قيمة المصري في سوق البشرية
أثار الإفراج عن السيدة آية حجازي الناشطة الاجتماعية التي تحمل الجنسية الأميركية إلى جانب الجنسية المصرية وعدد من زملائها؛ ضجة كبيرة في مصر والعالم، حيث كان تحريرها من سجون الانقلاب بعد ثلاث سنوات من الحبس الاحتياطي والتشهير بها ثم الحكم ببراءتها من التهم المخلة بالشرف والكرامة؛ أمرا يشبه المعجزة بعد انتهاء عصر المعجزات.
اهتم المحللون بدور الرئيس الأميركي وتدخله المباشر للإفراج عن الفتاة المصرية واستقباله لها بالبيت الأبيض، ومصافحتها (معروف عنه أنه لا يحب المصافحة ورفض مصافحة الزعيمة الألمانية إنجيلا ميركل)، بعد أن أرسل لها طائرة عسكرية أميركية حملتها مع مستشارة له رافقتها حتى قاعدة أندروز العسكرية.
آثرت أن أتريث في التعليق على الحدث حتى تهدأ الضجة ويذهب الخبر إلى النسيان لأناقشه من زاوية أكبر، تتعلق بالإنسان المصري الذي تتواضع قيمته والاهتمام به إلى أدني حد على مستوى العالم، فهو منذ بداية الحكم العسكري في 1952 مهمل تماما من جانب المسئولين الانقلابيين وغير الانقلابيين، وهو سيئ الحظ في داخل البلاد وخارجها، لا يلقى رعاية ولا يجد تعاطفا، وفقا لمقولة " لا يجد من يرفق به أو يحنو عليه"!
في سياق تحرير آية حجازي ومن معها ، قام أمير قطر باستقبال مجموعة من الصيادين القطريين في مطار الدوحة بعد تحريرهم من ميليشيات الحشد الشيعي في العراق التي اختطفتهم قبل عام ونيف، وكان من بينهم مواطنان سعوديان. أبواق الانقلاب العسكري في مصر لم يعجبها الأمر وتحدثت عن الملايين التي أنفقها أمير قطر لتحرير أبناء شعبه من قبضة القراصنة، ورأت في ذلك عيبا وعملا لا يليق، ووصل بها الإسفاف إلى حد تسميتها "صفقة الخيانة".. ؟ لأنها لجأت لطهران لإنجاح المفاوضات.. والأسد الذي وافق على الصفقة بـ"تطمينات" سورية! إن مسئولا يبحث عن تحرير مواطنيه وينفق الملايين بل المليارات ويتصل بكل من يملك الإسهام في تحريرهم؛ يستحق كل تقدير. أما من يتركون مواطنيهم نهبا للقتل والضياع والقهر والإذلال، فيجب عليهم أن يشعروا بشيء من الحياء وبعض من حمرة الخجل!
لقد تصورت الأبواق المأجورة أنه يتوجب على الأمير أن يفعل مثلما يفعل العسكر مع المصريين في الخارج والداخل، حيث لا يلقون إليهم بالا ولا يهتمون بهم، ويتركونهم لمصايرهم المرعبة استعبادا مخزيا أو سجنا مشددا أو موتا زؤاما.
في يوم ما كانت صحفية تدعى "شيماء عادل" محبوسة لدى عسكر السودان عام 2012، وكان الرئيس الشرعي الأسير محمد مرسي – فك الله أسره- في إثيوبيا، وعلم بقصتها، فعرج على الخرطوم والتقى بالرئيس السوداني، وطلب الإفراج عن الفتاة، وصحبها معه على الطائرة وعادت محررة مكرمة إلى القاهرة، ولكن عبيد البيادة لم يعجبهم ذلك فأساءوا إلى الرئيس ونظامه مكايدة واستهانة؛ دون أن يدركوا أن كرامة المصري هي كرامة مصر كلها، وحرية المصري هي حرية مصر كلها!
من المفارقات أن جواز السفر الصومالي أخذ ينهض ويقوى ويمنح حامله الدخول إلى أكثر من دولة، بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية والتمزق الوطني والانهيار الاقتصادي، لسبب بسيط، وهو التوافق الذي تم بين أغلب القوى الصومالية، وانتخاب رئيس انتخابا حرا شفافا، بينما المحروسة تهبط قيمة جواز سفرها، وتتقلص الأبواب المفتوحة له في العالم نتيجة هوان المصري على أهله..
