تصريحات محمد بن سلمان وإيران : لعبة الكبار
لا تُغامر السعودية في حساباتها الإقليمية والدولية إذا قلنا أنها تعهدت على لسان أميرها الشاب محمد بن سلمان بمحاصرة النفوذ الإيراني ووأده ، ونقل المعركة إلى الداخل الإيراني ، والقائمة على فكرة حشد الطاقات الإقليمية والدولية لمواجهة إيران الدولة والثورة . وهو ما اختلف عن سلوك الدولة السعودية ، بعد أن سمحت بعض القوى العظمى ؛ وفي مقدمتها إدارة أوباما لإيران بتغيير دورها الوظيفي ، نحو التأسيس لبناء قوى إقليمية العظمى ، على أشلاء ودماء الشعوب ، ووفق النظرية التي هندستها نظرية أم القرى الشيعية ، القائمة على الهيمنة والتوسع وبسط النفوذ.
في حين يتساءل الكثيرون عن التوقيت والمغزى والدلالات التي دفعت بولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى إطلاق تصريحاته المدوية التي تحمل كثير من الرسائل السياسية والعسكرية والأمنية الإيرانية ، وعن أهلية السعودية في تحمل تبعات هكذا صراع. وهو البلد الذي تحاول معه طهران متعمدة إغراق جيرانها ، لاسيما الرياض في أتون أزماتٍ تُحيط بها من كل صوب ، و تطلق معه دعايات مضللة حول أزمة سياسية داخلية ؛أثبتت مسارات الأحداث أنها غير صحيحة .
إذاً ما قصة التوتر الغير المُصطنع بين السعودية وإيران؟ وما هي الحقائق التي على إيران إدراكها وهي تبني مقارباتها للتعامل مع الرياض بعد تصريحات الأمير محمد بن سلمان ؟ .
القنوات الرسمية السعودية : البريد لإرسال الرسائل السياسية والعسكرية والأمنية لإيران ؟
أُرسلت الرسائل السعودية هذه المرة من العاصمة الرياض مباشرة ، وليست من مكان أخر ، وعلى لسان الشخص الثالث في تراتبية الحكم السعودي ، ومن خلال الشخص الأول المعني بالدفاع . فخلال حديثٍ له مع "الإخبارية السعودية " اتهم الأمير محمد بن سلمان إيران برعاية الإرهاب والتطرف والسعي لقويض أنظمة الحكم من خلال نظرية الهذيان المهدوي ، معتبراً عدم إمكانية التواصل مع دولة تبني سياستها وفق نظرة غيبية لا تمس إلى الواقع بصلة .
متغيرات وحقائق مهمة: تأخذها السعودية بعين الاعتبار؟
توجد عدة حقائق مهمة تجعل من السلوك السياسي السعودي منسجمة مع مصالحه وهنا نود الإشارة إلى الاعتبارات التالية :
أولاً: أدركت السعودية تماماً أن هذه اللغة هي الوحيدة التي تفهمها طهران ، وأن بناء إستراتيجية جديدة كتطويق النفوذ الإيراني، وقطع يدها عن التدخل في الأزمات الإقليمية ، والتعهد بنقل الصراع إلى الداخل الإيراني لاستنزاف قدرات هذه الدولة وثنيها عن التدخل ، كلها باتت استراتيجيات سعودية معلنة ، وقد باتت تُشكل نقاط ارتكاز للتعامل مع دولة لا تؤمن مطلقاً بلغة الحوار، ولا بالمصالح المشتركة .
لا شك ومع هذه التصريحات السعودية ، بات فضاء إيران مثقلاً بشكل أكثر بالتهديدات، وهو ما يعني أن الصواب في تعريف الإرهاب الإيراني وأدواته ، وتحديد رُعاته، ووضع اليد على الجرح ، يمثل رؤية جميع دول المنطقة التي تتقاطع رؤاها مع الرياض تماماً، التي باتت تعتبر إيران أحد أهم مصادر التهديد بالنسبة للأمة ، وهذا المتغير يُمثل خبر غير سار لا يخدم الإرهابيين الذين تتوسل بهم طهران ، ويضعها تحت خط النار والاستهداف مجدداً.
ثانياً: وضعت السعودية نفسها في خانة المواجهة مع إيران بعد أن تعهدت بمواجهته مباشرة،و بشكل واضح ومباشر ، مما أربك صانع القرار السياسي والأمني الإيراني لأول مرة في تاريخه الحديث ، وهذا ما وجدته من خلال رصدي ومتابعتي للإعلام الإيراني ، الذي لم يعتاد على مثل هذا اللون من التصريحات ، فجاءت ردود فعله باهتة ومتقلبة ومتضاربة ، ثم ما لبثت أن تراجعت لأن طهران باتت تدرك أن زمن اللولو والخنوع وعدم القدرة على المواجهة قد ولى إلى غير رجعة ، وهذا ما جعل الماكينة الإعلامية الإيرانية مشتتة ، ومتفاجئة من التصريحات التي لم تعتد عليها ، وجعل بعض وسائل الإعلام الإيرانية تطالب بمهادنة السعودية ، ولو مؤقتاَ حتى تنجلي الهجمة الدولية ضد إيران ، وإعادة تموضع وانتشار قواتها في الخارج ، خشية من استهدافها ، وقد انعكس ذلك أيضاً على دعايات المرشحين للرئاسة الإيرانية اللذين باتوا يوظفوا هذه القضية لتحقيق مكاسب سياسية ، جعلت الشارع الإيراني يتحدث عن حالة تخبط غير مسبوقة لبرامج المرشحين ، على صعيد السياسة الخارجية الإيرانية ، و مفادها أن الدولة الإيرانية نتيجة لسياستها ، باتت حتى بدون أصدقاء ولا حلفاء ، إلا ضمن تحالفات مؤقتة ، تدرك إيران أنها ستنتهي ، لا سيما مع الروس الماهرين في تدوير الزوايا السياسية الحادة ، خدمة لمصالحهم أولاً.
