دمار في أحياء حلب مأساة مدينة... حي الجديدة... دمار شبه كامل
الجولة الثالثة : حي " الجديدة " ( بتسكين الجيم ) ، من أعرق أحياء حلب ، دمار شبه شامل .
بعد رجوع أهل حلب إلى مدينتهم في 1400 م ، ومشاهدة الدمار الذي خلفه الهجوم البربري لتيمورلنك ، أرتأى أغنياء المسيحيين أن يبنوا حيا خاصا لهم ، في أرض فارغة خارج أسوار المدينة ، فكان حي " الجديدة " ، وبنيت القصور والبيوت الفخمة لهؤلاء الأغنياء الذين كانوا يعملون في التجارة العالمية حينئذ من أوروبا وحتى الهند والصين ، لذلك فإن تلك القصور والبيوت ( أجقباش ، غزالة ، كبه ، صادر ، بليط ، الدلال ....الخ ) تضمنت أرقى الأفكار والإبداعات المعمارية والفنية التي تم التوصل إليها حتى ذلك الوقت ، وصارت مدرسة معمارية فنية لما بعد .
كما يوجد في هذا الحي : " وقف إبشير باشا " ، وهو الآن تلال من تراب ، كان يشتمل على : جامع ومدرسة وقسطل وسوق وقيساريات وخان ومصبغة ومقهى ومخازن وحمام ، واعتمد في تصميمه أرقى ما توصلت إليه العمارة حينئذ مع إضافة إبداعات جديدة ، وعلى سبيل المثال : فقد طبقت قواعد " العدد الذهبي " المعروف منذ آلاف السنين ، تلك القواعد التي طبقت في أشهر الأبنية العالمية التاريخية ، والتي يمكن اختصار الحديث عنها دون الدخول بتفاصيل علمية فنية معقدة بأنها : تسمح للفنان المصمم بخلق كتل وتشكيلات معمارية في حالة تناسق وانسجام بدقة وإحكام ، وذلك بمساعدة قواعد " العدد الذهبي " الذي تتلاقى فيه ذروة الإبداع الهندسي والرياضياتي والفني .
أعتقد اليوم أن نسبة الدمار في حي " الجديدة " تصل إلى سبعين في المئة 70% ، لذلك فإن إعادة إعمار هذا الخراب يتطلب منا فكرا علميا ثاقبا ، وإخلاصا عظيما ، ومحبة للفن ، وشفافية في المشاعر .
ولنا فيما فعل أهل حلب في حي " الجديدة " منذ 500 عام ... أسوة حسنة ودروسا عظيمة ، ونحن أحفادهم وعلينا أن لا نكون أقل حضارة منهم .
لذلك أرى أن علينا :
أولا : دراسة كل الأفكار العلمية والفنية والحضارية التي كانت موجودة في حلب القديمة وتوثيقها للإعتماد عليها في ( ثانيا ) . ثانيا : إنجاز إضافات وتعديلات جديدة تعتمد على الدراسات المذكورة آنفا ، وعلى آخر ما توصلت إليه الحضارات العالمية الحديثة . ثالثا : وأخيرا : إعادة الإعمار لنكون على مستوى المسؤولية التاريخية .
أما إذا كنا ....كما أرى اليوم .... نعمل بأعصاب باردة ، وجهل بذلك التاريخ العريق علميا وفنيا ، وعلى أسس من مصالحنا المادية ، وبتحريك مسرحي تمثيلي لأدوات إعلامية دعائية لا أكثر ولا أقل ، فأعتقد عندئذ أن التاريخ لن يغفر لنا ، وسيسحقنا ... وستصبح حلب : حضارات سادت ... ثم بادت ، وأتمنى أن لا يكون المستقبل كذلك .
حلب. 19/ 1 / 2017 .
لؤي داخل / باحث في الفن الإسلامي وحضارات حلب .
وسوم: العدد 704