الاستغلال للديمقراطية وحقوق الإنسان!!
حقوق الإنسان والديمقراطية وموقف الغرب تجاه مصر ومنطقتنا والمسلمين؛ موضوع واصلت الكتابة عنه عبر أربعة مقالات سابقة، وقد بينت في المقال الرابع ازدواجية المعايير في تعاطي الغرب مع حقوق الإنسان في منطقتنا والعالم الإسلامي، وأن فرقا شاسعا بين الواقع والشعارات تفضحه مواقف الغرب عموما.
خلال الأيام السابقة أصدرت منظمة هيومن رايتس واتش تقريرا موثقا ومكونا من 63 صفحة عن التعذيب في مصر، والذي وصفته بالممهنج. واتهمت السلطات المصرية بممارسة التعذيب، وطالبت بمحاسبة المسؤولين عن ذلك. وكان رد السلطة في مصر بحجب موقع المنظمة والتنديد بالتقرير.
لقد تواكب تقرير هيومن رايتس واتش مع ما نُشر حول موافقة لجنة المساعدات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي على خفض المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر؛ بقيمة 337 مليون دولار في خطوة قيل إنها بسبب السياسات القمعية للنظام المصري وعدم احترام حقوق الإنسان! وقد هلل كثيرون لذلك، رغم أن الأمر لا يعدو كونه أكثر من مشروع قرار وافقت عليه لجنة مختصة ويحتاج لموافقة الكونجرس عليه. ولكنه لا شك مثل قلقا بالغا للنظام في مصر، خاصة أنه يأتي بعد قرار في آب/ أغسطس الماضي بتعليق معونة لمصر قدرها 95.7 مليون دولار أمريكى وتأجيل 195 مليون دولار إضافية؛ قيل إنها بسبب الفشل في تحقيق تقدم تجاه احترام حقوق الإنسان، والأعراف الديمقراطية، رغم أن الكثير من التحليلات تُشير إلى أن حقوق الإنسان ليست المعني المباشر بكل ما سبق، ولكن الهدف هو الضغط بخصوص العلاقات مع كوريا الشمالية وأمور أخرى.
حقيقة الموقف وبغض النظر عما سبق، فإن ما يعنينا هنا هو ما يراه البعض من أن هناك استفاقة أمريكية بخصوص أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وأن الكيمياء التي كانت بين السيسي وترامب قد فسدت معادلاتها! وهذا ما لا أعتقده ولا يترشح مطلقا من خلال سياسة أمريكا ومؤسساتها والتي لا تعرف سوى مصالحها المطلقة، وإن أية انتقادات للأوضاع في مصر أو غيرها ما هي إلا ورقة للضغط على النظم التي تعتمد في وجودها على الدعم الأمريكي الذي يمثل الظهير الوحيد لها، في ظل العلاقة المهترئة بين هذه النظم وشعوبها وحكمها بالاستبداد.
إن حقيقة الموقف الرسمي الأمريكي والغربي من الديمقراطية وحقوق الإنسان في منطقتنا والعالم لا تعدو كونها مجرد دعاوى وأدوات ضغط تُستخدم منذ عقود طويلة، وحتى الأمم المتحدة ومنظماتها لا تخرج أيضا عن هذا الإطار في ظل الهيمنة الأمريكية والغربية عليها. وقد عبر عن ذلك بوضوح واقع الممارسات على الأرض؛ ففي تقرير للمنظمة الأمريكية لحقوق الإنسان نشرته (مجلة لوفوفيل أوبزرفاتور) بتاريخ 22 آذار/ مارس 1993 في عددها الثالث عشر ذكرت فيه أن مبدأ حقوق الإنسان مظلة جميلة تحتمي بها الأمم المتحدة من حرارة الاشتباكات الدموية في المناطق الساخنة في العالم وليس كهدف لإنجاح عمليات السلام، وكانت مظاهر هذا التهاون كبيرة ومتعددة تتجلى في فقدان المصداقية، وفي فشل العمليات وعدم القدرة على إيجاد الحلول الناجعة لحل النزاع.
إن ملف حقوق الانسان والديمقراطية لا يتعامل معه الغرب وأمريكا تجردا للقيم الإنسانية والأخلاق، ولكنه أداة للاستغلال حسب مصالحه. يضاف إلى ذلك؛ أن الغرب وأمريكا ينظران إلى مصر والبلاد العربية والإسلامية نظرة دونية ويعتبرونهم مفرخا للإرهابيين، ومن ثم فحقوق الإنسان والديمقراطية بعيدة عن طرق أبوابهم، وقد عبر عن ذلك ريتشارد هاس، ذو الميول الصهيونية ومدير التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأمريكية، في كلمته التي ألقاها أمام مجلس العلاقات الخارجية قبل أسبوع تقريبا من غعلان كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي السابق، عن مبادرة شراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، حيث قال: “إن التجارب القاسية علمتنا أن مثل هذه المجتمعات (يقصد المجتمعات العربية والإسلامية) مصدر الإرهابيين والمتطرفين الذين يستهدفون أمريكا لتأييدها للنظم الحاكمة في بلادهم”!
الديمقراطية للغرب إن الغرب ينظر للديمقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان على أنها حق خاص به، ولذلك فإن على شعوبنا المقهورة أن تدرك ذلك بوضوح، وأن البلدان الرأسمالية لن تسمح بتمتع الشعوب المقهورة بمثل هذه الديمقراطية؛ خوفا من أنها قد تمنع الغرب وشركاته الرأسمالية من استغلالها واستعمارها، بل قد يقرر شعب ما التحرر من هذا الاستعمار.
إن الباحث الغربي “كازانجيكيل” في حديثه عن الرأسمالية الغربية؛ يؤكد أن النظام الرأسمالي الغربي يمنع قيام المواطنين في العالم الثالث حتى من خلق رأسماليتهم المحلية المستقلة، مما منعهم من مكافحة بيروقراطية دولتهم التابعة أو سيطرتهم على الحكومة والدفاع عن مصالحهم الاقتصادية، كأي دولة غربية ذات سيادة، فالدولة المحلية تشكلت لحماية الإنتاج الرأسمالي للشركات عابرة الأوطان،و التي تمول الدولة العميلة لهذا الغرض.
إن الغرب وأمريكا – لمن لا يعلم – راضيان تماما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدعم طائفة من المستبدين، طالما هم يدعمون المصالح الغربية ويرعونها.
في شتى مناطق العالم الأخرى يُتوقع دوما من النظم والحكومات أن تخدم شعوبها، لكن الغرب وأمريكا ينظرون إلى الإستبداد في منطقتنا على أنه ضمانة “الاستقرار”، حتى لا ينزاح الغطاء عن مطالب الشعوب ومصالحها التي تتعارض – بدون شك – مع مصالح الغرب.
إن العالم الغربي وأمريكا يروجون لحقوق الإنسان كقاعدة عامة، لكن مصر ومنطقتنا العربية والمسلمون هم الاستثناء في نظر العالم، فلا يغتر أحدٌ بمواقف أمريكية أو غربية تنتقد أو تندد هنا أو هناك.
أعتقد أن سؤالا مهما يتردد الآن، وهو: ماذا بعد في ظل حقيقة الموقف الأمريكي والغربي من الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر والمنطقة؟ وللإجابة عن هذا السؤال مازال للحديث بقية.
وسوم: العدد 738