من المسؤول؟
من المسؤول، عن تدمير حلب على رؤوس سكانها، و عن قتل السكان و تهجيرهم و إخراجهم من مدينتهم على هذه الصورة، التي لم يعرف مثلها في التاريخ، و عند اكثر الأمم توحشا و شذوذا عنصريا، و تعديا لا أخلاقيا قل نظيره؟؟؟
من المسؤول، عن تخريب المدن و القرى السورية و عن تدمير معالمها الحضارية، و تغيير بناها الديموغرافية لصالح مرتزقة الميليشيات التي استقدمت من دول شتى لغرض دعم النظام الطائفي و منعه من أن ينهار؟؟؟
من المسؤول عن قتل الأطفال و النساء و الشيوخ و الإجهاز على الجرحى داخل المشافي، و قتل العاملين فيها، بل و تدميرها على رؤوس المرضى و المصابين؟؟؟
من المسؤول عن المواقف العدائية التي تعمل على خذلان الثورة السورية، و إضعافها و حرفها عن مسارها، و حرمانها من السلاح و العتاد الذي يمكنها من مواجهة أعدائها و العمل على شرذمتها، و لصق التهم المشينة بها؟؟؟
من المسؤول عن خذلان ثورات الربيع العربي-و الثورة السورية واحدة منها-و إجهاضها، و منعها من ان تحقق أهدافها التي خرجت من أجلها، و جعلها جميعها تقع فريسة القوى المضادة التي تعمل ضد حركة التاريخ و بظلامية و سوداوية قل نظيرها. سواء أكان ذلك في تونس التي حرفوها أو في ليبيا الي وأدوها أو في مصر التي سلبوها أو في اليمن التي طمسوها أو في سورية التي أصبحت كارثة على شعبها و قد دمرت تدميرا شبه كامل على أيدي التحالف الدولي و المؤتمرين بأمره . و تحت غطاء ما يسمى بمكافحة الإرهاب ، و نموذج ذلك حلب الشهيدة و قد جعلوها حمى مستباحا لأكثر الناس إرهابا و دموية في العالم؟؟؟
و كجملة معترضة:
- إن البشر أكثر مايكونون تلاوما في أعقاب الفشل، و في النهايات غير الموفقة للأعمال التي يقومون بها، ثم لم تحسن عاقبتها-
وهذا الاعتراض يقودنا إلى تقرير الحقائق الموضوعية التي يجب أن تكون في دائرة تصور الذين يطمحون إلى التغيير. و هذه الحقائق تتمثل بثلاث:
أولها- بتحديد الأهداف؛(ماهيتها) و (أبعادها) و كيفية الوصول إليها.
ثانيها- بتحديد الخطط –الآنية و المرحلية- التي تكون بمستوى الأهداف، و التي تعمل من أجل تحقيقها.
ثالثها- بتهيئة مستلزمات العمل الثوري و ذلك كجزء من إعداد مسبق. فالعمل العظيم يحتاج إلى إعداد عظيم. و قي ذلك يكمن (سر النصر). و خلاف ذلك لابشرى بالعواقب الوخيمة التي تنتظر دعاة التغيير كائنا من كانوا
وبداية لابد من الإشارة إلى أن الثورة السورية التي قد تكون ضحاياها زادت على المليون قد عجل في أمر قيامها قضيتان:
أولاها- قضية ثورات الربيع العربي التي سبقت في تونس، و ليبيا و مصر و اليمن، و قد كانت بمثابة المحرض لشعب سورية ليثور على حاكمه، و ليقتلعه من جذوره، و ما حاكمه بالأقل سوءا من حكام تلك الدول و هذه الثورات وجدت صداها عند أطفال درعا في (ارحل) التي خطّوها بأناملهم على الجدران فكان جزاؤهم أن تقلع أظافرهم، و أن يقتّلوا و يغيبوا. الأمر الذي حدا بدرعا أن تنتقض ثأرا لأبنائها و للمدن السورية الأخرى أن تتجاوب معها من خلال(نحن معاك يادرعا) فكانت الملاحم الدامية التي ملحمة حلب بعض منها، و ليست كلها.
