لماذا تضغط الأمم المتحدة لشرعنة بقاء الأسد؟
تكرّرت مواقف عديدة لمسؤولين مختلفين للأمم المتحدة تصبّ كلها، بطريقة أو أخرى، في خانة الدفاع عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد بحيث تحوّلت المؤسسة الأممية إلى شريك معلن في الجريمة التي يمثّلها بقاء نظام استنفد كل مقوّمات شرعيته وثبّت على نفسه، بطرق أكّدتها مؤسسات للأمم المتحدة ومنظمات حقوق إنسان، تهم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب ضد مواطنيه والجرائم ضد الإنسانية، وهو تناقض مذهل بمقاييس الأمم المتحدة نفسها.
جاء آخر هذه المواقف من ستافان دي ميستورا المندوب الأممي لسوريا من خلال ضغطه على وفد المعارضة السورية بمحاولة مساواة ما يسمى بمنصتي القاهرة وموسكو بوفد المعارضة الرئيسي بحيث يصبح للمعارضة ثلاثة وفود، أحدها محسوب أصلاً على روسيا التي هي طرف رئيسي في الصراع وهو واضح ليس بأجندته السياسية الداعمة للأسد ونظامه بل كذلك بطائراته وبارجاته الحربية وصواريخه التي تنهمر على المشافي والمخابز والتجمعات السكانية في المدن والبلدات والمناطق السورية، وبتحالفه الوثيق مع إيران صاحبة أجندة التغيير الديمغرافي الطائفي والدعم المطلق للنظام، فيما تحتمي المنصّة الأخرى بنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عبّر أكثر من مرّة عن دعمه لـ«وحدة الجيش والمؤسسات السورية»، وهي الصيغة الملطّفة للنظام السوري الذي أفرغ المؤسسات والجيش من معناهما وحوّلهما إلى عصابات وحشية أفلتها على شعبه.
وفد المعارضة السورية الذي أسقط في يده بعد إحساسه بوقوعه في كمين أممي اضطر للموافقة على رغبة موسكو (… وإيران والنظام) التي كان دي ميستورا قد عبّر عنها بطلبه ضم ممثلي القاهرة وموسكو إلى وفد المعارضة وأيّاً كانت النتيجة فإن مطلوب النظام السوري وحليفتيه إيران وروسيا يكون قد تحقّق باستكمال خلخلة وتهشيم أركان المعارضة السياسية من خلال تطعيمها بشخصيات قريبة على النظام، فيما يستكمل النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون وأدواتهم اللبنانية والعراقية في الداخل عملية تهشيم المعارضة العسكرية وتهجير وتجميع حواضنها الشعبية إلى إدلب (ليكون دورها تالياً) أو حصار وقصف وتجويع باقي المناطق المتمردة.
لم يكتف دي ميستورا بذلك بل إنه استخدم، بحسب وكالات الأنباء، تهديدات رئيس النظام السوري للمعارضة لتطويعها بقوله في اجتماع مغلق «إن فشلت المفاوضات سيفعل الأسد بإدلب ما فعله بحلب»، وهو ما يمحو الفارق بين خطاب المنظمة الأممية وخطاب النظام نفسه.
تلغيم وفد المعارضة وإجبارها على الجلوس مع طابور خامس تم تأليفه في موسكو والقاهرة يضاف إلى السقف المفروض عليها للتفاوض وهو القرار 2254 الذي لا يتناول الموضوعة الأسّ لكل ما حصل في سوريا: الانتقال السياسي بل يحافظ على الأسد كرئيس يقود «المرحلة الانتقالية» المفترضة.
تقوم «طبخة» جنيف 4 السياسية إذن على فرضيّة إخضاع المعارضة السياسية كمحصّلة واقعية للتراجعات التي تعرّضت لها المعارضة العسكرية وخصوصاً بعد سقوط مدينة حلب في يد النظام، وإذا كان الاستعجال الروسي لإدخال المعارضة السياسية في ثقب إبرتها للتسوية مفهوماً فإن غير المفهوم هو استعجال الأمم المتحدة ومسؤوليها، وعلى رأسهم دي ميستورا، في اختراع تسوية غير ممكنة تستند إلى قرار واحد كان محصّلة لتقارب إدارتي بوتين وأوباما في الملف السوري وتلغي القرارات السابقة ووثيقة جنيف 1 التي كان الانتقال السياسي الذي يفضي إلى خروج الأسد من السلطة أهم أركانها.
يقوم موقف دي ميستورا على فهمه لموازين القوى الحالية في سوريا التي تميل للنظام ولكنّه بدفنه قرارات الأمم المتحدة ومواقفها السابقة والسياق الأخلاقي والقانوني والإنساني للأزمة التي نتجت عن الثورة على نظام طاغية، يقوم بدفن شرعة الأمم المتحدة ومعناها المفترض.
وسوم: العدد 709