صناعة الغلو والتطرف
الاستبداد ... والفساد ...وعلماء السلطان
فأين البديل ؟!
زهير سالم*
الغلو في لغة العرب هو تجاوز الحد ، والغلو حال نفسي يلزم بعض الناس فيغلب عليهم أو يغلبهم على عقولهم وقلوبهم فإذا هم يغلون في حب أو بغض أو فعل كما تغلي القدر ، حتى يتحول أحيانا إلى نوع من الهوس والوسواس القهري الملازم . والغلو يكون في العقائد و الأفكار كما يكون في المشاعر وفي السلوك والتصرفات .
يرافق الغلو في بعده النفسي ، الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والديني، من العقائد والأفكار والمشاعر ويكون في السلوك والتصرفات . وكما يقول رجل لامرأة يعشقها : أشهد أن لا امرأة إلا أنت .. يقول غال في دينه يريد أن يقيم الإيمان على حرف يختاره : لا مؤمن إلا من قال بهذا أو فعله . ثم أليس البخل غلوا في حب المال؟! والتهور غلوا في الشجاعة ؟! والرهبنة غلوا في التطهر مما يظن أنه الإثم ؟! والتقديس الزائد غلوا في التقدير والاحترام ..؟!
والغلو في حقيقته مظهر من مظاهر الضعف الإنساني يصاحب البشر في الكثير من عقائدهم وأفكارهم ومواقفهم النفسية وسلوكاتهم العملية . ولكن أخطر ما في الغلو هو الغلو في أمر الدين وهو الذي نعاني اليوم من مخاطره وآفاته ..
والغلو في الدين ليس كله خطيرا على الحياة العامة للناس بطريقة مباشرة فهو في بعض جوانبه يذهب في طريق السلوك الفردي الرهبنة والزهد والانطواء على الذات ..
الغلو الذي يعاني العالم منه هو تلك الغاشية التي بدأت تغشى المجتمعات المسلمة ، وبشكل خاص جيل الشباب المسلمين ، الذين بدؤوا يتظاهرون ( يكون بعضهم لبعض ظهيرا ) في رفض النظام العام المفروض على المجتمعات المسلمة ، وللممثلين لهذا النظام من حكومات وإدارات قادت الأمة خلال قرن مضى إلى الواقع التي هي فيه . ويمتد هذا الرفض ليشمل الإطار العام الذي يحتوي هذا النظام ويدعمه ويغطيه .
إن تصوير الواقع الذي قادت هذه الحكومات والإدارات المجتمعات والدول العربية إليه لا تحتاج إلى الكثير من براعة . ندعو المعنيين بالحقيقة والباحثين عنها إلى مراجعة تقارير وإحصاءت منظمات ومؤسسات ( التنمية البشرية ) والمنظمات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة ، ولمنظمات المجتمع الدولي ذات المصداقية العالمية .
ولا نريد أن نتعلق بالبعد السياسي لواقع الدول العربية مكانتها وعلاقاتها فقط ، ولا نريد أن نربط القضية بمسارات ما جرى ويجري على الأرض الفلسطينية ، ولا نريد أن نتساءل لماذا أصبحت إيران دولة ذات شأن وهيبة يخافها ويرجوها الملوك والأمراء والرؤساء وهي لم تكن كذلك منذ عقود ؟! وإنما نريد أن نذهب لنتساءل : لماذا مع كل ما أفاء الله على مجتمعاتنا من خير ما تزال الكثير مدننا الكبرى بل وعواصمنا في بعض الأحيان بدون بنية تحتية صالحة ؟! ولماذا ما تزال عشرات الآلاف من الأميال من طرقنا الرئيسية والفرعية غير معبدة ؟ ولماذا ما تزال الأمية تضرب خيامها بين ظهرانينا؟ ولماذا ما تزال مدرستنا وجامعتنا متخلفة عن العصر ؟ ولماذا ما تزال مستشفياتنا دون المستوى المطلوب ، ومريضنا لا يجد الدواء ، وطفلنا لا يجد رضعة الحليب ؟ لماذا لا يوجد عندنا صحفي واحد مقيم في وطنه يستطيع أن يسأل الرئيس أو الأمير أو الملك : لماذا ؟ أو كيف ؟ أو متى ؟ لماذا ؟ لماذا ؟ ... يتساءل هذا الشباب فلا يجد جوابا إلا في تاريخ مجيد يقرؤه بأعين وردية مثله الإسلام عقيدته وشريعته ورجاله ..
رجاله القادة الذين يقول أحدهم وقد قيل له : اتق الله ..لا خير فيكم إن لم تقولها . ورجاله السادة الذين يقول أحدهم للخليفة أو للأمير ليس من مالك ولا من مال أبيك ..
استبداد أسود مطلق تعالى عنه كل مستبدي الغرب من صاحب خطاب ( أنا الدولة ) إلى النازي هتلر أو الفاشي موسوليني أو البلشفي ستالين ..
بينما المجتمع الدولي هو المستفيد الأول من استبداد هؤلاء المستبدين بتدمير قدرات أمة ، ما زالت تعتقد أنها أمة حضارة ، يتم إخراجها قهرا من مضمار المتنافسين ..
وفساد معانق تحتلب دول العالم وقياداته ضرعه من أكف هؤلاء المستبدين الفاسدين لتضيع ثروة الأمة دون أن يكون هناك من يسأل : من أين..؟ وإلى أين ..؟ وكيف ...؟
كل الصفقات المريبة التي يعقدها فاسدو هذه الأمة يكون على طرفها الآخر فاسدون من الأمم الأخرى ، وأحيانا يعملون لصالح دولهم وأحيانا لصالح أشخاصهم وأحيانا يزاوجون ، كل هذا على حساب جوع الشعوب وحاجتها ..
ويكمل منظومة الاستبداد والفساد فريق من الأدعياء يأكلون الدنيا بالدين ( سماهم ووصفهم لأمته رسول الله صلى الله عليه ) طبقة من العفن الأخضر تطفو على وجه الرغيف الطري ، لم يسمعهم شاب مسلم يقولون يوما لمستبد فاسد : لم ؟!
هذا الواقع بكل مأساويته رافقه انغلاق أفق قال فيه المجتمع الدولي بكل مؤسساته لشباب الأمة من خلال الحالة المصرية والحالة السورية : أنتم محكومون بالبقاء في قرارة المهانة إلى أبد الآبدين وخياركم : تقبلون وتخضعون أو تقتلون ..
ومع تغييب قيادات رشيدة تفتح أمام شباب الأمة مشروع رشد ، بآفاق عصرية ، وظروف عملية ، وآليات مجدية ..
فقد قبل شباب الأمة التحدي ، فإذا كان الخيار الممنوح هو الموت أو المذلة فقد اختار شباب الأمة الموت على طريقتهم ( يَقتلون ويُقتلون ..)
أين سيقع وسط هذا الضوضاء صوت الناصحين المرشدين تنادي : تريثوا ليس هذا هو الطريق ..
نعم ما زلنا نقول ليس هذا هو الطريق ولا بد لمن يقولها أن يملك البديل !!
أي بديل ؟؟؟؟؟
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية