القضيّةُ السوريّة بين الناجزِ، و المُتاح من الحلول

من غيرِ عناءٍ يمكنُ للمراقبين رصدُ رؤيتين إزاء الحلول في القضية السوريّة؛ للخروج من الحالة التي تشهدها منذ ما يقرب من ست سنوات.

تتمثَّل الأولى منهما في التمسّك بالحلّ الناجز، الذي يأتي على النظام بكل أركانه، و تحديدًا في المؤسستين: العسكرية و الأمنية، فضلاً على السياسية ممثلة بالرئيس و مَنْ يلوذ به.

و يغلب على هذه الرؤية جماعتان:

1ـ جماعاتُ الجهادية العالمية، التي تذهب في أدبيّاتها إلى النواتج الحدّيّة: النصر، أو الشهادة، و لا ترى في الحلول الوسط مطلبًا يمكن السعيُ إليه أو الرضا به، و هذا أمرٌ شائع لدى مَن يصبغ معاركه، و أنشطته بالصبغة الدينية، فالحلول السياسية التي يذهب وراءها ممثلو الفصائل المحليّة لا تروق لهم، ناهيك عن أن هذه الجماعات لا يعنيها ـ وفق مشروعها ـ أن ترى نهاية لحالة الاحتراب في سورية، في ظلّ حالة من التجييش العاطفي غير المسبوقة، التي حظيت بها لدى شرائح من السوريين المحبطين من الخذلان الدوليّ لهم.

2ـ جماعاتٌ محليّةٌ، يهيمنُ على رؤاها منطقُ الرغبات المطلقة، البعيدة عن الانصياع لما هو متاحٌ من الإمكانيّات المتيسرة بين يدي المعارضة، صحيحٌ أنّها تقفُ ممّا يجري للسوريين موقف المتألم الصادق، بيدَ أنّ أمنياتها لهم بالنصر و التمكين يغلبُ عليها قلّةُ الحيلة، و نأيُ المسافات.

في حين أنّ أصحاب الرؤية الثانية، الممثلين للفصائل المحليّة قد نظروا إلى تطورات المشهد بعد انتكاسة حلب، و قدّروا أنّ ما بعدها مغايرٌ بالكليّة لما قبلها، فمالوا إلى الجلوس مع الروس، بمشورة من حليفتهم تركيا، في مسعى منهما للتخفيف من تداعياتها على مستقبل قضيتهم، فذهبوا إلى الأستانة في تلمّس غير خافٍ للحلول المتاحة؛ فقامت القيامة في وجوههم، و أخذت الأمور تتجه اتجاهات مؤلمة بحق عدد من فصائلهم في إدلب، باندفاعة جامحة من جماعات الجهاديّة العالميّة، و تراخٍ من تلك التي انضووا تحت جناحها في لحظة ضعف لا يُحسدون عليها.

إنّ الذي أحاط بالقضية السوريّة بعد انتكاسة حلب، من تغوّل مبيّت نحو الفصائل المحلية، التي رأت في الحلّ التفاوضيّ سبيلاً لحرف مخططات النظام و حلفائه الإيرانيين و ميليشياتهم عن مسارها، في تتبع فلولهم باتجاه محافظة إدلب؛ لأمرٌ يدعو إلى كثير من المراجعات، فبين عشية و ضحاها يُطبق دعاة الجهادية العالمية عليها، و تتوقّف الجمعيات الغربية عن برامجها الإغاثية في مناطق الشمال عمومًا، لتنطلق برامج إغاثية أخرى لتلك الجماعات مكانها، ثمّ تعلن بعدها جبهة فتح الشام عن إعتاق جند الأقصى من بيعتها لها، فتقوم الأخيرة بمداهمة مقرات خصومها من فصائل الحر و الأحرار في مناطق شمال حماة و جنوب إدلب، و تشرّد بهم و تستولي على مقراتهم و مخازن ذخيرتهم، ثم تفتح بعدها جبهة الساحل على نحو غير مفهوم.

إنّ في ذلك كلّه فيما يرى المراقبون استجلابًا لحلول ما عاد يطيقها السوريون، و السيرَ بهم في نفق حالك الظلمة، دونما التفات إلى مصالحهم: شعبًا، و دولةً، و قضيةً.

وسوم: العدد 707