المصري لا قيمة له على أرض بلاده، ولأم ريجيني مقولة شهيرة عن ابنها:" قتلوه كما يقتلون المصريين!"، فالغريب مقدم على المصري ومفضل، وهو محتقر من الموظف الذي يقف أمامه. ثم إنه مهان في المستشفى وفي القسم وفي المصلحة وفي العمل وفي الطريق وفي القطار وفي المطار وفي العبّارة وفي الباخرة وفي المواصلات العامة، وفي طوابير الخبز وفي مكاتب البحث عن عمل، وأمام السفارات والقنصليات ومكاتب التأشيرات. ولا كرامة له حين يسقط ميتا في أي مكان أو تصدمه سيارة أو تحدث له أزمة صحية طارئة.
أما خارج البلاد فحدث ولا حرج، يقتله الأعراب ويدوسون عليه، والصليبيون ينكلون به، ولا سفير ولا سفارة، ولا قنصل ولا قنصلية. أسوأ معاملة يلقاها المصري من موظفي السفارة والقنصلية المصريين. تشعر أن القوم ما وضعوا في البلد الأجنبي إلا من أجل إذلال المصري الذي يدفع الضرائب لينعموا بالمرتبات العالية والامتيازات النادرة. من الصعب أن تقابل السفير أو القنصل مالم تكن محظوظا بمعرفة سابقة أو وساطة نافذة. المصري عند السفير والقنصل متهم حتى يثبت العكس. عند استخراج الوثائق الشخصية يفرضون إتاوات فادحة ليقتسموا عوائدها وحوافزها، ولا يقدمون الخدمة إلا بعد عناء ومهانة، وتشعر كأنهم موكلون بتعقيد السهل، وتعسير الميسر. وآه لو مات المصري في غربته! لا داعي للكلام!
قارن ذلك بما يفعله السفراء في الدول الأقل عراقة أو الأحدث تاريخا؟ كيف يحتضنون مواطنيهم وكيف يتفانون في خدمتهم وكيف يتواصلون معهم وكيف يتابعون حركتهم؛ لا من أجل الإيقاع بهم أمنيا ولكن من أجل مساعدتهم وخدمتهم؟
من الطريف أن السفير المصري في الخارج يتقاضى بالعملة الصعبة أضعاف ما يتقاضاه السفير الخليجي الذي تعد دولته من أغنى دول العالم، وأقول أضعاف وليس ضعفا، بمعنى أنه الأعلى راتبا في العالم! ما السبب؟ ما هي الدوافع لأن يتقاضى السفير وموظفو السفارة وأمثالهم رواتب عالية بالمقارنة مع غيرهم وهم لا يحسنون صنعا، ولا يقدمون خدمة مميزة للوطن أو المواطنين؟ ومعروف أن جهات أخرى يسمونها سيادية تقوم بالنشاط الذي يقوم به الدبلوماسيون؟
كم من مصري مظلوم يُلقى في ظلام السجون الأجنبية ولا تلقي إليه السفارة بالا، وكم من مخطوف أو مخطوفين، أو مظلوم أو مظلومين لا يسأل عنهم سفير أو موظف بسيط في السفارة لأن الأمر لا يعنيه، فالمصري بلا قيمة في سوق البشرية، بعد أن فقد قيمته في بلاده مثل الجنيه المصري.
سافر رئيس النظام العسكري الحاكم قبل أسابيع ليقابل ملك آل سعود، وهتف بعض المصريين مطالبين الجنرال أن يحرر محاميا مسجونا في جدة بتهمة وجود ترامادول في حقيبته، ولكن الجنرال عاد بدون المحامي، لأن صوت المصريين كان صراخا في واد! قارن ذلك بما فعله ترامب مع آية حجازي المصرية التي تحمل الجنسية الأميركية حيث أجلسها معه في مكان كان يجلس فيه رئيس النظام العسكري المصري قبل أسابيع، كما نشر على موقع تويتر إحدى الأغنيات ابتهاجا بتحريرها ثم وجه لها سؤالًا: «هل قمنا بعمل جيد؟!»، فردت: «لقد كان أمرًا رائعًا»!
في مصر لا يهتمون بالمواطن إلا إذا كان طائفيا!
الله مولانا. اللهم فرج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!
وسوم: العدد 718