الشيخ (أبو جابر) الأمير السابق، بوجه أميرها الجديد المهندس علي العمر ( أبو عمار )، و لدورها المعلن في الوقوف وراء أهمّ الهُدن التي أُعلنت إلى حدّ هذه اللحظة، سواء مع الإيرانيين في ( حمص، و الزبداني ـ الفوعة )، أو مع الروس في ( حلب ) مؤخرًا.
و تلحّ الأسئلة حول ضبابية الدور الذي تقوم به الحركة في هذا الملف، و عن مدى استطاعتها تحمّل تبعات هذه التفاهمات، ولاسيّما أنّها قد جاءت عقب حالة تراجع ميدانية غير مسبوقة.
و الحال في مثل ذلك لا تسعف المفاوض في وضع شروطه على الطاولة، و لذلك تذهب الظنون بعيدًا في التكهنّ بما طوته الأوراقُ في هذه المحطات التفاوضية، و هناك إشفاق عليها من تداعياتها؛ فكان حريًّا بها أن تلقي هذا الأمر في حجر مرجعيات سياسية جامعة تشاطرها الهمّ و المسؤولية، عوضًا عن انفرادها بها.
فذاكرةُ التاريخ ذاخرةٌ بما أملاه المنتصرون على المهزومين من الشروط المُذِلَّة، و من حقّ السوريين أن يعرفوا ما دار في الغرف المغلقة بين هذه الأطراف المتفاوضة.
2ـ إدراك تركيا بما تحمله جعبة ( الروس، و الإيرانيين ) تجاه الفصائل، بعد الخسارة التي مُنيت بها في حلب، الأمر الذي جعلها تُسارع و تُلحّ في جمعهم مع الروس في اسطنبول، أو في السعي لحضور القمة الثلاثية في موسكو، على الرغم من التوقيت الحرج لحادثة اغتيال السفير الروسي، و ذلك في مسعى منها لإنقاذهم من براثن الإيرانيين، الذين كانوا يصرّون على الإطباق عليهم في بعض الأحياء، و الإمساك بهم فردًا فردًا؛ لتجعل بعدها من تلك الأحياء (سربينيتشا) سورية.
و هي تعلم خطورة نوايا الأمريكان في غض الطرف عمّا يجري في سورية؛ سعيًا منها لإنهاك الأطراف جميعها، و لا مانع لديها ابتداءً أن تَحطِمَ روسيا تلك الفصائلَ بعصاها الغليظة، و من ثَمَّ يأتي عليها ما أتى على الإيرانيين.
3ـ حجم الجهد الأمني الذي كان من النظام تجاه الفصائل، و حواضنها الشعبية، و ما قامت به روسيا من خلال إدخال عدد من المناطق و الفصائل في عملية المصالحات، و هذا ما أنتج حالة من الانهيار غير المتوقعة في جبهة حلب.
4ـ تعامل بعض المحسوبين على الثورة مع الأمور بطريقة غرائزية، تُسهِّل على الآخرين توظيفها لصالح مشروعهم، و في أحيانٍ أخرى اختراقهم و توجيههم الوجهة التي تضرّ بقضيتهم، و تفقدهم المصداقية.
و هو ما كان في حادثة إحراق عدد من الباصات الخضراء المتجهة إلى الفوعة بموجب اتفاق إجلاء المحاصرين في حلب الشرقية، و تبنّي اغتيال السفير الروسي ( كارلوف ).
و غير بعيد أن تكون ذات العقلية أو حتى الجهة، التي أعلنت مسؤوليتها عن الاغتيال، أن تكون وراء حادثة الباصات؛ بغية خلط الأوراق، و إحراج الفصائل مع حليفتهم ( تركيا ) في الحادثتين معًا.
و هو الأمر الذي أجهضه التصريحات التي جاءت من موسكو، و كانت متطابقة تمامًا مع ما صدر عن المسؤولين الأتراك في كلتا الحالتين.
وسوم: العدد 700