أمريكا وإسرائيل هما الرابحان
يلاحظ أنّ الرئيس الأمريكي رونالد ترامب في زيارته "التّاريخيّة" للسعوديّة، واجتماعه بالقادة العرب والمسلمين، وانتقاله بعدها لزيارة القدس وبيت لحم، لم يذكر ولو بكلمة واحدة حلّ الدّولتين أو ضرورة وقف الاستيطان الاسرائيليّ، أو حق تقرير المصير للشّعب الفلسطيني، بما في ذلك حقّه في إقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس، وهو في ذلك يتساوق مع طروحات رئيس الحكومة الاسرائيليّة بنيامين نتنياهو، وكل ما يريده ترامب هو :" "سأبذل كل جهدي من أجل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وسأعمل على دعم الاقتصاد الفلسطيني عبر السلطة الفلسطينيّة"، ولم يستجب لدعوة الرئيس محمود عبّاس للعمل على إقامة دولة فلسطينيّة على الأراضي الفلسطينيّة المحتلة بعاصمتها القدس وبجانب دولة اسرائيل. وطروحات ترامب لا تختلف عن طروحات نتنياهو، الذي يرى حلّ القضيّة الفلسطينيّة من خلال التنمية الاقتصاديّة، والاحتفاظ بالأراضي المحتلة لتبقى نهبا للاستيطان اليهوديّ.
وقد حصل ترامب من خلال الاتفاقات العسكرية والاقتصاديّة مع السعودية وبعض الدّول الخليجيّة على أكثر ممّا كان يريده دون عناء، وبهذه الاتفاقات وما حصل عليه من مليارات الدولارات سيعيد انعاش وتطوير الصّناعات العسكريّة الأمريكيّة، لتنجب جيلا جديدا من الأسلحة؛ لتبقى أمريكا وحليفتها اسرائيل متفوّقتان عسكريّا على المستوى العالميّ، كما أنّه سينعش الاقتصاد الأمريكيّ وسيجد حلولا لمئات آلاف الأيدي العاملة الأمريكيّة، وسيجد جزء من هذه المليارات طريقه إلى الخزينة الاسرائيليّة.
أمّا الاتفاقات الأمنيّة مع الدّول العربيّة والاسلاميّة، فهي بادرة للاعلان عن حلف عسكريّ عربي اسلاميّ أمريكيّ اسرائيليّ، فقد استطاع ترامب من خلال القادة العرب والمسلمين أن يغيّر قواعد الصّراع الشّرق أوسطيّ، وأن يحرف البوصلة عن اتّجاهها الصّحيح، فالصّراع أساسه هو القضيّة الفلسطينيّة، وحقوق الشّعب الفلسطينيّ، بما فيها حقّه في إقامة الدّولة الفلسطينيّة على الأراضي الفلسطينيّة المحتلة في حرب حزيران 1967، حسب قرارات الشّرعيّة الدّوليّة والقانون الدّولي، وقد انتبه لخطورة ذلك العاهل الأردنيّ عبدالله بن الحسين عندما دعا في كلمته في قمّة الرّياض إلى "ضرورة ايجاد حل عادل للقضيّة الفلسطينيّة وحماية القدس" وبدلا من ذلك ستجري تصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ، وسيتحوّل الصّراع إلى تحالف عربيّ اسلاميّ أمريكيّ اسرائيليّ من جهة، مقابل ايران وحلفائها من جهة أخرى، باسم الدّفاع عن الاسلام السّنّيّ، مقابل "الارهاب والتّمدّد الشّيعيّ"!
وبهذا ستتحقّق سياسة نتنياهو عندما قبل بندا واحدا من "مبادرة السّلام العربيّة" وهو "إقامة علاقات عربيّة اسلاميّة طبيعيّة مع اسرائيل"، ومن هنا جاءت المشاركة غير المسبوقة تاريخيّا لقادة الدّول العربيّة والاسلامية في الاجتماع مع ترامب في الرّياض. وما الاتّفاق على محاربة الارهاب، إلا اتّفاق على محاربة القوى الحزبيّة والتّنظيميّة التي تناصب اسرائيل العداء، وفي مقدّمتها حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينيّة وغيرهما. وهذا سيرافقه تحجيم السّعي الايراني لتكون ايران الدّولة الاقليميّة الأولى، لتبقى السّاحة خالية لاسرائيل وحليفتها الاستراتيجيّة تركيّا، تمهيدا لتنفيذ المشروع الأمريكيّ" الشّرق الأوسط الجديد"؛ لإعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة. ولترسيخ اسرائيل كدولة وكقاعدة عسكريّة أمريكيّة متقدّمة تتحكّم بمصير دول وشعوب المنطقة، وهذه السّياسة ستنفّذ كما يبدو بدماء ومال عربيّ اسلاميّ.
ولنتذكر ما كتبه نتنياهو في كتابه “aplace between nations”الصادر بداية تسعينات القرن الماضي، وترجم إلى العربيّة تحت عنوان"مكان تحت الشّمس" والذي يرى فيه السّلام من خلال احتفاظ اسرائيل بالأراضي المحتلة، بما فيها مرتفعات الجولان السوريّة، "وإذا ما تحقّق ذلك واجتمعت الانتلجنسيا الاسرائيليّة مع الأيدي العاملة العربيّة الرّخيصة، فسيزدهر الشّرق الأوسط"، ويبدو أنّ اليوم الذي ستتحوّل فيه الشّعوب العربيّة إلى "حطّابين وسقّائين" لم يعد بعيدا، بفضل كنوز أمريكا واسرائيل الاستراتيجيّة في المنطقة.
وسوم: العدد 721