التعليم العالي، دور المناهج التعليمية في النهوض التكنلوجي
ان وزارة التعليم العراقي اليوم لا يمكن النهوض بها علميا دون النهوض بالواقع التكنلوجي والصناعي في البلد. ان نهوض البلد محكوم بعدة نقاط وهي : فهم وتحديد حاجة المجتمع والامكانات البشرية المتوفرة ، جودة مخرجات المؤسسات التعليمية (جامعات ومعاهد) من حملة الشهادات والخريجين ، وسعة وقدرة القاعدة الاقتصادية الصناعية والزراعية والفنية والحرفية على توفير الاحتياجات الاساسية والخدمات وتوفير فرص العمل. ان وزارة التعليم العالي لا يمكن ان تتقدم تقدم ملموس يخدم البلد تنمويا ولو استقبلت واحتضنت كل علماء العالم ما لم تتوفر الامكانات المادية الاساسية وتتوفر قاعدة صناعية وتكنلوجية واسعة تعمل على فتح ابوابها لمؤسسة التعليم لغرض الولوج والمساعدة في ايجاد الحلول للمشاكل الفنية والصناعية وتطوير الامكانات. هنا نؤكد على ضرورة ان يكون هناك نظام اقتصادي واضح ومحدد في البلد لكي لا تكون رؤية النهوض متقاطعة معه ، وانما منسجمة انسجاما تاما مع اهدافه. ان مناهج التعليم العالي المعتمدة في الجامعات المحلية حتى الان دون مستوى الطموح حيث انها بلا رؤية ورسالة واهداف واقعية وحقيقة. ان الرؤية والرسالة والهدف يجب ان يتم دراستها من قبل لجان علمية متخصصة من ذوي الخبرة الطويلة تنظر باحتياجات البلد وامكانته وتضع رؤيتها وفقا لذلك وتحدد اهدافها، وبعد ذلك يتم تحديد المناهج المناسبة للنهوض بالتعليم العالي الذي بالتاكيد سيخدم عملية التنمية الصناعية والتكنلوجية في البلد. هناك قصور كبير في عملية تحديد المناهج ، وكما توجد هناك تناقضات كبيرة في المناهج واختلافتها غير المبررة في الاقسام المتناظرة من كلية لكلية ومن جامعة لاخرى ، اضافة الى اختلافات ما بين المنهج المعتمد وما يتم تدريسه فعلا.
اذكر مثالا عن اهمية المناهج التعليمة عندما اطلق الاتحاد السوفيتي اول قمر صناعي له عام 1957 حصلت صدمة كبيرة للحكومة الامريكية مما اضطر الرئيس الامريكي ايزنهاور عام 1958 الى المبادرة بانشاء وكالة ناسا وبنفس الوقت وجهت انتقادات عديدة لمناهج ونظم التعليم في الولايات المتحدة وخصوصا الفيزياء والرياضيات واعادة النظر في ذلك. مما اضطر الولايات المتحدة لاعادة النظر في مناهجها التعليمية والتاسيس لعصر جديد حقق للولايات المتحدة تقدم كبير في مجال الفضاء والمجالات الاخرى.
قبل فترة في قاعة الدرس دخلت في نقاش مع طلبة الدكتوراه لقسم الفيزياء بطرح عدة تساؤلات وهي: -
هل طلبة الدكتوراه يمتلكون من العلم والمعرفة اكثر مما يمتلكه العلماء المفكرون في زمن الدولة العباسية في عصر المامون؟ هل يمتلكون معرفة اكثر مما يمتلكه العلماء والمعلمون في الكنائس والاديرة قبل اكثر من 200 عام ام لا؟!
- كلهم اجابوا بالايجاب.
- فقلت لهم الامكانات بسيطة جدا قبل اكثر من 200 سنة اليس صحيح؟!
- اجابوا نعم؟
- فقلت لهم تم حساب سرعة الضوء اول مرة بشكل تقريبي عام 1676م. فهل يستطيع اخد منكم ان يحسب سرعة الضوء بامكانات بسيطة اليوم؟!
- صمت الجميع.
- فقلت لونصبت لكم خيمة في الصحراء وتم توفير امكانيات بسيطة لكم والطلب منكم باعداد تقويم للسنة الشمسية هل ستتمكنوا من وضعه بدقة؟
- اجابوا بتعجب.. لا
- قلت لهم البابليون واضعوا تقويم دقيق جدا ووضعت تقاويم عديدة قديما ، فلماذا لا نستطيع واضع هذه التقاويم الان؟!
- تعجبوا
للتخلص من هذا العجب يجب اعادة النظر في المناهج العلمية المعتمدة حاليا.
ان بديات النهضة الاوربية ما بين القرن الرابع عشر الى القرن السابع عشر ، حيث ان الامكانات كانت بسيطة في تلك الفترة اي فيما قبل 200 عام تقريبا لكنهم كانوا مبدعين ومفكرين وقاموا ببناء وتصميم العديد من المنظومات والاجهزة بقدراتهم البسيطة ووضعوا اساس النهوض التكنلوجي والصناعي الحالي. بينما وللاسف الشديد جامعاتنا حتى لا يمكن اعتبارها الا فقيرة وغير قادر على توظيف الامكانات المتوفرة في البناء العلمي الصحيح. ولا يمكن ان يقوم الفنيون والتقنيون في مؤسسات التعليم العالي حتى الان ببناء منظومات علمية كالتي تم بناءها قبل اكثر من 100 عام في الجامعات والمؤسسات العلمية الاوربيةّ!!!.
هنا نؤكد على ان لا نركز على الادراك والفهم النظري او اعتماد التجارب والاجهزة المستوردة من الدول المتقدمة وانما محاولة بناء المنظومات وتطوير المنتسبين وذلك بانشاء ورش عمل علمية وفنية وتقنية فعالة في الكليات العلمية لغرض اعتمادها في تطوير وبناء المنظومات العلمية والاجهزة المختلفة واضافة التحويرات والتطويرات للمنظومات المختلفة، والتاسيس لبناء قاعدة تكنلوجية جيدة قادرة على خلق جيل جديد من الخريجين القادرين على الولوج لسوق العمل بخبرات تقنية وفنية وصناعية كبيرة. هنا نؤكد على ضرورة ان تنظر وزارة التعليم العالي في تعديل المناهج بما ينسجم واحتياجات البلد واستثمار كل الامكانات المتوفر في البناء والاستحداث والتطوير. كما نؤكد هنا الى موضوع مهم هو مشروع التخرج للطلبة هذا الموضوع للاسف الكبير لا ينظر له كانه درس اساسي ولا يعطى وزنا مهما في العديد من الكليات والاقسام وانما يكون درس شكلي لا قيمة له وغالبا ما يقوم الطالب باخذ تقرير من النت ويقوم باجراء تحويرات بسيطة عليه ومن ثم تسليمه للقسم على انه مشروع تخرج. بينما هذا الموضوع يمكن اعتباره تتويج لدراسة الطالب والوصول به لمرحل العمل والبحث والانجاز بشكل علمي صحيح.
ان عملية البناء تحتاج الى تخطيط استراتيجي تكاملي وفق رؤية مؤسساتية وليست شخصية تتغير بتغير الادارات. ان عملية تغيير المناهج تحتاج الى فهم ثقافة المجتمع بكافة المجالات الدينية والعادات والقيم والتقاليد والمورث الفكري واسلوب المعيشة وتاثيرات الجغرافيا والبيئة، اضافة لفهم الاحتياجات الفعلية للمجتمع من خدمات وتوفير فرص عمل حقيقية. العمل على ترسيخ قيم تحمل المسؤولية والجدية والنظام وقدسية العمل وقدسية المؤسسة التربوية والتعليمية والمعلمين والمربين وبث روح التعاون والتطوع لخدمة المجتمع والانسانية. وهذا كله ينصب في عملية سامية وعظيمة هي عملية بناء الانسان قبل بناء اي شي اخر. ليس من السهل تحقيق النمو والازدهار والتنمية ببناء مناهج انية لا تنظر بشمولية لواقع الحال وما هو المرجو منها. كما لا يمكن استنساخ التجارب وتطبيقها في بلدنا دون الانتباه للاختلافات المجتمعية والثقافية والبيئية وغيرها من العوامل التي قد تكون سبب اساسي من اسباب الفشل او التراجع وتبديد الثروات.
يمر بلدنا اليوم بمرحلة انتقالية حرجة وصعبة ومهمة جدا ، وبالتاكيد سيتخطها بلدنا بنجاح وهذه المرحلة هي مرحلة الاستقرار والنهوض كدولة شرقمتوسطية اساسية ومحورية. والبلد بحاجة لتظافر الجهود والاعتماد في رسم ملامح المرحلة القادمة على المفكرين والتربويين والمصلحين وتوجيه المؤسسات الاقتصادية في البلد نحو استثمار الطاقات بشكل فعال وايجابي يمكن البلد من النهوض التنموي السليم. ويتوجب ان يكون للتخطيط الاستراتيجي الحكيم الدور العظيم في هذه المرحلة. بالتاكيد لا يمكن معالجة السوء والفساد بضربة عصا فان ذلك يحتاج لصبر ويحتاج لوقت طويل لان الفساد ليس بوجود الفاسدين فقط وانما بوجود ثقافة مجتمع ولادة لهكذا مفسدين، وهنا يبرز دور المؤسسة التربوية والدينية في ترسيخ ثقافات الاصلاح لمجابهة الفساد وتشريع القوانين الصالحة لحماية الانسان والمجتمع. لذا على وزارة التعليم اليوم العمل لاجل اصلاح المناهج بما يتناغم وحاجة السوق والتكنلوجيا في البلد والعمل على رفع مستوى الهيئة التدريسية باقامة ورش العمل المستمرة والدورات ضمن نطاق كليتهم وجامعاتهم لتطوير قدراتهم بشكل جدي وفعلي وحقيقي وليس شكلي غير مستثمر. والعمل على ان يكون عضو الهيئة التعليمية فعالا في تنفيذ افكار ورؤى الوزارة والتزامه بالمناهج المقررة. ونقدها وبيان سلبياتها وايجابيتها بتقرير سنوي يرفع للقسم والكلية لغرض الاستفادة منها ودراستها وتذليل ما يمكن تذليله. ويتوجب اعادة النظر في مناهج التعليم العالي ومقارنتها مع مناهج الجامعات العالمية الرصينة ومقارنة ما بين جتمعاتنا وهذه الجامعات من حيث الامكانات المتوفر من اجهزة ومختبرات وورش عمل وكتب ومواد اولية واستثمارات وعقود واعداد طلبة ودارسين اجانب ومقارنة ساعات الدراسة والعمل البحثي ايضا للوصول الى وضع اسس صحيحة لبناء مؤسسات التعليم العالي بشكل مهني صحيح وفق رؤية جديدة.
اختصرنا وقلنا بكلمات رؤيتنا المتواضعة .. وبقيت لدينا كلمات .. وننتظر كلمات ورؤى لتدخل في سعة فضاء الحوار الهادف لتطوير مؤسسات التعليم.. وخير البلد..
وسوم: العدد 702