الدولة الواحدة خيار العاجز ومؤشر الافلاس
تداول أصحاب خيار المفاوضات، مصطلحا سياسيا جديدا، كبديل لخيار حل الدولتين، فحواه خيار حل الدولة الواحدة كلعنة ستطارد الاحتلال.
الحديث جاء على لسان أكثر من قيادي في السلطة الفلسطينية وحركة فتح، يتوعد الاحتلال بهذا الكابوس الذي يمكنه نسف الحلم الصهيوني على هذه الأرض، تزامن ذات الرأي مع حديث لقيادات في اليسار الصهيوني، كقيادات في حزب العمل وحركة ميرتس.
قوام المصطلح بحسب هذه القيادات، يقوم على العنصر الديمغرافي (ارتفاع عدد الفلسطينين بين النهرين على عدد اليهود) بالإضافة إلى فرضية فصل المؤسسات الدولية في شكل الحكم بين مالك الأرض، والاحتلال عليها، مما سيؤسس لحكم ديمقراطي، انتخابي مفتوح يضبط الايقاع فيه الأغلبية.
هذا الحديث يعبر عن أحلام مغرقة بالخيال، وأفلاطونية، فاقت ميثالية المدينة الفاضلة، التي تقوم في مبناها على قواعد الانسانية كمسلمات للكمال.
من أشبع غريزة الانتقال إلى مربع ينفي فيه الفشل عن مشروعه التفاوضي البائس، أراد الانتقال بنا إلى شعار جديد، نحو الدولة الواحدة، ليوفر وجودا سياسيا جديدا بعمر 25 عام، حينها سيكون ما تبقى من أمل قد مات.
الحقيقة التي يحاول أصحاب هذا المشروع تناسيها، أن الاحتلال جاء على الأرض الفلسطينية كمشروع غربي، وأهلها الفلسطينيين الأغلبية.
فأسس من خلال المجازر وشرعية الغاب دولته، ومضى على ذات السياسة حتى يومنا هذا، بل استمر بطرق أشد عمقا في الاجرام، عبر ما يعرف بشرعنة الاستيطان، واقتلاع الفلسطيني من أرضه كما يجري في النقب والداخل الفلسطيني، بل يمارس منهجية التهجير القصري كما هو الحال في القدس، والخنق كما هو الحال في قطاع غزة.
حتى حلم العودة اليوم وحق الفلسطيني فيه، بات اليوم مستهدف من أساسه، إذ لا يمكن تفسير أداء الأمم المتحدة التي رفعت يدها عن المخيمات وسلوك بعض الدول ومنها العربي إلا في هذا السياق.
حل الدولة في مبناه مرتج، بل يعبر عن استهبال سياسي من العيار الثقيل، للشعب الفلسطيني، ولمنظومة العمل الوطني، بل يعبر للاسف عن حالة من الخفة تمارسها النخب السياسية ضد الشعب الفلسطيني.
أصحاب شعار المفاوضات والغزوات الدوبلوماسية، عليهم الاعتراف اليوم، خاصة بعد لقاء نتنياهو اترامب الأخير، وفي ظل محاولة تشكيل رباعية العرب إلى جانب إسرائيل، بهدف تعزيز محور يواجه طهران المتمددة عبر الكراهية والطائفية في الشرق العربي، على حساب رؤية الولايات المتحدة القديمة القائمة على اعتبار الشرق مزرعتها والحارس فيه اسرائيل، أن خياراتهم(فريق أوسلو) بائسة ومشروعهم قد انتهى.
الاعتراف ليس كافيا في هذه المرحلة، بل على بنيتهم القائمة والتي رسخت حالة الضعف للشعب الفلسطيني، تصحيح مسارها وفق قواعد لا يمكن تجاوزها من خلال الآتي:
أولا: إعادة بناء منظمة تحرير على قواعد وطنية ضمن سقف سياسي وبرنامج يصحح خطيئة الاعتراف باسرائيل.
ثاينا: ممارسة سياسية تضع المقاومة أساس التحرك الفلسطيني وتدمج الخيارات السياسية تحت سقف المقاومة لا العكس.
ثالثا: إعادة برمجة الثقافة الوطنية بعد خديعة الحلول السلمية والاعتراف بالاحتلال وبناء المنظومة المؤسسية على هذا الركن.
رابعا: وقف الممارسات اللاوطنية، كالتنسيق الأمني وغيره، واعتباره حالة انحراف مضت ولا يمكن المضي بها.
خامسا: ضرورة العودة بالمواطن للثقة في الحركة الوطنية الفلسطينية، بعد قناعته أي المواطن، بأن الحالة السياسية ما هي إلا دكاكين خاصة لفاسدين بنوا مصالحهم وشهواتهم عبر ما يعرف بمسمى التاريخ النضالي.
هذه الخماسية وإن بدت قاسية، لكن هي الحكاية وهي البداية، وإلا كيف يمكننا اقناع الجماهير الوطنية، بأن سلوكنا السياسي منذ مدريد، قد انعدل، وأن خديعة النجاح التي ظهرت للعيان قد تم تسويتها.
حديثنا لا يدفع الناس للاحباط، ولا نقصد به خلق التشاؤم، بل أردناه واضحا من غير مواربة، ولا تجميل..... غضب من غضب... ورضي ومن رضي، لأن الأمانة التي نحملها ككتاب تفرض علينا بيان الكارثة التي نحن عليها، لعلنا نصل الى مساحة صدمة تعيد الوعي المندثر هذه الأيام.
وسوم: العدد 708