روسيا وإيران من التلاقي إلى الافتراق

 شرعت روسيا بالاقتراب من الولايات المتحدة لجهة إيجاد حل سياسيّ؛ لينتشلها سريعًا من المستنقع السوري، تواجه طهران خلافًا حقيقيًا مع حليفتها موسكو، ظهرت معالمه في اتفاق خفض التصعيد في جبهة الجنوب السوري أبرم بين واشنطن وموسكو، من دون الأخذ برأي طهران، أو نظام بشار الأسد اللذين اكتشفا أن المفاوض والشريك الروسي هو من يتخذ القرار، ويلزمهما بتنفيذه، مما جعل طهران تصرح على وجه السرعة أنها غير معنية بالالتزام به، وتبدى غضبها وامتعاضها مما جرى .

 لا شك بأن الخلاف بين روسيا وإيران على الدور في سوريا ينطلق أساساً من خلال مصالح كل دولة وقوتها وحجمها، صحيح أن روسيا دولة عظمى، لكنها لا تستطيع القتال في سوريا إلى ما لا نهاية، بينما إيران دولة لها مشروعها التوسعي الذي تسعى من خلاله إلى تثبيت وجودها حتى أخر جندي روسي، وشيعي "أفغاني، وباكستاني، وعراقي، ولبناني " حزب الله ".....، وبالتالي فإن الاختلاف سيكون بتحديد الأهداف والمصالح القومية والنطاق الزمني للتحقيق .

 وهذا يؤكد أن أجندة وبرنامج احتلال إيران لسوريا، قد جاء بالأساس لجهة تحقيق أهدافها لبناء مجال حيوي، وبناء خطّ بري يمتد من إيران إلى العراق ومن ثم إلى سوريا للوصول إلى المتوسط، ولتثبيت موقعها إقليميًا، لاستثماره آيديولوجيا عبر ميليشيا (حزب الله)، ووكلائها الجدد، بينما دخل الروس لتثبيت دورهم كقوة عظمى لها مصالحها، وللهيمنة على النفط والغاز السوري، حيث تريد إيجاد قواعد على البحر الأبيض المتوسط، وتأمين مصالح ذات طابع اقتصادي من جهة، وتأكيد أنّها ما زالت لاعباً دولياً مهماً من جهة أخرى، ولمقايضة الغرب على قضايا متعلقة بمشروع (الدرع الصاروخي)، ولأزمة القرم وما شاكلها، إلى جانب بناء قاعدة عسكرية لها على شواطئ البحر المتوسط.

 من خلال هذا الاختلاف الجوهري بالأهداف الإستراتيجية والبرامج نرصد مواطن الخلاف المحورية بين موسكو وطهران حول سوريا، انطلاقًا من نقطة الاستعمار الإيراني الشامل، بل تسعى إيران ليس فقط لتحقيق انتصار عسكري ساحق وشامل، وإعادة هندسة السلطة في دمشق وفق مصالحها وبالتعاون معها، بحيث يبقى النظام السوري في خدمة المشروع الإيراني وبناء تماس ميدانيً مع إسرائيل ، مما يدعم موقفها من خلال بناء نقاط تماس تدعم أوراقها التفاوضية مع تل أبيب التي تظهر الثورة الإيرانية زيف العداء معها آيديولوجيًا، بينما يؤهلها وجودها الميداني على حدودها لأن تعزز وضعها لتظهر براغماتية قذرة توظفها في المكان والزمان المناسب ، والتي برزت منذ انتصار الثورة ولغاية الآن، حيث تاجرت بشعار الموت لإسرائيل، ودعم القضية الفلسطينية، وبالمقابل تعاونت مع إسرائيل في كل المجالات بما فيها العسكري والتقني ... إلى جانب أنها تقاسمت مع الشيطان الأصغر مناطق النفوذ، واستنزاف قدرات المنطقة من خلال بث الفوضى الخلاقة .

