الأقصى والفرص الضائعة
في مثل هذا اليوم 21 آب-اغسطس- من العام 1969، تمّ حرق المسجد "القبليّ" في الأقصى الشّريف، مع سبق الاصرار والتّرصد، وتمّت الصاق التّهمة بسائح استرالي، لفّقت له تهمة الجنون، لتبرئته من الجريمة، تماما مثلما تتمّ تبرئة أيّ عنصر من دولة الاحتلال عندما يرتكب جريمة بحقّ أي عربيّ، بغضّ النظر اذا كان فلسطينيّا أو من أيّ اقليم آخر، وما البسمة العريضة التي بدت على وجه بنيامين نتنياهو وهو يستقبل الحارس الاسرائيلي في سفارة اسرائيل في عمّان لقتله مواطنين أردنيّين ببعيدة عن هكذا أمور.
وإذا كانت جولدة مائير رئيسة حكومة اسرائيل يوم احراق المسجد الأقصى لم تنم ليلتها خوفا من ردود الفعل العربيّة والاسلاميّة على حريق المسجد الأقصى، فقد خيّب العرب والمسلمون ظنّها، فما حرّكوا ساكنا، إلا أنّها بالتّأكيد كانت أكثر حكمة من بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الاسرائيليّة الحاليّة، الذي أغلق المسجد الأقصى في شهر تمّوز –يوليو- الماضي، واستباحت أذرعه الأمنيّة حرمات المسجد، وقامت بتركيب بوّابات ألكترونيّة، وكاميرات ذكيّة عند بوّاباته، وما لبثت أن تراجعت عن ذلك، أمام غضبة المقدسيّين وفلسطينيّي الدّاخل دفاعا عن معتقداتهم ومقدّساتهم، فافترشوا شوارع وأسواق القدس يؤدّون صلواتهم على مداخل المسجد العظيم، غير آبهين بالتّواجد الأمنيّ الاحتلاليّ المكثّف، وما صاحب ذلك من بطش وارهاب، فتحرّكت الدّبلوماسيّة الفلسطينيّة والأردنيّة وبعض الدّول العربيّة بنشاط دبلوماسيّ غير مسبوق، استطاع تجنيد الرّأي العامّ العالميّ للضّغط على حكومة الاحتلال للتّراجع عن قراراتها لتجنيب المنطقة صراعات دينيّة لم ولن تحمد عقباها.
ومع أنّ الاعتداءات الاسرائيليّة على المسجد الأقصى لم تتوقّف، بعد حريق العام 1969، وحتّى يومنا هذا، وأنّ المخطّطات الاسرائيلية لتقسيم المسجد الأقصى أو هدمه لبناء الهيكل اليهوديّ على أنقاضه، وتقسيمه الزّمانيّ لم تتوقّف حتّى يومنا هذا أيضا، إلّا أنّ الحوادث الكبيرة "حريق العام 1969 واستباحة المسجد في تموز 2017"، لم يتمّ استغلالها دبلوماسيّا بطريقة صحيحة، وسيسجّلها التّاريخ كفرص ضائعة في تاريخ الصّراع الشّرق أوسطي، تماما مثلما كانت الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى عام 1987 فرصة ضائعة، لو تستثمر دبلوماسيّا بشكل صحيح، من أجل كنس الاحتلال ومخلّفاته، وتمكين الشعب الفلسطينيّ من حقّه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف، حسب قرارات الشّرعيّة الدّوليّة.
فوزراء الخارجيّة العرب لم يجتمعوا إلا بعد انتهاء أزمة البّوابات الأكترونية والكاميرات الذّكيّة، ولم تتجنّد دول الجامعة العربيّة لطلب اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدّولي لبحث القضيّة، واتّخاذ قرارات حاسمة لانهاء الاحتلال برمّته، واكتفت بطلب "فرنسا، السويد ومصر" لمجلس الأمن للتّشاور! في حين لو كان العرب عربا، لجرى استقطاب الرّأي العامّ العالميّ، للخروج بصيغة تجبر دولة الاحتلال على الرّضوخ لمتطلّبات السّلام الذي لن يتحقّق لأحد دون كنس الاحتلال ومخلّفاته.
وإذا كانت الدّول العربيّة ذات التأثير الاقتصادي، والثّقل الاقليمي تتسابق على التذيّل لأمريكا حليفة اسرائيل الاستراتيجيّة، فإنّها لم تكلّف نفسها حتّى "بتوسّل" حلّ للصراع من أمريكا! في حين لا زالت ناشطة في مجال الاحتراب الدّاخليّ في بعض الدّول الشّقيقة خدمة للمصالح الأمريكيّة، وتواصل التّطبيع مع اسرائيل على أكثر من صعيد، ممّا يعني اغفال ممارسات الاحتلال وفي مقدّمتها الاستيطان الدّؤوب، وما يترتّب عليه من ترسيخ للاحتلال سيمنع إقامة الدّول الفلسطينيّة حسب قرارات الشّرعيّة الدّولية.
وسوم: العدد 734