حول أحكام الإعدام بالجملة في مصر
منظومة فساد وليس جنون قاض
وماذا عن ترويع المصريين والمصريات ؟!
زهير سالم*
مرة أخرى يتخبط القضاء المصري ، الفاسد من ساسه إلى راسه ، تخبط الذي مسه الشيطان ، فيخرج علينا بحكم من أحكام الإعدام الجماعية ، بالجملة ، لا نظن أن تاريخ المدنية الإنسانية عرفت لها مثيلا منذ أن عرفت المدنية الإنسانية الحكم والقضاء لا عند النازيين ولا عند الفاشيين ولا حتى في محاكم التفتيش .
وأغرب ما في الأمر واعجبه وأشده إثارة للضحك كالبكا ، أنه ما زال أقوام من هنا وهناك يحسبون الحكم الهستيري المجنون ، على فرد في منظومة ولا يزالون يشفعون لها ، ويدافعون عنها ، ويتلمسون الأعذار لجرائمها !! هذه المنظومة ، منظومة القضاء المصري بجملتها ، ولن نقول بكل فرد فيها ، هي التي كانت الجسر الذي وئدت عليه ثورة الشعب المصري ، التي كانت أمل شعوب الأمة ، وهي التي كانت المعبر الذي عادت عليه منظومة الاستبداد والفساد والخيانة والغدر والدسيسة واللؤم لتتحكم بحياة الشعب المصري ، وبمصير أجيالهم ..
وحين يصدم هؤلاء الفاسدون والمفسدون بهول الخبطة التي يتخبط بها القضاء الممسوس وهو يصدر أحكام الإعدام بحق ابناء مصر أرسالا زرافات ووحدانا دون أي إدراك للأبعاد الإنسانية لهذا العهر القضائي وانعكاساته على النفوس البشرية للضحايا المساكين وأسرهم من أمهات وزوجات وبنات وأبناء ، يبدؤون بامتصاص هول الصدمة بالتخفيف من وقعها بكلام من نوع أن هذه الأحكام لن تنفذ ، وأن وراء هذه المحكمة محاكم أعلى ، وأن محكمة النقض لهذه الأحكام بالمرصاد ، وأن أكثر المحكومين يحكمون غيابيا وستعاد محاكمتهم بمجرد توقيفهم ..
إن الالتزام الإنساني والالتزام الشرعي الإسلامي والالتزام القومي العربي يوجب علينا أن نقول للحق والحقيقة كلمة لا يجوز أن تغيب عن السياق
إن ما يجري في مصر ليس صرعة قاض كما يحاول أن يصورها البعض . بل هو منهج لمنظومة قضاء مسيس وفاسد تابع فساده كل أبناء الأمة .
تابعت الأمة أجمع فساد مؤسسة القضاء المصري في تصرف رئيس المحكمة الدستورية العليا حين قبل التكليف بموقع رئاسة الجمهورية من عسكري انقلابي خارج إطار الشرعية والقانون . كما تابع أبناء الأمة فساد منظومة القضاء المصري في أحكام المحكمة الدستورية العليا التي أبطلت انتخابات شرعية بذرائع واهية وتركت وطنا بأسره يموج في حالة فراغ قانوني ، كما قبلت بحل مجلس شورى منتخب ، وإبطال دستور مستفتى عليه بإشرافها نفسها . وكانت هذه المحكمة نفسها هي التي تصدت لكل التصرفات الدستورية والقانونية الشرعية للرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي – فك الله أسره – .
وتابعت الأمة كلها فساد منظومة القضاء المصري في سلوك النائب العام الفاسد والجهات التي حمته ورعته ، هذا النائب العام الذي حمى الرئيس المخلوع وعصابته ، وتعاون مع القضاة الفاسدين على طمس مظلومية الشعب المصري على مدى ثلاثين عاما ، وتمكين القتلة والسراق والفاسدين من الإفلات من العقوبة ، بمن فيهم أولئك الذين قتلوا موقوفين أبرياء خنقا في سيارة التوقيف .
وتابع أبناء الأمة أجمع فساد منظومة القضاء المصري في سلوك أعضاء نادي القضاة الذين حاولوا جهدهم منع تمام عملية الانتخابات وعملية الاستفتاء على الدستور ، برفض الإشراف على الصناديق وفي التشويش على كل القرارات التي كان يتخذها الرئيس الدستوري المنتخب والتصدي لكل ما يصدر عنه من إعلانات دستورية تضع مصر على طريق الشرعية الدستورية والقانونية على السواء ..
وتابع أبناء الأمة أجمع فساد منظومة القضاء المصري في هذا الصمت المريب الذي تمارسه هذه المؤسسة إزاء جميع الانتهاكات التي ترتكب بحق الإنسان المصري وحق الشرعية وحق الدستور وحق القانون في مصر ، وأقل هذا الصمت الصمت على جريمة هذا القاضي ( العاهة ) الذي سبق له أن حكم أكثر من خمس مائة إنسان بالإعدام خارج إطار القانون ولم يستقبل فعله بما يستحق من استنكار وإجراء ..
ثم إننا لا نرى أن أحكام هذه القاضي الفاجعة من الناحية القانونية ومن الناحية الإنسانية تتم بمعزل عن إرادة الطاغية الأكبر الذي ما زال يحكم مصر من وراء ستار . بحذائه العسكري الغليظ الذي دقت مساميره بإحكام في واشنطن وتل أبيب . إنها سياسة الترهيب بالصدمة التي يريدها هذا الطاغية والتي يريد من خلالها بث الذعر والرعب في قلوب أبناء مصر ..
إن اللالتزام الإنساني والالتزام الشرعي الإسلامي والالتزام القومي العربي يفرض علينا أن نستنكر وندين هذا العبث بمشاعر الأبرياء ، وهذا الحجم من الترويع للضحايا ومن ورائهم آلاف الأمهات والاباء والزوجات والبنات والأبناء . إن من سمع صرخات الخوف والذعر تنطلق من أفواه الأمهات والزوجات والبنات ، ومن رأى صورة الخوف وقد روعهم النطق بالحكم بحق أبنائهم لا يمكنه أبدا أن يقبل بمثل هذا العبث بمشاعر الناس والاستهتار بقلوبهم ..
إن احكام الإعدام وإن كانت باطلة حين تخرج من فم القاضي قرينة الإيهام بالموت حين تتم في أعماق الزنازين على يد جلاد ..
إن ما صدر عن القاضي العاهة في المنيا للمرة الثانية هو عار يجلل الانقلابيين ومن سار في ركابهم أو أيدهم او سكت عن مشروعهم ، عار يجلل مؤسسة القضاء المصري ، بكل قضاتها ومحاكمها إلا من برئ وأبى .....
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية