في جذور التناغم بين ترامب والسيسي
أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اليومين الأخيرين بيانين يخصّان المنطقة العربية، الأول يعلّق فيه على مجزرة المنيا في مصر قال فيه إن «سفك دماء المسيحيين يجب أن يتوقف» وأعرب عن وقوفه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وجميع المصريين «لهزيمة هذا العدو المشترك» والثاني بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.
لكن الغريب أن البيان الأخير الذي يفترض أن يهنئ المسلمين على حلول شهر الصوم والعبادة (وهو أمر أصبح اعتياديا لدى الرؤساء الأمريكيين)، لم يختلف، في صلبه، كثيراً عن التصريح الذي سبقه فقد أعاد التذكير بحادثتي مانشستر والمنيا واعتبرهما «أفعالا فاسدة تخالف روحية رمضان».
وإذا كان المعنى المقصود غير واضح «لذوي الألباب» فقد أعاد ترامب التركيز عليه بالقول: «لقد كررت إيصال هذه الرسالة في الرياض: أمريكا ستقف دائما مع شركائنا ضد الإرهاب والأيديولوجية التي تدفعه».
الانطباع الذي خرج به أغلب المسلمين الذين استمعوا لخطاب ترامب الأخير هو أن دماغ الرئيس الأمريكي لا يستطيع، لا مباشرة ولا مداورة، الفصل بين الإسلام والإرهاب.
إضافة إلى تخفيف لهجته العدوانية المباشرة السابقة (على طريقة «الإسلام يكرهنا») وإكراهه نفسه على الامتناع عن استخدام تعبير «إرهاب الإسلام الراديكالي»، فإن ترامب، بعد عودته «المظفّرة» من لقاء ما يقارب خمسين زعيماً عربياً ومسلماً في المملكة العربية السعودية، اشتغل على إقناع حاضنته الجماهيرية العنصرية الكارهة للعرب والمسلمين بمنافع عودته بصفقات بمئات المليارات «ستؤمّن وظائف للأمريكيين»، وهي فكرة لا تضيف كثيراً إلى النظرة الاستشراقية المعتادة للعرب (والخليجيين خصوصاً) بصفتهم أشخاصا مثقلين بالأموال الطائلة التي يجب أن تسرق منهم بطريقة أو بأخرى.
لكن الأمر الأسوأ بكثير من التصريحات (فترامب الجديد «المنقّح» هو، في النهاية، نفسه ترامب القديم)، هو ما بدأت الأحداث في المنطقة العربية تكشفه بسرعة وقبل حتى أن تحطّ طائرة ترامـــــب عائدة إلى واشـــنطن.
والحدثان البارزان الشديدا الدلالة كانا، الحملة العجيبة التي جرت ضد دولة قطر، ثم قصف الطيران المصري لمدينة درنة لمن اعتـــــبرهم إرهابيين في ليبــــيا ردّاً على عملية نفّذها تنظــــيم «الدولة الإسلامية» في المنيا في جنوب مصر، من دون أن يجد تناقضاً في هذا الأمر.
الأغرب من ذلك أن الرئيس السيسي الذي اتخذ قرار قصف ليبيا بعد ساعات قليلة من العمل الإرهابي أضاف لغزاً سياسياً آخر على المعادلة حين قال أن الإرهابيين جاؤوا من مدينة حلب السورية بعد سقوطها، وهو ادعاء يتجاهل عناصر جغرافية وأمنية وسياسية معقّدة جدّاً، فالذين خرجوا من حلب بعد سقوطها لم يكن فيهم أحد من تنظيم «الدولة»، وقد تم نقلهم إلى محافظة إدلب، وهؤلاء لا سبب يدفعهم لترك القضية التي يقاتلون لأجلها في سوريا وتنكّب المشاق للوصول إلى درنة الليبية (التي تبعد عن حلب 2400 كم) ثم العودة للمنيا في مصر (التي تبعد 1240 كم عن درنة) للقيام بعمليات إرهابية ضد الأقباط!
والجانب الآخر من اللغز هو أن مجاهدي درنة الذين تم قصفهم، هم من قاتلوا لإخراج تنظيم «الدولة الإسلامية» من مدينتهم، والقصف، بالتالي هو مكافأة لتنظيم «الدولة» الليبي، وعقاب لمن حاربوه.
وحين نقسم حاصل جمع تصريحات ترامب التي تخصّ مصر ورمضان والإسلام و»الشركاء في محاربة الإرهاب» ودعم أفعال السيسي، على تصريحات السيسي عن حلب (التي هي دعم مبطن لنظام بشار الأسد في سوريا) وقصف ليبيا (لتقوية حظوظ الجنرال خليفة حفتر في ليبيا بقصف خصومه)، وقمع الإخوان في مصر، ومعاداة قطر وتركيا، لا يمكن أن نتوصّل إلا إلى هذه الخلطة العجيبة التي تجمع العنصرية والاستشراق العتيق في هيئة رجل أعمال أصبح الرئيس ترامب، والعقلية الاستخباراتية والعسكرية التي تهرب من المشاكل الداخلية بقصف الخارج، في هيئة الرئيس السيسي.
في جذور التناغم بين ترامب والسيسي
رأي القدس
وسوم: العدد 722