تفجيرات طهران الثلاث: مجرد تساؤلات
يشكل ممارسة الإرهاب أحد الأدوات المهمة الذي تتوسل به إيران على الصعيدين الداخلي والخارجي، حيثُ تشكل إستراتيجية تلجأ لها طهران لإخضاع أو لنقل تصفية الحسابات مع خصومها وأعدائها وحتى ضدّ شعبها، وما محاولات طهران ممارسة العنف والإرهاب ضد القوميات والشعوب وحتى ضدّ من كان يوماً أحد نخبها التي قادت العملية السياسية والأمنية هناك، هو إرهاب مقدّس بفتوى تخرج دوماً من تحت العباءة الدينية، وهي امتداد لتقاليد لاهوتية غارقة في الظلاميات الإرهابية، فاصطنعت من الإيديولوجيا سلاحًا إرهابيًّا لتصفية خصومها، وهو أحد أبرز احتجاجات السياسة الإيرانية للنيل من غرمائها، أو لتسويغ سياساتها، أو تبرير إجراءاتها، أو حتى تلميع صورتها.
السلوكُ الدمويّ لدى قادة الثورة الإيرانية لم تترجمه إيرانُ خارجيًا فقط، بل تمثّل بإقدام النظام على اغتيال الخصوم وإعدام المعارضين، دونَ رادع من ضمير أو رقابة من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وتتابعتْ هذه السلسلة لإعدام الربيع الإيراني الذي تجلّى باستهداف التيار الإصلاحي الذي قاده (مير حسين موسوي )، ومهدي كروبي، وبعض الرموز الإصلاحية ، على الرغم من أن هذا التيار لم يخرج عن مبادئ الثورة الإيرانية وثوابتها.
نعم الثورة تحرق أبنائها، فثورةُ إيران وقودها الشعب، ودرع الشعب هو الحجارة، وساستها ملائكة غلاظٌ، لا يعصون (ولي الفقيه) ما أمرهم .
هكذا كانت صورة المشهد السياسي كما رسمته عدسة الرقيب المتابع لتجليات جمهورية أفلاطون الثورية " الإسلامية " التي ضاقت ذرعاً بأبنائها التواقين إلى التغيير و الإصلاح ومكافحة الفساد والاهتمام بالاقتصاد وبمطالب الناس .
مما قد يفتح المشهد السياسي الإيراني على كل الاحتمالات خاصة في ظل الأزمات الطاحنة التي تعاني منها إيران، نتيجة السياسات الخرقاء للنظام الإيراني .
إن فلسفة الإرهاب وقدسية العنف التي يتميز بها نظام رجال الدين حكام إيران تستمد جذورها عبر التاريخ، وأن المقاربة التي باتتْ تعتمد عليها تقوم على:
1- اعتماد العنف والانتقام كوسيلة أساسية لمواجهة الخصوم والأصدقاء المفترضين، أو حتى للتغطية على أهداف الثورة والدولة الحقيقية .
2- إتباع فكرة الموالاة والبراءة .
3- الفكر التوسعي عبر الاحتلال والضم القسري.
4- الإيمان بالغيبيات والعمل على ترويجها، للنيل من الأعداء
5- إعادة تعريف العلاقات الدولية وفق مفهوم صراعي محض، وإعادة بلورة مفهوم جديد في علاقات إيران الإقليمية والدولية وفق مبدأ تخادم الملفات، حتى ولو كان من خلال تقديم إيران لقرابين بشرية لتسويغ أفعالها، وبما يخدم إيران أولاً وأخراً .
تشكل هذه المرتكزات الخمس حجر الزاوية لنظام الولي الفقيه.
لا نقف أمام تفجيرات (طهران) مسلماً بأنه عمل قد دُبّر، ونُفذ بأياد خارجية. ولا نستبعد أن تكون الأيادي إيرانية، وهي فرضية واردة جداً على ضوء مجموعة من الدوافع والمتغيرات، في الوقت الذي نجحت إيران طوال الأزمة العراقية ومن بعدها السورية في تحقيق انجازات استخباراتية مهمة داخل تنظيم (داعش)، ومن هنا لا يمكن استبعاد أن يكون التفجير مفتعلاً، ويرفع من صدقية هذه الفرضية، إذاً المتهم جاهز دوماً في إيران، وبسهولة يمكن أن يصدر بيان تحمل المسؤولية، فتنظيم داعش (الخط الإيراني) على استعداد لتحمل المسئولية .
لا شك بأن المسألة معقدة خاصة في توقيتها، فالتوقيت يثيرُ كثيرًا من التساؤلات في وقت كان من المفروض أن يتم مثل هذا النوع من العمليات أثناء وجود المرشد الإيراني خامنئي هناك قبل أيام، أو رموز النظام من السياسيين والعسكريين والأمنيين ورجال الدين الحريصين على زيارة المرقد بين الفينة والأخرى، إذا كان الهدف الاطاحة بالنظام، أو حتى التأثير عليه، وهو ما يثير كثير من التساؤلات، وربما يؤكد فرضية تورط النظام الإيراني في افتعالها، لتحقيق أهداف أخرى واردة في ذهن الولي الفقيه .
التفجيرات أيضاً معقدة خاصة في توقيتها، حيثُ جرت في ظل ظروف مثقلة بمصادر التهديد والتوتر الداخلي والخارجي الإيراني، مستهدفة رموز سياسية ومذهبية لرفع وتيرة " الأكشن " والإثارة لدى قطاعات المجتمع الإيراني، لتبرير أية سياسات سيئة قد يتخذها كما هي عادته .
الانفجارات الثلاث والداخل الإيراني :
تبقى إمكانية تورط داخلي من جانب الجناح المحافظ الذي يمسك بخيوط القرار الأمني لإحراج حكومة روحاني، وحشرها في الزاوية الضيقة عن طريق إظهارها بالعجز والضعف للحفاظ على الأمن الإيراني، وأن اختيار الجناح المحافظ لرئاسة الدولة كانت هو الأسلم لحماية الشعب الإيراني.
بالإضافة إلى أن افتعال وتنفيذ هذا الانفجارات سيسهم في إيقاع مزيد من الإقالات بين قادة الأجهزة الأمنية، وتصفية الحسابات بين رموز النظام الذين انتهت فترة الصلاحية لهم، إلى جانب تعزيز قبضتها الأمنية في مناطق الأقليات التي تشهد حالات من الحراك غير المسبوق رداً على سياسات إيران التعسفية والقمع إزاءها.
إلى جانب ذلك سيحقق التفجير وتداعياته تعبئة شعبية خلف قرارات الدولة الإيرانية، وتُشكل محاولة لتعزيز قوة النظام الإيراني الذي تآكلت شرعيته أصلاً بفعل سياسات إيران المدمرة، ومضيها في مشروعها التوسعي ومحاولتها بناء مجال حيوي على حساب تنمية الدولة وحقوق الإنسان والأقليات والشعوب التي ذاقت نتيجة السياسات الهوجاء للنظام الإيراني.
التفجيرات والخارج :
يلعب العامل الخارجي دوراً مؤثراً في رسم مقاربات الدولة الإيرانية وقرارتها؛ فالمنطقة تشهد حالة اصطفاف دولي وإقليمي غير مسبوق عقب قرارات قمة الرياض الثلاث التي رسمت مقاربة لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، ووضعت إستراتيجية هدفها عزل طهران نتيجة دعمها للإرهابيين الإقليمي والدولي، إلى جانب ظروف داخلية عنوانها التآزم في مختلف المجالات .
على العموم سواء كانت هذه التفجيرات متعمدة من صانع القرار الإيراني أو بالفعل قام به تنظيم داعش، بات واضحاً أن هذه التفجيرات كشفت عن حجم ما تعانيه إيران رغم محاولاتها السابقة بالتعتيم على ما يجري في الداخل، أما إذا كانت اليد داعشية حقاً، وبعيداً عن القرار الايراني، فهذا يعني الكثير وأهمها تمكن تنظيم (داعش) من تحقيق اختراقات أساسية مهمة داخل إيران، وأن التعهدات التي قطعها الحرس الثوري بإبقاء الإرهاب بعيداً عن حدود إيران هي مجرد شعارات جوفاء ، وأن سياسات إيران هي التي جلبت الويل والثبور لدول المنطقة أولاً، وأن الثوب الإيراني سيشتعل عاجلاً أم أجلاً، ولتذق إيران من نفس الكأس الذي أذاقته لشعوب المنطقة .
بالحالين ما حدث يعكس عمق وحجم المشكلة بالنسبة لإيران التي تشهد تجاذبات سياسية داخلية وخارجية.
أما ما هو مؤكد أن طهران ستسعى لتوظيف هذه التفجيرات لمحاولة تلميع صورتها المشوهة أصلاً، على اعتبار أنها دولة تقف ضدّ الإرهاب، ولا تدعمه كما تدعي بعض الدول الإقليمية والدولية، وهي بالأساس إستراتيجية إيرانية، وستسعى طهران لإعادة الترويج لنفسها مجددا، ومحاولة تحقيق اختراق إلى المجتمع الدولي عبر أنها تشاطر دول المنطقة خطر الإرهاب وتكتوي به، وهو الكرت الأحمر المحروق أصلاً .
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 724