ثالثاً: تعيش السعودية حالة من التوافق والانسجام مع الواقع السياسي الداخلي الإقليمي والدولي. وهو ما يُعتبر أحد أهم نقاط القوة التي يمكن أن تقلب الطاولة على الدولة والثورة الإيرانية ، كما أن وجود رضا ٍ شعبيٍ عربي وإسلامي عارم للوقوف ضد دولة الولي الفقيه الدموية ، التي عاثت خراباً ودماراً في المنطقة والإقليم .
رابعاً: تعتبر السعودية دولة مركزية مهمة وتتمتع بدور محوري مهم ، وتحوز قدرات مادية وروحية و نفوذ ذا تأثير كبير في المنطقة ، وترأس وتوجه محاور متعددة ، مما جعل جل الدول الإسلامية يصطف خلف توجهاتها .
خامساً : تزامن التصعيد السعودي قبيل أول زيارة خارجية يقوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وهو ما يعني أن المواقف السعودية تشكل رسالة واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة ، مفادها أن الأجدى هو تبني سياسة تصعيدية تجاه إيران، ولا مجال لوقف تهور هذه الدولة وجموحها ، وأن زمن اللغة والسلوك الدبلوماسي قد ولى .
سادساً: فضح السلوك السعودي المفاجئ إيران التي كانت تتشدق بتبعية الرياض الكاملة لأميركا. فالإستراتيجية السعودية السابقة قد تغيرت موظفة التطورات الإقليمية والدولية ، وهذا الأمر لا يُعتبر مغامرة غير محسوبة كما تحاول طهران الترويج له ، بل يصب في صالح المملكة ودول المنطقة جمعاء التي تتقاطع مع الرياض في رؤيتها حول إيران وخطرها الجامح ، في ظل وضع متأزم ، وسعي إيران لتفجير فوضى إقليمية عارمة ، ودورها المروع في رفع وتيرة العنف الإرهاب ، وفخر إيران أن دول الإقليم باتت ساحة لنشاط إرهابي على خلاف إيران ، والتي مازال هذا الموضوع بعيداً عن حدودها ، ومجالها الحيوي .
سابعاً: تجدر الإشارة إلى أن خيارات وسياسات السعودية ضد إيران، تتطابق تماماً مع خيارات الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية والفكرية العربية والإسلامية الحية التي تعبر عن مطامح الشعوب العربية والإسلامية، والتي عبَّر ت مراراً وتكراراً عن رفضها وإدانتها للسلوك الإيراني العدواني إعلامياً، وضرورة الحاجة وجود رؤية واضحة لمسار الحد من النفوذ الإيراني، وأنه ليس من الحكمة افتعال معارك جانبية مع هذا الطرف الإسلامي أو ذلك، الذي تحاول طهران احتضانه، والترويج لفكرة الممانعة ضد إسرائيل، حيث استغلت إيران لقاء الأمير (محمد بن سلمان) والترويج الذي جرى له من بعض القنوات غير الحريصة على الوقوف في خندق الأمة لمحاولة التشكيك بالمواقف السعودية الإسلامية الداعمة لمطالب هذه التنظيمات التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي، وقيام طهران بحملة ترويجية كبيرة لحبك فكرة مؤامرة التوافق السعودي - الإسرائيلي لمواجهة طهران عسكرياً وأمنياً، ولكن بشرط مواجهة التيارات الإسلامية حتى المعتدلة واستئصالها، مما يُسئ لصورة الرياض، ودورها لمنع توظيف طهران لمتغير الحركات الإسلامية المعتدلة، كبوابة للعبور إلى دول المنطقة، والعبث بأمنها واستقرارها .
لا شكّ بأن طهران تتولى مسؤولية صنع التوتر في المنطقة، مع وجود حاجة ماسة لوقف النفوذ والعبث الإيراني، وهو شرط أساسي لتحقيق الاستقرار الداخلي والخارجي العربي والإسلامي، وفي ظل واقع جيو - سياسي متأزم يُحيط بالعالم العربي من كل ناحية .
ولا شك بأن المملكة بعد تصريحات الأمير (محمد بن سلمان)، قد دخلت بإستراتيجيتها الجديدة تُمشط الأرض من حقول الألغام الخطيرة التي زرعتها إيران، ووكلائها، ومليشياتها، كشرط أساس لنجاح حتى خطة التحول الوطني السعودي " 2030"، وبهذا تدخل الرياض لعبة الكبار بمنأى عن خطر إيران ومخططاتها التخريبية .
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية