التحريض على الإسلام!
عقب الانقلاب المؤسس للحكم العسكري الغشوم عام 1952 صار للشيوعيين واليساريين وخصوم الإسلام مجال واسع عريض يمارسون فيه دورهم الخياني المرسوم لمحاربة الإسلام وإقصائه من الحياة والمجتمع، وفرض التمييز العنصري على المسلمين المؤمنين به منهجا وتطبيقا أو الذين ينتسبون إليه بالوراثة.
لقد صفّي البكباشي كل أنصار الحرية ووضع خصوم الإسلام في صدارة المشهد الفكري والثقافي والأدبي؛ ليخاطبوا الجماهير بلغة تمحو المعجم الإسلامي من حياتهم بصورة تامة أو تكاد، ولا يسمح إلا بالإسلام الشكلي الذي يخدم الطغيان ويدفن الضمير، ولا بأس أن تكون فيه تشكيلة من الإلحاد والزندقة والمادية التي ترى الإسلام في النهاية رجعية وتخلفا وظلاما، ومن خلال الصحافة والإعلام استطاع الموالون والمنافقون من الكتاب والمثقفين أن يجعلوا البكباشي نبيا مقدسا وزعيما ملهما، وصار ما يقوله ويتلفظ به قرآنا يتلى في المدارس والجامعات والمحافل الثقافية.. وكانت هزيمة العار في 1967 ضربة موجعة للشعب كله، فأيقظت في الشرفاء نخوة الدين ومروءة الإسلام، وبهما استعادت البلاد زمام المبادرة والتخطيط، وروح القتال والمقاومة، لتصنع لحظة العبور، وكان ما يعرف بالصحوة الإسلامية العظيمة التي أعادت للإسلام اعتباره بعد أن سحقه العسكر وأضاعوا معه كرامة البلاد والعباد.
لم يرض العسكر على مدى ستين عاما بصحوة الإسلام فكان انقلابهم الجديد عام 2013 على إرادة الشعب المسلم، وجندوا الأفسال والمرتزقة ومن أطلقوا عليهم الأذرع الإعلامية والثقافية، للتشهير الأرعن بالإسلام بصورة أشد وأوقح، إلى جانب العنف الهستيري بسفك الدماء في الميادين والشوارع والبيوت ( تأمل ما جرى في رابعة على سبيل المثال). ويبدو أن ذلك لم يكن مجديا في تحقيق أمنياتهم في استئصال الإسلام وسحقه، فأسندوا إلى عناصر الحظيرة ونعال البيادة الأكثر انحطاطا مهمة النيل من قادة الإسلام التاريخيين ووصمهم بأقبح النعوت والأوصاف، وتشويه قادته المعاصرين بالكذب والتدليس والتضليل ..
كان النيل من أشرف القادة مثل صلاح الدين وعقبة بن نافع وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص، ثم مهاجمة الأزهر والمناهج التعليمية التي فيها أثر للإسلام بذريعة تجديد الخطاب الديني؛ عملا خيانيا وحشيا بامتياز، ورأى القائمون على الحملة بأعينهم رد الفعل الشعبي الرافض والمستنكر من خلال الفضاء الإلكتروني وبعض الوسائل المتاحة ما لم يتوقعوه، حيث انحاز الناس بفطرتهم إلى دينهم وقادتهم التاريخيين، ورفضهم وإدانتهم للحملة وقادتها..
خذ مثلا ما يكتبه السيد أحمد عبد المعطي حجازي في مقالات أسبوعية وما ينشره من تصريحات، ويستبسل في مهمته ليعوّض أشياء يفتقدها بالمقارنة مع أشباهه ونظرائه من أفراد الحظيرة الثقافية، في مقدمتها الموهبة والثقافة والتحصيل العلمي، فقد كان يتمني أن يكون زعيما من زعماء الشعر الجديد ولكنه انطفأ لضحالة موهبته، وكان يتمني أن يصبح زعيما فكريا ولكنه وقف في طابور البحث عن رضا السلطة التي تطعمه وتسقيه وتشفيه من أوجاع الفراغ العلمي والأدبي، وكان يتمنى أن يصبح زعيما للمثقفين العضويين ولكنه ارتد إلى مثقف سلطة بائس يشي بخصومه لمن بيدهم القيد والسوط ..
كتب عن تجديد الخطاب الديني وهو لا يصلي بل إنه اعترف بأنه لم يصل منذ خمسين عاما حيث كانت آخر صلاة له في مسجد قرطبة، وهو لا يستريح للأذان لأنه يزعجه ويقلقه، مع أن الأذان واجب في الأمصار لإبلاغ الناس بموعد الصلاة وإيقاظ النائمين لأداء صلاة الفجر، وهو لا يستريح لتحية الإسلام "السلام عليكم"، ويستهجن أن يقول شخص لآخر يهاتفه في المحمول أو الثابت: السلام عليكم .. ثم إن الرجل لا يعرف عنه اهتمام بأمور الدين أو تشريعاته اللهم إلا إلحاحه "الخواجاتي" على ضرورة الفصل بين الدين والدولة.. ومحو مصطلحات الخلافة والحسبة والزكاة.....
هاجم الشيخ الغزالي بضراوة ودون مسوغات مقنعة واتهمه بممالأة الاستبداد والمستبدين، وهو الذي قضى حياته بين المعتقلات والغربة والحرمان من وظائفه المستحقة لأنه لا يقف بباب طاغية ولا يستجدى فرعونا ظالما ولا حاكما ديكتاتورا، وكان يمكنه أن يحصل على كثير من عرض الدنيا لو أراد شريطة أن يفرط في دينه، ولكنه لم يفعل.
وكتب مؤخرا عن الشيخ القرضاوي واتهمه مع الإسلام بأنهما سبب الإرهاب والقتل ونشوء الجماعات الإرهابية.. وقال في الرجل كلاما أقل ما يوصف بأنه غير لائق وغير مقبول، وأنا لا أضفي العصمة عليه أو أقدسه فهو بشر يؤخذ منه ويرد عليه، ولكن جريمة الرجل في نظر السيد حجازي ومن يعمل لحسابهم أنه رجل حر يرفض الاستبداد والطغيان، ويستنكر قتل الأبرياء والأحرار، ويشجب سلخانات السجون والمعتقلات، ويندد بمطاردة الشرفاء وخطفهم واعتقالهم، كما لا يقر تكميم الأفواه ومصادرة الآراء ومحاربة الإسلام.
إن السيد حجازي يحمّل الشيخ الغزالي والشيخ القرضاوي قتل الشيوعي فرج فودة، والاعتداء على الكاتب نجيب محفوظ- رحمه الله- بل إنه بصريح عبارته يحمل الإسلام والثقافة الإسلامية مسئولية القتل والاعتداء، حيث يقول: "وإنما هي الثقافة التي تربى عليها الكثيرون ودفع ثمنها الكثيرون ولايزالون يدفعونه حتى الآن".( الأهرام7/6/2017).
ويعلن السيد حجازي : باختصار شديد، الخطر الداهم الذى نواجهه ويواجهه معنا العالم كله ثقافة راسخة موروثة اعتبرت صحوة خرجنا بها من جاهلية القرن العشرين لندخل بها في إسلام ابن تيمية، وابن عبدالوهاب، وسيد قطب، والمودودي، وحسن البنا حتى نصل إلى إسلام بن لادن، والظواهري، والبغدادي.. (ما هذا الخلط الفج؟)
بل إنه يحمّل الإسلام مسئولية قتل النصارى في بعض الكنائس لأن شيخا ظهر وأعلن أن المسيحيين كفار، ويشعل فتيل التحريض الرخيص حين يواصل قوله في مقاله المذكور: "ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بما سوف يحدث غدا، لكن الخطر ماثل دائما، والأهداف معروفة محددة. المثقفون والمسيحيون والجنود والضباط المصريون. والسوريون والعراقيون. والفرنسيون والانجليز(!!). هذا الموت المدبر المنظم المزود بالنصوص المقدسة والفتاوى الموثقة والوعد بدخول الجنةـ هذا الموت الأخطبوطي المدجج بأسلحة الماضى والحاضر هل هو مجرد حوادث متفرقة يقوم بها أفراد منحرفون؟". ما أرخصه من تحريض حاقد متعصب جهول، لا يدرك معنى الإسلام ولا الوطن، فضلا عن الحرية والكرامة الإنسانية. مع أن المذكور يردد في مناسبات تخص رفاقه الشيوعيين واليساريين والليبراليين وخدام كل العصور؛ كلاما غليظا عن حرية العقيدة والفكر والتعبير، ولكن المذكور يسخر من الإسلام حين يتحدث عن ثقافة العصر وحضارته، والمسيحيين الذين لم يعودوا ذمّيين كما كانوا في عصور الظلام(!!)، وعن الدولة الوطنية وانفصالنا عن الدول الدينية (؟؟) التي استعبدتنا في العصور الوسطي، وسقطت في العصور الحديثة(..).
هل كان الإسلام يا بوق الانقلاب ظلاما وكهنوتا واستعبادا؟ أظن مثل هذا البوق يحتاج إلى من يعلمه الإسلام أولا، ثم يشرح له أن الإرهاب ولد في سلخانات لاظوغلى والقلعة وطرة وأبو زعبل وأبو غريب والمزة وجوانتانامو في عواصم العربان المستبدين، ولكنه للأسف لن يتعلم لأنه يسوغ التعذيب الشائن والقهر المنقوع في حضارة بني الأصفر، فهذه مهنته للأسف الشديد.
الإسلام باق بمشيئة الله ، والظلم زائل بعونه تعالى.
الله مولانا. اللهم فرج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!