ثانيا- قضية فساد النظام. و هي سياسية و اجتماعية و اقتصادية. و هي أشبه ماتكون بأفعوان كبير يطوق عنق الشعب العربي السوري و يشد يديه ورجليه. الأمر الذي جعلهم أسرى ذلك الفساد الذي شمل السوريين طوال نصف قرن من الزمان و هو الذي دفعهم إلى تلبية صريخ الثورة فور اندلاع أول بارقة أمل و إلى التعاطي معها، بقوة و شجاعة الأمر الذي جعل جيشا من أكبر جيوش المنطقة، و من أكثرها عُدَدا و عَدَداً يتهاوى تحت ضربات المقاتلين الذين كانوا لأول أمرهم ثوارا صادقين و لم يلتاثوا بأي من السلوكيات الخاطئة، التي قذفتها إليهم النوايا غير الطيبة لآخرين لم يكونوا صادقين معهم بالرغم من وشائح القربى التي تجمعهم معا.!
وقد كان الذي حدث أولا.
أن اندلعت الثورة السورية في سورية كلها، الأمر الذي جعل النظام بكامله يتهاوى تحت ضربات الثوار كما جعل الجيش الذي رعي رعاية طائفية خاصة و لمدةنصف قرن ينهار بسرعة الأمر الذي آذن العدو و الصديق بالتغيير الوشيك الذي سيحدث في الجمهورية العربية السورية.
وقد كان الأمر الذي حدث ثانيا.
أن أصبحت سورية كلها المربع رقم واحد للمؤامرة الشرق أوسطية التي كان و لايزال يخطط لها، و منذ قرن من الزمان بعقول صهيونية و صليبية، و التي هي من حيث الواقع جزء من حرب صليبية طويلة المدى تشن على العالم الإسلامي كله عربية و أعجمية و إحدى حلقاتها كانت في أفغانستان و الثانية في العراق، و الثالثة في سورية و الرابعة في اليمن و لايزال من حلقات التآمر في مكنون الغيب الكثير و الكثير جدا.
وقد كان الذي حدث ثالثا:
أن أصبحت حلب المدينة التاريخية، التي تعد عاصمة سورية الاقتصادية، و التي قد تزيد و ماحولها على ستة ملايين نسمة غالبيتهم العظمى من العرب السنة- مستهدفةمن قوى متعددة الجنسيات،يضاف إليها البقية المتبقية من جيش النظام، و من الميلشيات الشيعية التي استقدمت إلى سورية لأغراض طائفية و هي لبنانية و عراقية و أفغانية و باكستانية. و الغريب أن هذه الميلشيات تأتي من دول ذات أغلبية ستية. و هي أشد شراسة في مواجهة أهل السنة و أكثر ضراوة و فتكا بهم.
وتكون النتيجة:
أن تحترق حلب و أن تدمر تدميرا كبيرا و أن يخرج سكانها منها صاغرين، و أن تدخلها الميلشيات الطائفية دخول المنتصرين فتفتك بمن تبقى من أهلها فتكا لم يفعله من قبل جينكزخان أوهولاكو أو حتى بغن و شارون و للشماتة و تحديا من قوى الرفض و قبل أن تنسحب البقية المتبقية من سكان حلب الشرقية يهرع قاسمي سليماني إلى حلب و يتجول في أحيائها الطاهرة غير عابئ بالمشاعر العربية أو الإسلامية أو حتى العالمية و هو يدوس على الدماء و الجثث و كأن شيئا لم يحدث قط!!!
