العائدات النفطية والضرائب وجهان لعملة واحدة
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
تتمثل العائدات النفطية بالمردودات النقدية التي تحصل عليها الدولة النفطية مقابل تصديرها للموارد الطبيعية وخصوصاً النفط. واقصد بالضرائب الضرائب غير المنتجة التي لا تتحول إلى سلع وخدمات وفرص عمل...إلخ.
النفط والبطالة
وبما سعر النفط هو أحد العوامل المحددة للعائدات النفطية، أي إن زيادة سعر النفط يؤدي إلى زيادة العائدات النفطية والعكس صحيح، وفي ظل وجود الدولة الريعية والتي يطلق عليها بعض الكتاب بدولة رصد التخصيصات، أي إن الدولة تهتم بسياسة توزيع النفقات بالشكل الذي يلائم توجهات السلطة للحصول على تأييد الجماهير لكسب شرعية بقاءها في السلطة، دون الاهتمام بسياسة الحصول على الإيرادات من خلال تفعيل القطاعات الاقتصادية المهمة، بل تم الاقتصار على العائدات النفطية التي تتميز بتذبذبها فضلاً عن قصر عمرها المرتبط بالنفط، وهذا الاقتصار على العائدات النفطية سيزيد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، إذ إن الاعتماد على العائدات النفطية التي تحتاج إلى المزيد من رؤوس الأموال باعتبارها صناعة كثيفة رأس المال وليس كثيفة العمل ستولد المزيد من البطالة وانخفاض دخول الأفراد.
إن انخفاض دخول الإفراد في ظل سيادة الدولة الريعية وغياب فرص العمل بسبب الاعتماد على النفط سيزيد من ظهور المشاكل الاجتماعية وانحراف سلوك الافراد وشيوع السرقة والفساد والابتزاز... إلخ، فيكون النظام الاجتماعي رخو متفكك غير محصن، وهذا ما يشجع الدول ذات الأطماع على التدخل في هكذا بلدان تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية، لتحقيق مصالحها التوسعية سياسياً واقتصادياً وثقافياً عبر العديد من الطرق وأهما في الزمن الحالي الثورة المعلوماتية.
لذا فإن المجتمع يتوقف عن الإنتاج أو ينتج بالاستناد إلى النفقات التي تنفقها الدولة- ويمكن تسميته بالمجتمع الطفيلي- والتي يتم تمويلها من العائدات التي تحصل عليها نتيجة تصدير الموارد الطبيعية التي تتميز أسعارها بالتذبذب الشديد في الأسواق النفطية الدولية كنتيجة لأسباب اقتصادية أو سياسية أو طبيعية أو غيرها، وبالتالي يصبح مفهوم الاقتصاد الإنتاجي مرتبط بالعائدات النفطية سلباً وإيجاباً.
وبالتالي فإن الإيرادات النفطية عندما ترتفع كنتيجة لزيادة أسعار النفط فإن ذلك يؤدي إلى مزيد من النفقات الاجتماعية وليس النفقات الاقتصادية التي من شأنها تخلق اقتصاداً متيناً لا يتأثر بالاهتزازات التي تصيب أسواق النفط، ونتيجة النفقات الاجتماعية هي إن الفرد سيشعر بأهمية الولاء للطبقة الحاكمة مقابل الرخاء، التي لولاها لم يكن ذلك الرخاء.
لكن في حالة انخفاض الإيرادات النفطية كنتيجة لانخفاض أسعار النفط، فإن النفقات الاجتماعية ستنخفض إلى مستويات منخفضة جداً، وبالتالي لم تستطع الدولة ولا الفرد من إدارة أموره الاجتماعية والاقتصادية كما كان الحال في حال ارتفاع الإيرادات النفطية ومن ثم النفقات الاجتماعية.
الضرائب والبطالة
وما يزيد الأمر سوءاً، عند انخفاض أسعار النفط الذي يؤدي بدوره إلى انخفاض العائدات النفطية والإيرادات العامة وحصول العجز بسبب الاعتماد عليه بشكل كبير، لجوء الدولة إلى سياسات التقشف وزيادة فرض الضرائب غير المنتجة لتحقيق التوازن في الموازنة العامة على حساب المنافع الاجتماعية، وهذا يدفع لنفس النتيجة التي تحصل في حال انخفاض العائدات النفطية.
والمشكلة تكون أكبر في حال تجاوز الضرائب واللجوء إلى الضرائب المؤجلة وهي الديون، في حال واجهت الدولة الاستياء الشعبي الرافض للضرائب التي فرضتها الدولة عليه عند انخفاض العائدات النفطية، كنتيجة لانخفاض دخولهم بسبب البطالة من ناحية وعدم سعيها لبناء اقتصاد قوي متين قادر على مواجهة التحديات التي تظهر عند غياب أو انخفاض أهمية النفط. وإن ظهور مشكلة الضرائب المؤجلة وهي الديون، توضح عدم قدرة الاقتصاد على سد احتياجاته بفعل فرض الضرائب المفرطة وغير المنتجة وهذا ما يثبط عزيمة المنتجين والمستثمرين على الإنتاج والاستثمار وزيادة البطالة، فيضطر الاقتصاد إلى تكبيل الأجيال اللاحقة بواسطة الديون، ليستهلك الجيل الحالي وهذا ما يتنافى مع تحقيق العدالة الاجتماعية.
بناء على ما تقدم، يمكن القول ان ارتفاع الضرائب غير المنتجة وغير العادلة التي تريد الدولة الحصول عليها لمواجهة العجز، في ظل عدم بناء مناخ استثماري يشجع على الاستثمار والإنتاج وتوفير فرص العمل والدخول...إلخ، يترتب عليه سوء الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، هذا من ناحية. وان انخفاض العائدات النفطية -لأسباب تم ذكر بعضها أعلاه- التي تعتمد عليها الدولة بشكل كبير جداً، ستؤدي إلى سوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية أيضاً، وفي ظل هذه المعطيات فإن العائدات النفطية والضرائب يكونان وجهان لعملة واحدة.
وسوم: العدد 722