 بدأت إيرانُ تستشعر كارثية التقارب الروسي الأميركي، وهو ما دفع العديد من المسؤولين السياسيين والعسكريين الإيرانيين التحذير بشكل علني من خطورة ذلك على مصالح طهران وتضحياتها، علماً بأنّ طهرانَ تدركُ تبعات التصعيد في الوقت الحالي مع موسكو؛ لأنها ومن دون الدعم الروسي لن تستطيع أن تحقق انتصارًا على الأرض . بالتالي لا تستطيع الوصول إلى مرحلة الخلاف الحاد مع الروس في هذا التوقيت، حيث لا يمكن أن يصل الخلاف إلى طلاق بين الطرفين "الروسي والإيراني" كون الطرفين يحتاجان إلى بعضهما مرحلياً، لكن حاجة إيران للزوج الروسي هي بالتأكيد أكبر، ذلك أن طهران تحتاج إلى روسيا ومن دونها لا تستطيع واقعياً أن تحقق أي انتصار في سوريا، بينما روسيا تحتاج أيضًا لإيران كي تضمن موسكو عدم تخريب إيران ما حققته من توافقات مع الولايات المتحدة في سوريا ، ريثما يتم التفرغ للتعامل مع خطر طهران وفق التصور الذي يفترضه الروس .  نقول من الصعب التكهّن حاليًا بمسار ومستوى عدم التوافق الروسي الإيراني الذي لم يكن مفاجئاً البتة، ومن المستحيل أن تتعايشا بسهولة على الأرض السورية، خاصة مستوى التنسيق المصلحي الآني سيتلاشى في نهاية المطاف مع متغير التقارب الروسي الأميركي على الحل السياسي .

 لم يعد خافيًا على أحد، أن التباين بين موسكو وطهران، تجلّى ميدانياً في أكثر من مكان وزمان على الأرض السورية، هذا عدا عن التباعد الواضح في الرؤية الإيرانية الروسية للحل السياسي في سوريا، في الوقت الذي يروج الروس إلى التقاطع مع الأميركيين فيما يتعلق بأهمية التوصل لهدنة شاملة لوقف إطلاق النار في سوريا، على خلاف الإيرانيين اللذين يريدون متابعة القتال حتى النهاية، وبسط السيطرة على أكبر قدر من الجغرافيا السورية لتحقيق أهداف المشروع الإيراني .

 من هنا نلحظ تضارباً وتبايناً عميقاً في مصالح الدولتين المؤقتة بدأ يطفو إلى السطح، خاصة أن الروس بدؤوا برفع مستوى التنسيق الاستراتيجي مع إسرائيل، وبات الإيراني يلعب دور الشريك الثانوني، وهذا ما ظهر من خلال اتفاق جنوب سوريا، الذي تم بالتنسيق مع أميركا، وإسرائيل، والأردن، مما عزّز شكوك وحفيظة طهران مجدداً .  وثمّةَ مؤشرات كثيرة تظهر حجم الخلاف والتباين بين روسيا وإيران، وهذا ما نجد صداه في الإعلام الثوري الإيراني الذي بدأ يتحدث عن سياسات وممارسات روسية غير مقبولة على الصعيد الميداني والسياسي، مما يزيد من شقّة الخلاف والتناقض الروسي الإيراني، لدرجة جعلت رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام (محسن رضائى) يتحدث عن ضرورة استعداد طهران لأيام غير مبشرة مع الروس .

 لا تختلف قراءة الإيرانيين عن نظرة الروس حول تناقضات الدورين ، فالأجندة الروسية في سوريا هي أجندة مصلحية متعلقة بنظرية الدور كقوة عظمى، وتتوسل بها كورقة تخدمها لتعزيز أجندتها التفاوضية للحوار مع الغرب، وبالتالي لا يهمها مصير لا شخص بشار الأسد ولا زبانيته بقدر ما يهمها خدمة وتحقيق مصالحها، أما أجندة إيران في سوريا فهي أجندة طائفية مذهبية، تبحث سبل تحقيق نظرية مبنية على الهذيان المهدوي، وبناء الإمبراطورية الشيعية، ولا تجد إلا بشار الأسد ونظامه إلا أداة لتحقيق هذا الهدف.

 تدرك طهران أن موسكو وحدها صاحبة القول الفصل فيما يجري في سوريا، وأي قرار يتم اتخاذه حول مصير (بشار الأسد) ومصير التسوية في سوريا، ستصيغه روسيا، وعندما تحقق موسكو أهدافها وتضمن مصالحها في سوريا، ستتوجه طائرات السوخوي الروسية و اف 16 الأميركية الإسرائيلية لتنفّذ الغارات المشتركة في سوريا، لكنس إيران ومليشياتها من هناك في حال كانت طهران عائقاً أمام الروس لتحقيق هذا الهدف.

د. نبيل العتوم

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية

 

وسوم: العدد 731