ويعود السؤوال الأول(من المسؤول) إلى المربع الأول و نقف جميعا خشوعا أمام هذا السؤال خشية أن نكون من بعض المسؤولين عن ذلك، فيكون في ذمتنا ماحدث في سورية كلها بعامة، و ماحدث في حلب بخاصة و ما قد يحدث في العالم الإسلامي كله. و الحال هذه تكون المسؤولية جماعية. و للتوضيح فإن من أحكام الجهاد أنه إذا غزيت بلاد المسلمين كلها أو بعضها وجب على المسلمين جميعا النفير العام. يقول الدكتور محمد ياسر المسدي في (دليل المجاهد):
" إذا هجم العدو على بلد من بلاد المسلمين، أو خيف هجومه وجب على كل قادر من اهل البلد الجهاد و النفرة في سبيل الله، و إذا كان حجم العدو أكبر من طاقة أهل البلد المعتدى عليه، فرض على جيرانه الأقرب فالأقرب، أن يشاركوا بكل مايقدرون عليه، ثم على سائر بلاد المسلمين، أن يمدوهم بكل مايحتاجون إليه من الرجال و المال و السلاح،حتى يطردوا العدو و تعلو كلمة الحق. لقوله تعالى: و إن استنصروكم في الدين فعليكم النصر" الأنفال:72. و في هذه الحال قال الفقهاء: إن المرأة تخرج للجهاد و لو بغير إذن من زوجها، و يخرج الابن و لو بغير إذن أبيه، دليل المجاهد27/28
و نعود للقول:
و الحال هذه يكون المسؤول أولا و آخرا عن النوازل التي حلت بالثورة السورية خلال السنوات الست التي لم يتبق منها غير بضعة أشهر كل قادر على حمل السلاح حمله أو لم يحمله و كل قادر على الكلمة الطيبة قالها أو لم يقلها و على كل قادر على الموقف المسؤول، أو على الدعم بأشكاله المختلفة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية فعل ذلك أو لم يفعل و أشدنا مسؤولية أولئك الذيم حملوا المسؤولية و لم يحملوها، و لم يؤدّوها حقها. سيان منهم من تغيب عنها، أو من قصر في أدائها، أو من خدعها أو سرقها أو تآمر عليها بشكل أو بآخر. نقول ذلك و أمامنا تشخص مصائب أهلنا في القصير و حمص و الزبداني،و مضايا ،و المعظمية و في خلب مؤخرا. و كلها يوجب النفير العام لانقول على السوريين حسب، و لكن على المسلمين كافة. و ما أدرانا و لعل بعضهم سيكون واقعة أكثر إيلاما من كل ماحدث في سورية أو العراق أو أفغانستان، و عندها لاتجديه الحسرة أن يقول ياويلتا على مافرطت من أمري. فهو المسؤول عن كل ماحدث، لأنه صاحب القرار في بلده،و لأنه أخذ بالرأي الذي دلّاه إلى سوء العاقبة كما انه لن يجديه كثيرا أن يقول أكلت يوم أكل الثور الأبيض!!!
فالمسؤولية إذا فردية تخص الإنسان المسلم أيا كان، و في أي مكان وجد ، و جماعيةتخص الأحزاب و المنظمات و الهيئات بعامة، كائنة ماكانت صفتها ، و رسمية تخص الدول ذات السيادة في جميع بلاد المسلمين مهما قربت أو بعدت بلدانهم و مهما صغرت أو كبرت طاقاتهم.
