إيران والضربة العسكرية الأمريكية لسورية
ما حدث بعد (خان شيخون) كان بمثابة مناسبة غير سارة ومزعجة للإيرانيين بعد انتهاء الاحتفالات بعيد (النوروز)، حيث بات يستشعر النظام الإيراني خطر ما يجري عليه مباشرة، أو على حلفائه ووكلائه؛ ولا سيّما (حزب الله) الذي صدرت له الأوامر بإعادة الانتشار والابتعاد عن الأنظار، لقد كانت حادثة (خان شيخون) شبيهة بلعنة حلّت على النظام السوري وحلفائه، وفخ نصبته إدارة (ترامب) بعد إعلاناته وتصريحاته المتكررة التي فُهم منها نأي هذه الإدارة بنفسها عن الأزمة السورية، وعدم الانخراط بها بشكل مباشر، بل والحياد عن الجدل في بقاء النظام أو رحيل رئيسه، وترك مهمة ذلك؛ ليقرره (بوتين) وحلفاؤه .
لقد حاولت طهران -فيما سبق الضربة الصاروخية الأميركية - بكل الوسائل والطرق قلب ميزان القوى على الأرض السورية من خلال الدفع لمشاركة حلفائها بكثافة في أسرع وقت ممكن للاستثمار سياسياً في الموضوع ، على مبدأ أن قلب الوضع الميداني لصالح النظام سيصب في صالح إيران والميليشيات المسلحة التابعة لها، خصوصاً بعد التهليل لانتصارات حلب، ومما زاد في رفع معنوية الإيراني لدفع النظام السوري لتصعيد الأمور واستخدام الكيماوي مع بقاء فرضية تزويد طهران لنظام (بشار الأسد) واردة جداً، هو نأي إدارة (ترامب) بنفسها عن مواجهة نظام الأسد، وانشغالها بملف مكافحة الإرهاب من خلال قيام واشنطن بزيادة عدد قواتها في الشمال السوري تمهيداً لمعركة الرقة، الأمر الذي اعتبرته طهران بمثابة غض الطرف عن جرائم النظام وعملياته العسكرية، و تغيراً في السياسة الأميركية إزاء سورية من خلال النظر لهذه الأزمة من منظور الاستعداد لمقارعة الإرهاب فقط، واعتبار قوات الأسد بيدق لتحقيق هذا الهدف، مع التسليم بحقيقة استحالة الضربة العسكرية الأميركية، التي ستؤدي إلى الصدام العسكري الأميركي - الروسي، مما أغرى طهران دفع الأسد من أجل التصعيد، واستخدام الكيماوي في خان شيخون .
وهذه التنبؤات الإيرانية كانت تتقاطع أيضاً مع إعلان فرنسا وبريطانيا أنها معنية بموضوع مكافحة الإرهاب أولاً في سوريا، وبات الإيراني يُعيد رسم إستراتيجيته وفق تصعيد التدخل العسكري مستفيداً مما جرى في روسيا، ولا سيّما بعد العمليات التي ضربت المترو في (سان بطرسبرغ)، وهو ما سيدفع موسكو بقوة إلى تقديم الدعم لجيش النظام السوري لارتكاب المزيد من المجازر والمذابح .
الضربة الصاروخية الأميركية : رؤية إيرانية :
تعتقد طهران سياسياً أن المنطقة باتت في حالة حرب وتصعيد نوعي في الأحداث، حيث وصفت وسائل الإعلام الإيرانية- على لسان مسؤوليها - أن هذه العملية تُمثل حرب (ترامب) الأولى، ملمحين إلى وجود حروب أخرى في الطريق، مع التركيز على أبعد من كون العملية الأميركية هي مجرد امتصاص للضغوط الداخلية، ومحاولة للهروب وتوجيه الأنظار للخارج؛ مع عزائها بأن (ترامب) قد اختار عملية عسكرية محدودة تختلف عن الاقتراح الذي كان أمام أوباما الذي كان بحجم حرب تدمير للبنى التحتية العسكرية والإستراتيجية في كل سوريا، مع التنبؤ بأن العمل العسكري الذي تبناه (ترامب) لن يكتفي بعملية واحدة؛ بل إن مسار العمليات ستتجه نحو التصعيد في المستقبل القريب، وربما سيطال إيران بشكل مباشر ، لهذا طالبت بعض الأصوات الإيرانية بتوفير إجراءات جديدة لحماية المصالح والأهداف الإيرانية في سوريا كالبعثات الدبلوماسية، وأمن المستشارين العسكريين، وحماية القطاعات الإيرانية الحيوية، وعدم الزج بها لتكون في الواجهة ...... .
تعتقد إيران بأن الولايات المتحدة قد دخلت إلى بوابة المفاوضات السياسية بشأن الحل في سوريا من خلال المسار العسكري، الذي سيؤهلها للجلوس على المقعد الأول مقابل الروسي فقط، وهنا بيت القصيد الذي تخشاه طهران، من أن يؤدي ذلك إلى تسوية روسية أميركية بعيداً عن أنظار طهران، ولا يلامس مصالحها.
