الجيشُ الوطنيّ السوريّ، و ضروراتُ المرحلة

يرى المراقبون أنّ الثورة السورية قد ارتكسَتْ، و عادت إلى الوراء خطوات عديدة؛ عندما وقعت في وهدة الفصائلية، التي جرّت عليها ويلات و بلايا، ليس آخرها سقوط حلب، أو الاقتتال الفصائلي، أو توالي دفعات التهجير من مناطق تمّ تحريرها في عهد المجالس العسكرية الموحدة، و حافظت عليها بشكل ما قيادةُ الأركان.

أما و قد كان ما كان، و أقرّ كثيرٌ من أطراف المعارضة بتلك الخطيئة؛ فلم يبق أمامهم إلاّ التفكير الجادّ و المسؤول بالانعتاق من تلك الحالة، و السير خطوةً إلى الأمام نحو العودة إلى ما كانت عليه الثورة قبل أن تقع أسيرة أمرٍ لم تخرج من أجله، أو يكن ما كانت تتمنّاه.

و نعني بذلك الشروع بخطوات ما عاد الملف السوريّ يطيق تأخيرها ، و من بينها الانخراط في تشكيل جيش موحّد، يُبنى على أسس احترافية، و يُراعى فيه أمر التراتبية، و يُعهد أمرُه إلى الراغبين من الضباط المنشقين، الذي عُطلت قدراتهم لصالح مجموعة من الهواة الذين أضاعوا كثيرًا من مكتسبات الثورة الأولى.

و حبذا لو كان اسمه بعيدًا عن التطلعات أو الرواسب الآيديولوجية، و يقتربُ من الحالة السورية الجامعة، كأن يكون ( الجيش الوطني السوريّ )، أو ( الجيش الوطني الحر )، و حتى تسميات فرقه و ألوياته و كتائبه تكون منبثقة عن أرقام تسلسلية، كما هي عليه الحال في الجيوش في شتى دول العالم.

إنّ إنشاء هذا الجيش على الرغم من تأخر الفكرة سنوات عديدة، لهو من الضرورات التي تفرضها المرحلة، إذْ فيه انعتاق من الفصائلية، و تخلّص من تعدّد الدعم الذي أصبح من أهمّ معوّقات الثورة، و توحيد للجهد و القدرات، و العمل ضمن غرف العمليات الموحّدة التي ترى المصلحة على مستوى عموم الوطن، و ليس على مقاس: الفصيل أو التجمعات الآيديولوجية، أو المناطقية، هذا فضلاً عن انضوائه تحت عباءة الهياكل المعترف بشرعيّتها من الدول و الهيئات الأممية، بغض النظر عن رأي البعض في نجاحها أو مستوى حضورها الميداني؛ فليس ثَمَّة ثورة في التاريخين: القديم أو الحديث كتب لها الظفر و النجاح، من غير أن تنضوي تحت قيادة مركزية تمثلها على المستويات كافّة.

ها هو النظام ما زال يقاتل بمنطق الجيش التراتبي، و ضمن غرفة عمليات موحدة؛ و حتى الميليشيات المساندة له، إنها مشكلة بقرار منه، أو من الدول التي جلبتها، و ليس الأمر متروكًا على غاربه.

إنّ وجود هذا الجيش الذي من الضروري أن تكون نواته من الضباط و الأفراد المنشقين، حتى يضمن لهم حقوقهم في حال التوصل إلى شكل من الحل، الذي غالبًا ما سيكون توافقيًا، بعيدًا عن الحسم العسكري.

 و يرجّح كذلك أن تنضوي نسبةٌ من الفصائل في أجهزة الدولة العسكرية، و الشُرطية، و الأمنية؛ و ذلك لا قيمة لحل سياسي لا يسبقه مشروع كيانات أولها الجيش والأمن، فالمعارضة لا تثق بقوات النظام، وتريد وجود قوة عسكرية تمثلها داخل المنظومة المعتمدة في الحل السياسي، تقوم بحماية المناطق التابعة لها.

لربما تمضي أوقات قبل الاتفاق على حل سياسي نظراً لتباعد المواقف، وهذا لا يمنع من بناء جيش موحّد تباشره المعارضة، خلال فترة التفاوض، استعدادًا لمرحلة الوصول إلى الخطوات التنفيذية الأولى.

تأتي هذه الخطوة في ظلّ تبنٍ واضح للبنتاغون لقوات سورية الديقراطية، ضمن خطة الرئيس ترامب لتسليحها لمقاتلة داعش، و يرجّح أن تذهب أمريكا إلى جعلها من جملة القوات التي ستكون من هيكلة سورية الجديدة، و هي ما تزال ماضية في تبنيها لهم، و لغيرهم من الفصائل المنضوية المحسوبة على الجيش الحر، كتلك التي تقاتل في مناطق البادية، الموكل إليها قطع الطريق على إيران للوصول إلى الأبيض المتوسط.

فقد كشفت وثيقة حصلت عليها وكالة الأناضول الخميس: 1/ 6، عن تخصيص ( مليار و769 مليون دولار )، لتدريب و تجهيز قوات عراقية و سورية، في إطار ميزانية الوزارة الدفاع الأمريكية لعام 2018، و بحسب الوثيقة فإن حصة العراق تبلغ ( مليار، و269 مليون )، و سورية ( 500 مليون )، منها: ( 197 مليون ) لتدريب خمسة آلاف مقاتل، و الباقي ( 393 مليون ) لتجهيزهم بالسلاح و المعدات، ليكونوا مضافين إلى ( 25 ألف ) مقاتل تمّ تدريبهم من قبل.

وسوم: العدد 723