فالمؤامرة اليوم اوسع دائرة من البلد الواحد أو الشعب الواحد سيما أنها تجمع بين الصهيونية و الصليبية من جانب، و بين الرفض الشيعي و التمرد المحلي من جانب آخر و مع أن بعضهم قد يقطب حاجبيه استغرابا أو استنكارا لما نقول، بل قد يستهجنه و يعده من الكلام المبتذل الذي قذفت به التطورات الخاطئة فنحن نريد أن نضع بين يديه الحقائق التاريخية التالية:
أولا- حقيقة الصراع التاريخي بين النصرانية و الإسلام و الذي بلغ ذروته في الحروب الصليبية التي دامت من 492هـ و هو تاريخ سقوط بيت المقدس بأيدي الصليبيين، و لغاية 692هـ و هو تاريخ إخراج الصليبيين من بلاد الشام على يد الأشرف خليل سلطان المماليك في ذلك الوقت. و من ثم استمرت جذوة الصراع و لم تهدأ و لم تطفأ. فكان من بعض حلقاتها سقوط الأندلس على يد فريدريك و إيزبيلا سنة 897هـ، ثم جاء العصر الحديث فكانت أكثر ضراوة. يقول مصطفى كامل الزعيم المصري المشهور تـ 1906م: إن بقاء الدولة العلية العثمانية ضروري من أجل التوازن الدولي، فهي دولة إسلامية واحدة تواجه ثماني و عشرين دولة نصرانية، و لو قيض أمر هذه الدولة- لاسمح الله- فستشهد المنطقة حروبا ليست الحروب الصليبية بالقياس إليها إلا حروبا صبيانية" الأدب العربي المعاصر. محمد محمد حسين. و هذا هو الذي حدث. فما شهدته بغداد، و ماشهدته حلب هو أكبر بكثير من أية معركة سابقة خاضتها الأمة ضد أعدائها التاريخيين.
ثانيا- حقيقة الأهداف و المخططات، اليهودية المنشأ و الصهيونية الصفة، التي تحرك الأحداث في المنطقة على طريقة لاعب الشطرنج الذي لايقدم أو يؤخر على رقعة الشطرنج إلا على وفق مايهوى.
ففي التاريخ أن هرتزل طرح في مؤتمر بازل في سويسرا مشروع مايسمى اليوم بالشرق الأوسط الجديد و الذي يقضي أن تخضع منطقة الشرق الأوسط لتقسيمات على أساس عرقي و مذهبي على أن تكون السيادة فيها للدولة اليهودية.
ولما كان أصل الفكرة الصهيوينة يدخل في خانة الصراع المسيحي الإسلامي و يصطف إلى جانب النصارى ضد المسلمين الذين يعدون من الأعداء و هو اصطفاف تحالف، فقد هش لهذه الفكرة زعماء العالم المسيحي بعامة و اعتبروها بمثابة الفتح المبين بالنسبة لهم. و على أساس من ذلك جاءت آراء كامبل، ووعود بلفور، و إجرارءات غورو و تصريحات بريجنسكي، و أخيرا مواقف الساسة الأمريكيين من قضايا العالم الإسلامي بعامة. و قد استطاعت أن تحصرها جميعها في خانة الإرهاب، و أن تشن ضدها حربا ليس أشرس منها و أن تتعامل معها بسياسة الوجهين و المكيالين، وأن تتصرف مع المسلمين بالمخادعة و المخاتلة، و بالبجاحة و بالصفاقة، و بصرف النظر عن العلاقات التاريخية، و عن سياسة المصالح و الأحلاف التي كانت تزعم سابقا أنها تحرص عليها. و من هذا المنطق رأينا كلا من اليهود و النصارى يلتقون على صعيد واحد، و يتبنون مشروعا مشتركا هدفه الاول و الأخير تدمير الحضارة الإسلامية، و القضاء على الإسلام و المسلمين، أفرادا و دولا و جماعات، وهذا المشروع هو المطروح على الطاولة اليوم للتنفيذ و هو الذي تديره اليوم غرف العمليات المغلقة، التي تحدث ذات يوم عنها المنصف المرزوقي رئيس جمهورية تونس مابعد الثورة. و التي تعد بمثابة الحقائق التي لاتقبل الجدل!!!