الموقف الرسمي الإيراني كان متشائماً، واعتبر الضربة العسكرية الأميركية عمل "غير مسؤول وخطير"، وأنها ستؤدي إلى تقوية الإرهابيين وتشريد مزيد من الشعب، وستؤدي إلى إضعاف المبادرات الشاملة لإنهاء الإرهاب والتطرف في سوريا، ولاسيّما الإجراءات التي يتم العمل عليها في الأمم المتحدة، وسيقود إلى تأزم الأوضاع في سوريا والمنطقة كافة، وستكون فاتحة لتوتر كبير وخطير على مستوى المنطقة، وستزيد من تعقيد الأوضاع على مستوى العالم، وبهذا تقاطعت رؤيتها مع البيان الذي أصدره حزب الله تعليقاً على الضربة الصاروخية .
خطوط إيران الحمراء بعد الضربة الصاروخية الأميركية :
لا شك بأن قراءة طهران العسكرية للضربة الصاروخية الأميركية مضطربة وضبابية، حيث أنها لم تستهدف المنشآت الحيوية العسكرية السورية، وقواعد النظام الإستراتيجية، هذا ما عدا أن دبلوماسية الخط الساخن قد تمّ توظيفها للتواصل الأميركي مع الجانب الروسي دفعاً لأية مواجهة، حيثُ تمّ إبلاغ الجانب الروسي بها، والذي قام بدوره بإعلام إيران وحلفائها بها، مما مكن النظام السوري من سحب جزء كبير من قوته من هناك .
حسب الرؤية العسكرية والاستخباراتية الإيرانية، ما جرى لا يعني أن لا تسعى إدارة (ترامب) لشن غارات جوية جديدة ضد جيش النظام السوري أو حتى قياداته، أو حتى حلفائه، وفي مقدمتهم إيران ومليشياتها ، ولكن السؤال هل ستقوم موسكو بتوفير غطاء من خلال أنظمة الدفاع الجوي الروسي لحماية حلفائها في سوريا ؟.
بالمقابل تتحسب إيران من استخدام واشنطن لطائرات الشبح مثل F-22 وB-2 سبيريت لمحاولة الهروب من الدفاعات الجوية الروسية، وتوجيه ضربات للنظام وحلفائه، وهنا نقصد إيران ومليشياتها .
السيناريوهات المرعبة بالنسبة لإيران : إنشاء منطقة حظر جوي فوق سوريا
تتحسب طهران بعد الضربة الصاروخية الأميركية من فرض واشنطن لمناطق حظر جوي على قوات النظام وحلفائه، ولكن هذا الأمر يتوقف بشكل كبير على التوافق الروسي الأميركي أولاً، والتوافق مع الدول التي تشترك بجبرية جغرافية مع الأزمة السورية، وتوفر الدعم المالي الخليجي والدولي لإنشائها .
تُراهن طهران على استحالة تحقيق التوافق الأميركي - الروسي ضمن الظروف والمتغيرات الحالية، وبقائها ضمن مربع الصراع والتوتر ، وبالتالي استحالة تحقيق هذا السيناريو ، مما يدفع طهران ومليشياتها القيام بعمليات عسكرية واسعة لتحقيق أكبر مكاسب على الأرض استباقاً لمثل هكذا سيناريو .
العمل على إنشاء مناطق آمنة :
أحد السيناريوهات المتوقعة ، وهو يقوم أساساً على احتمالية إعلان الولايات المتحدة عن إنشاء عدد من المناطق الآمنة؛ خاصة بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي (ريكس تيليرسون )، إن الإدارة تدعم فكرة وجود مناطق استقرار مؤقتة داخل سوريا حيث يستطيع اللاجئون التحرك إليها، لكن - حسب الرؤية الإيرانية – فإن إنشاء هذه المناطق تتطلب الدفاع الجوي عن تلك المناطق، ما قد يؤدي إلى تأزم الأوضاع، و يثير احتمالات الاشتباك العسكري مع روسيا، وتضع في الحسبان صعوبة التوافق الروسي الأميركي بشأنها في القريب العاجل، واحتمالية الاشتباك المباشر، والكلف العسكرية والمالية الضخمة لإنشاء مثل هكذا مناطق، مع صعوبة تدمير تنظيم الدولة وفق مثل هكذا سيناريو، وأهمية التعاون والتنسيق مع إيران لضمان نجاحها .
إرسال القوات العسكرية البرية " التحالف السني " إلى سوريا :
غالباً ما تشير التسريبات الإعلامية الإيرانية عن إرسال واشنطن بالفعل لقوات خاصة أمريكية، ومارينز، ورينجرز إلى بعض المناطق في سورية، للاستعداد الفعلي لشن هجوم واسع النطاق على محافظة الرقة، عاصمة تنظيم "داعش"، فعلياً تدرك طهران تماماً أن القضاء على تنظيم الدولة سيتبعه استهداف للقوات والمليشيات التابعة لإيران، بعد تعهد (ترامب) بالقضاء على النفوذ الإيراني في سورية أولاً والعراق ثانياً .
طبعاً مع استبعاد "إيران " أن تقوم أمريكا بعملية برية واسعة النطاق هناك مثلما قامت في العراق في العام 2003م، بل ستعتمد على قوات تركية، سعودية، أردنية .... " الحلف السني " لمواجهة إيران، مما سيتطلب من طهران ضرورة تبني إستراتيجية مستعجلة لمواجهة ذلك، وهو ما سنبحثه في المقالة القادمة .
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 715