ثالثا- حقيقة المخاطر الباطنية التي تختبىء خلفها السياسة الإيرانية. التي تهدف أولا إلى القضاء على أهل السنة من المسلمين، و ذلك بمعاداتهم، جماعات و أحزابا و هيئات و دولا، و بإفشاء التشيع بينهم، و بالتآمر عليهم ماوسعهم إلى ذلك السبيل. و كون الشيعة هم الذين يعلنون الحرب على أهل السنة من خلال شعار" كل أرض كربلاء و كل يوم عاشوراء" ومن خلال " واحسيناه" التي تعني الثأر من قتلة الحسين أو من يسمونه بـ( يزيد العصر)، و هم السنة بعامة فقد أجمعوا أمرهم في المشروع الصفوي الإيراني الذي وجد فيه أصحاب المشروع الصليبي الصهيوني ضالتهم فهو لايبعد كثيرا عن مشروعهم، سيما أن غايته الكبرى تتمثل في قتل العرب، و في العدوان على المسلمين.
ومما يجدر الإشارة إليه أن اللقاء بين الحركات الباطنية و النصرانية قديم، و أن العالم النصراني مافتيء يعقد الصلات و يبرم المعاهدات بينه و بين إيران منذ العصر الوسيط و إلى اليوم و هذه الحقيقة هي التي يجب ألا تغيب عن أذهان السياسيين المسلمين.
ولذلك: فنحن الآن أمام مشروعين يعدان غاية في الخطورة، و هذان المشروعان هما:المشروع الصهيوين الصليبي، و المشروع الإيراني الصفوي. و كلا المشروعين يخوضان اليوم المعارك الضارية في سورية و العراق و اليمن و في جميع مناطق العالم الإسلامي التي تنشأ فيها الصراعات أو تشب النزاعات بداخلها أو يداخلها الخلل في سياساتها.
رابعا- حقيقة العالم الإسلامي و ماهو عليه من ضعف سواء أكان ذلك في علاقاته مع بعضه، أو في بناه التحتية، و تقدمه و عمرانه و ماهو عليه من فساد. وقد اتسم بمظاهر ثلاثة:
أولا- بعدم الاستقلالية. و قد كادت دوله تكون بحكم التابع، للدول الكبرى، صاحبة المشروع الصهيوني الصليبي، و بذلك تخدم من حيث تدري و لا تدري عدوها.
وبذلك يكون الموقف من حرب العراق بمثابة الجريمة التي لاتغتفر، وقد فقد العرب بفقد العراق الداعم و الحليف في مواجهة إيران و هذه حقيقة واقعة لاتقبل الجدل
ثانيا- بعدم وجود المرجعية الدينية. فالرجال في العالم الإسلامي بعامة أكثر مايشبهًّون بالخطوط المتوازية، و الخطوط المتوازية إذا شبهت بها قامات الرجال، كان أكثر مايعيبها عدم الالتقاء فيما بينها، و هذه هي المصيبة. فالعالم الإسلامي لاينقصه العلماء، و لا الرجال الذين يمكن أن يدخلوا في دائرة القدوة، و لكن ينقصهم القيمة الاعتبارية للعالم، أن يقول فيسمع قوله، و أن يرى فيؤخذ برأيه و رحم الله الأوائل عندما قالوا" و على الملوك تحكم العلماء" و بالمناسبة يروى أن الظاهر بيبرس خرج من مصر و هو سلطان المسلمين في عصره بعد سقوط بغداد يريد حرب التتار الذين احتشدوا له شمالي حلب و أراد أن يفرض ضريبة على عامة الناس. و قد وقّع له بعض العلماء ما أراد. فدعي إلى التوقيع الشيخ النووي رحمه الله. و عندما سأل ما الأمر. قال الظاهر نريد أن توقع لنا من أجل ضريبة نفرضها على الناس من أجل حرب التتار. فقال الشيخ النووي رحمه الله: أنا أعرف أنك مملوك كنت تباع في الأسواق و اليوم تملك اثني عشر ألف مملوك، كل مملوك يلبس عباءة حياصتها من ذهب فإن بعتهم و أنفقت أثمانهم و احتجت بعدها أمضيت لك ماتريد. قال الظاهر: مادمت لاتوقع فعلام تقيم في مدينة المسلمين؟ قال: أخرج. ثم ركب حماره و انطلق باتجاه نوى. قال العلماء: كيف تقول له ذلك و هو سلطاننا. قال الظاهر: فليعد. و هنا موطن الشاهد، فقد أذل حكام المسلمين علماء المسلمين و جعلوا الواحد منهم سبهللة في مواجهتهم فخسروا بذلك المرجعية التي كان بإمكانها أن تجمع شعوبهم و لذلك تغلبت عليهم الرافضة بمرجعياتها، و هانت السنةبسبب إهانة علمائها و عدم تقديرهم.
ثالثا- بالتخلف. الحضاري الذي عليه النخب المثقفة و جمهرة أصحاب الرأي من الهيئات و الجماعات و الأحزاب بعامة، وقد دبت إليها أمراض من سبقها من الأمم البائدة وقد دخلها غبش الرؤوية ، فلم تعد تميز بين الأسود و الأبيض. و كان أسوأ ماتوصف به أمور أربعة:
الأول- الشح: و الشح نقيض الكرم. سيما في مواقف التضحية فينجم عن ذلك حال من العجز و الكسل يجعل الإنسان بعامة قاصرا عن تلبية الواجب، و لذلك فهو كثير الخوف و التردد و ذلك هو أول مظاهر التخلف.
الثاني- اتباع الهوى: وقد عدمت الرؤية الصحيحة. و بالتالي عدمت التقدير السليم. فأصبح المدخل إليها سهلا. و التلاعب بعواطفها ممكنا. فنجم عن ذلك. هشاشة في الموقف قاد إلى الحيدان عن الطريق السوي. و ذلك ثاني مظاهر التخلف.
الثالث- التعلق بالدنيا و إيثارها على ماسواها: و الانشغال بها عن الواجب المنوط بصاحبه بحيث تقعد به دنياه عن طلب آخرته فيفقد الحركة و يخلد إلى سكون و يستسلم عن صغار و ذلة و ذلك هو ثالث مظاهر التخلف.
الرابع- الإعجاب بالرأي و الانكفاء على الذات: حيث يصبح الإنسان بشخصه أشبه يالنتوء الذي يشل الآلة أو يعطلها و هو عادة يكون أكثر خطرا، سيما إذا برزت الشخصانية من بين نواجزه، و إذا تصور أنه أوجد زمانه أو أنه القدوة أو القائد أو الرمز أو المعلم إلى غير ذلك من الألقاب و الكنى التي يستعلي بها جهابذة الطغاة و ذلك هو رابع مظاهر التخلف.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الترمذي و أبو داوود و ابن ماجه" إذا رأيت شحا متّبعا و هوى مطاعا، و دنيا مؤثرة، و إعجاب كل ذي رأي برأيه، ورأيت أمرا لايدان لك فيه فعليك خويصة نفسك، و دع أمر العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر فيهنّ مثل القبض على الجمر. و في رواية أخرى أغلق عليك بابك و ابك على خطيئتك"
و الشخصانية حسب هي التي مهدت الطريق للاختلاف و للتشرذم، و للانقسام و التعدد، و هي التي جعلت فصائل الثورة السورية تزيد على ألف فصيل، و جعلت أمراء تلك الفصائل و قادتها أحرص مايكونون على الانقسام و التشرذم و قد قادهم الإعجاب بالرأي إلى طريق مسدود كما قادهم الشح إلى نوع من الأثرة لا يفيد و لايخدم، أما أتباع الهوى فقد أوقعهم هواهم في شتات و فوضى، الامر الذي سهل على عدوهم هزيمتهم. و لذلك فنحن نعد المسؤولية داخلية قبل أن تكون خارجية، و أن من أبجديات المعركة القادمة مراجعة ماسبق من معارك. و في الحديث" المؤمن لايلدغ من جحر مرتين، و أخشى مانخشاه أن نلدغ أكثر من مرة قبل أن نقف موقف المحترزمن أعدائه،، فنتلافي النقص، و نسد الثغرة، و نستعد للجولة القادمة.
أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى
رئيس وحدة الدراسات السورية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 700